د. أحمد سيد أحمد *
بعد غياب أكثر من عامين، تنعقد القمة العربية المقبلة في الجزائر في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في ظل تحديات عديدة إقليمية ودولية تتطلب الخروج بقرارات مهمة وتحديد الأولويات العربية.
تنعقد القمة العربية المقبلة في توقيت مهم للغاية في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه المنطقة العربية إقليمياً ودولياً، تتطلب التعامل معها بجدية. فعلى المستوى العربي، لا تزال الصراعات والأزمات العربية مستمرة في عدد من الدول العربية، خاصة سوريا واليمن وليبيا، والأزمات السياسية في العراق ولبنان والسودان، وهو ما أعاق هذه الدول عن الانطلاق وتحقيق التنمية مع استمرار حالة اللاحسم السياسي لهذه الأزمات. فرغم تراجع وتيرة العنف والصراع المسلح في ليبيا واليمن وسوريا إلا أنه لم يتم التوصل إلى حلول سياسية توافقية دائمة لتلك الأزمات نتيجة لتزايد حدة الاستقطاب الداخلي التي تغذيها التدخلات الخارجية مثل تعنت ميليشيات الحوثي في اليمن، وهو ما أطال من أمد تلك الصراعات والأزمات. إضافة إلى التحديات العربية المتمثلة في تراجع معدلات النمو وانتشار الفقر والبطالة والأزمات الإنسانية في العديد من الدول العربية التي تشهد أزمات وصراعات مسلحة. كذلك تحدى استمرار الانقسامات العربية خاصة الخلافات بين بعض الدول العربية، كما هي الحال بين المغرب والجزائر. وهناك التحديات الإقليمية المتمثلة في تزايد التدخلات الإقليمية في شؤون دول المنطقة وتغذية الصراعات والأزمات عبر المدخل الطائفي. كذلك تراجع العمل العربي المشترك نتيجة لانكفاء العديد من الدول العربية على مشكلاتها الداخلية.
تحديات دولية
أما على المستوى الدولي فإن القمة العربية في الجزائر تنعقد وسط تحديات كبيرة ناتجة عن الأزمات العالمية سواء أزمة كورونا وما أحدثته خلال العامين الماضيين من تداعيات اقتصادية سلبية، أو الأزمة الروسية الأوكرانية الحالية والتي أدت لتداعيات عالمية سلبية أثرت في المنطقة العربية خاصة في مجال أمن الطاقة وأمن الغذاء في ظل اعتماد عدد كبير من الدول العربية على استيراد غذائها من الخارج خاصة الحبوب والأسمدة من روسيا وأوكرانيا، وهو ما أدى لارتفاع أسعار تلك السلع عالمياً.
أولويات مهمة
تتطلع الشعوب العربية إلى القمة العربية القادمة في الجزائر للارتقاء إلى مستوى المسؤولية وتحقيق حد أدنى من التضامن العربي، والخروج بقرارات مهمة للتعامل مع التحديات المختلفة، السياسية والاقتصادية والأمنية، وهذا يتطلب وضع خريطة طريق عربية واضحة الأولويات والآليات.
– أولاً: تعزيز التضامن العربي لمواجهة التحديات المختلفة، فلا يمكن لدولة عربية بمفردها أن تواجه كل تلك التحديات الإقليمية والعالمية وإنما من خلال التضامن والتعاون العربي. وتحقيق التضامن العربي يتطلب تهيئة البيئة العربية وتسوية الخلافات السياسية بين بعض الدول العربية وإنهاء الانقسامات وتوحيد الرؤى وتنسيق المواقف بشأن سبل التعامل مع الأزمات المختلفة. كما يتطلب أيضاً حسم الملفات الخلافية خاصة مسألة عودة سوريا للجامعة العربية، فلا شك في أن عودة سوريا إلى بيتها العربي تمثل أولوية مهمة للقمة العربية لأن استمرار استبعادها له تداعيات سلبية خطيرة على سوريا وتحقيق الأمن والاستقرار فيها، وكذلك على العمل العربي المشترك، خاصة أن غالبية الدول العربية تؤيد عودة سوريا من أجل زيادة الدعم العربي لها وتقليل الأدوار الخارجية فيها.
– ثانياً: العمل على زيادة الدور العربي في تسوية الأزمات والصراعات التي تشهدها بعض الدول العربية خاصة في سوريا واليمن وليبيا والسودان في إطار التوصل إلى حلول سياسية توافقية دائمة، والحفاظ على الدولة الوطنية العربية ودعم مؤسساتها الشرعية ورفض كل أشكال التدخلات الخارجية.
– ثالثاً: بلورة رؤى عربية موحدة وتنسيق المواقف والتوجهات فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمات العالمية وحالة الاستقطاب الدولي الحالية، وذلك من أجل تعظيم المصالح العربية وتقليل الآثار السلبية لتلك الأزمات على المنطقة العربية.
وهنا يبرز أهمية انتهاج الحياد الإيجابي من جانب الدول العربية فيما يتعلق بالاستقطاب الدولي. وبالفعل فقد تبنت الدول العربية الصلبة مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية سياسة متوازنة في الأزمة الأوكرانية من خلال عدم الانحياز لطرف ضد الأخر، بل والتدخل بإيجابية لحل الأزمة عبر الدبلوماسية والحوار في إطار احترام القانون الدولي. وهذا النهج الذي تبنته الدول الثلاث في التعامل مع الاستقطاب الدولي الحالي يتطلب أن يكون موقفاً عربياً جماعياً وأن تتبنى الدول العربية الأخرى نفس النهج.
– رابعاً: أولويات تحقيق التنمية وتعزيز التعاون العربي الاقتصادي المشترك ودعم التجارة البينية العربية والاستثمارات المشتركة وتفعيل الاتفاقيات الاقتصادية السابقة، وإقامة المشروعات المشتركة خاصة في مجال الزراعة لدعم الأمن الغذائي العربي، وهذا الأمر يكتسب أهمية كبيرة في ظل أزمات الغذاء العالمية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية والتغيرات المناخية التي أدت إلى الجفاف والتصحر في المنطقة العربية وأثرت سلباً في الزراعة.
واقعية القرارات
ليس مطلوباً من القمة العربية في الجزائر أن تصدر عشرات القرارات بشأن كل الملفات حتى لا تكون تكراراً للقمم السابقة، وهو ما يصعب تنفيذه على أرض الواقع، وإنما من المهم أن تركز القمة على الأولويات الأربع السابقة ومعالجتها وفق إطار زمني محدد لتنفيذها والانتهاء منها، وأن تكون هناك آليات للمتابعة الدورية من قبل مؤسسة القمة والمؤسسات العربية التابعة للجامعة العربية.
* خبير العلاقات الدولية في الأهرام