إعداد – أحمد البشير:
في تحرك واضح لتعزيز مكانة موسكو في أسواق الطاقة الأوروبية، عرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تصدير المزيد من الغاز عبر تركيا، وتحويل البلاد إلى مركز إمداد إقليمي لصادرات الغاز الروسي إلى الدول الأوروبية.
كان بوتين قد التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش قمة في العاصمة الكازاخية، أستانا، وذلك بعد أيام من إطلاق موسكو أكبر هجوم صاروخي جوي على القوات الأوكرانية منذ اشتعال الحرب في فبراير الماضي.
وسعى أردوغان إلى العمل وسيطاً بين موسكو وكييف، واستضاف سابقاً محادثات سلام أولية في إسطنبول في مارس /آذار الماضي، على الرغم من أن تلك المناقشات لم تكن حاسمة. وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين إن أردوغان وبوتين لم يناقشا موضوع التسوية الروسية الأوكرانية خلال الاجتماع.
وكان للزعماء الروس والأتراك علاقة معقدة ذات منافع متبادلة في بعض الأحيان، وبالنسبة إلى بوتين، تشمل الفوائد مبيعات الطاقة والأسلحة والاستثمار والارتباط الوثيق بعضو في حلف الناتو. وبالنسبة لأردوغان، تشمل الفوائد من علاقته بروسيا الحصول على مصدر طاقة رخيص وتصدير المنتجات التركية، إضافة إلى توطيد قطاع السياحة بين البلدين.
وبعد أن تضررت أنابيب غاز «نورد ستريم» في بحر البلطيق، بسبب الانفجارات في الشهر الماضي، قالت موسكو إن تركيا قد تكون أفضل طريق لإعادة توجيه إمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي.
إن إنشاء مركز للغاز في تركيا يمكن أن يجعل أنقرة لاعباً قوياً في أسواق الغاز الدولية ويفتح إمكانية بيع الغاز الروسي إلى أوروبا عبر وسيط. وقال الرئيس بوتين إن المركز المقترح جذاب لأنه سيعطي كلا البلدين مزيداً من التأثير لتحديد الأسعار.
وبدا أن بوتين يحاول إحياء نسخة من «ساوث ستريم»، وهو خط أنابيب تحت البحر الأسود يمتد إلى جنوب أوروبا، قد ألغاه في عام 2014، بعد مواجهته لمعارضة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وبعد الإلغاء، بنت روسيا خط أنابيب أصغر إلى تركيا، كعميل رئيسي للغاز الروسي، حيث تقوم بتزويد المجر ودول أخرى ببعض الغاز عبر هذا الخط.
وقال ماسيمو دي أودواردو، نائب الرئيس لأبحاث الغاز في شركة «وود ماكينزي»، وهي شركة استشارية في إدنبرة، إن خطوط الأنابيب الحالية توفر قدرة كافية لزيادة تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا.
ونظراً لتعطل تجارة الغاز بين روسيا وأوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا، كان الكرملين يبحث عن طرق لتحويل مبيعات الغاز إلى دول أخرى، وقال بوتين إن روسيا ستبدأ قريباً في بناء خط أنابيب جديد إلى الصين.
هدنة القمح
وسهّل أردوغان في يوليو/ تموز إبرام صفقة بوساطة الأمم المتحدة لاستئناف شحن الحبوب الأوكرانية والأسمدة الروسية، ومن المقرر أن تنتهي صلاحية الصفقة الشهر المقبل.
وكان أردوغان قد صرح علناً أنه يأمل في جمع بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي معاً لإجراء محادثات لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وتقول مصادر تركية إن الحكومة تأمل في تنظيم قمة في إسطنبول في ال 25 من نوفمبر / تشرين الثاني لاقتراح وقف إطلاق النار وتشكيل لجنة لبحث سبل إعادة حدود أوكرانيا وروسيا إلى ما كانت عليه في عام 2014.
ويأتي قرار أردوغان بالتواصل مع روسيا في الوقت الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة وروسيا عن نيتهما إجراء محادثات. وصرح المتحدث باسم الأمن القومي للبيت الأبيض جون كيربي أن الولايات المتحدة مستعدة لإجراء محادثات، لكن روسيا رفضت. ورداً على ذلك، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إنه لم يُعرض عليه «بعد» أي اتصال من الولايات المتحدة. كما كررت وزارة الخارجية الروسية رغبتها في الدبلوماسية وألقت باللوم على الولايات المتحدة في تثبيط ذلك.
وامتنعت تركيا عن الانضمام إلى العقوبات المفروضة على روسيا وحاولت بدلاً من ذلك لعب دور الوسيط. وساعد الصراع أردوغان سياسياً واقتصادياً من خلال وضعه في موقع يمكّنه من التفاوض مع جميع الأطراف المعنية.
دور أنقرة
كما أن علاقات تركيا المتعددة الأوجه والطبقات مع روسيا، والتي تشمل التعاون العسكري في 3 جبهات، والعلاقات الاقتصادية والتعاون في مجال الطاقة، تجعل من الصعب على أنقرة وموسكو المخاطرة بتعريض علاقاتهما للخطر.
وسيكون الأمر ضاراً للغاية بتركيا إذا انتهت الحرب بانتصار روسي، الأمر الذي سيشهد سيطرة روسيا على معظم البحر الأسود وتغيير ميزان القوى الحالي بشكل كبير. وبالمثل، فإن الهزيمة والاضطراب الروسي الشامل لن يفيد أنقرة أيضاً.
وحتى الآن، كانت العواقب السلبية للحرب محدودة على تركيا، وبعضها قد تم تعويضه بفوائد. ويمكن أن يؤدي السلام الذي تتوسط فيه تركيا، إلى زيادة دور البلاد في البحر الأسود وما وراءه، إضافة إلى توطيد علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع كييف وموسكو.
وفي حال اتخذ أردوغان القرارات الصحيحة أثناء التعامل مع هذه المحادثات، فقد يرى فوائد ملموسة في الداخل وحول العالم على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وفي حال أصبح يُنظر إلى أردوغان بأنه لاعب محوري في تعزيز السلام والاستقرار دولياً، فسيكون ذلك مهماً للغاية من حيث نظرة الناخبين المحتملين وأولئك داخل المؤسسة التركية إليه، خصوصاً أن أردوغان سوف يخوض الانتخابات الرئاسية العام المقبل وسط معارضة سياسية ضارية. وسيكون بالإمكان إقناع بعض الناخبين بالمزايا الاقتصادية التي يمكن أن تنجم عن الدور الدولي الضخم الذي يمكن أن تلعبه أنقرة.
ويتمتع أردوغان بخبرة أكبر في إدارة الأزمات السياسية والعسكرية الدولية من نظرائه الأوروبيين. ونتيجة لهذه التجربة، قرر عدم اتباع العقوبات الغربية على موسكو، والتحلي بضبط النفس.