تقرير من إعداد نادين إبراهيم، ضمن نشرة الشرق الأوسط البريدية من CNN. للاشتراك في النشرة (اضغط هنا)
أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) — تستخدم دول الخليج النفطية الكبيرة، الثروات المكتسبة حديثًا، والتي جنتها نتيجة حرب أوكرانيا لبناء جسور اقتصادية مع جيرانها الأكثر فقرا، والذين اعتبر الخليج بعضهم خصومًا في السابق.
الأنظمة الملكية تضاعف الآن من التعاون الاقتصادي. في قلب هذه المبادرة الدبلوماسية توجد صناديق الثروة السيادية، التي تعمل على تأمين الاستقرار الإقليمي من خلال استثمارات بمليارات الدولارات.
المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – وكلاهما يجني عائدات هائلة من ارتفاع أسعار النفط هذا العام – يتصدران هذه الاستثمارات، ويرسخان أنفسهما في البلدان التي واجهت اضطرابات في بعض أجزائها بسبب الضائقة الاقتصادية.
قال صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي إن مصدري الطاقة في الشرق الأوسط، بما في ذلك دول الخليج، من المتوقع أن يشهدوا مكاسب غير متوقعة بنحو تريليون دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة على خلفية الطفرة النفطية هذا العام.
قال مايكل مادويل، رئيس معهد صندوق الثروة السيادية في لاس فيغاس، لـCNN إن المال له تأثير كبير، وأضاف أنه “يمكن استخدام صناديق الثروة السيادية كأدوات للسياسة الخارجية، كنوع من القوة الناعمة”.
وبعد ما يقرب من عقد من السياسة الإقليمية التي تضمنتها نزاعات، تتجه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة نحو نهج أقل تصادمية. وقد أصلحت هاتان الدولتان العلاقات مع الخصمين الإقليميين تركيا وقطر، وتواصلت كلتاهما مع إيران. كما قللتا بشكل كبير من نشاطهما العسكري في اليمن، حيث خاضتا الحرب قبل سبع سنوات.
يقول المحللون إن هذا نهج جديد لضمان الاستقرار الإقليمي، وذلك بشكل أساسي من خلال تعزيز الاقتصادات الرئيسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط من خلال الاستثمارات التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمموليها.
وقال أيهم كامل، رئيس فريق أبحاث الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة أوراسيا، إن “الهيكل الحالي بالتأكيد تطور من الأيام التي كان يُنظر فيها إلى القوة الصلبة على أنها أكثر فاعلية”.
أعلن الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الأسبوع الماضي أن صندوق الاستثمارات العامة، يؤسس خمس شركات إقليمية بقيمة 24 مليار دولار في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
من البنية التحتية والتطوير العقاري إلى الاتصالات والتكنولوجيا، تستهدف الاستثمارات الجديدة لصندوق الاستثمارات العامة البحرين والعراق وعُمان والأردن والسودان ومصر.
شهدت بعض هذه البلدان اضطرابات سياسية عندما هزت انتفاضات “الربيع العربي” عام 2011 المنطقة منذ أكثر من عقد. ولا تزال دول أخرى عالقة في الفوضى الاقتصادية والسياسية التي نتجت عنه.
وقال حسين إيبش، الباحث المقيم البارز في معهد دول الخليج العربية في واشنطن: “هذا جزء من جانب القوة الناعمة واللزجة للابتعاد الاستراتيجي والتكتيكي عن عقد من المواجهة والصراع بدأه الربيع العربي”.
وقال لـCNN إن الدول التي “عرضت قوتها في الشرق الأوسط، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – مع استثناء جزئي لإيران – وجدت نفسها مجهدة وإلى حد ما منهكة بعد عقد من المواجهة”.
جاء إعلان صندوق الاستثمارات العامة في اليوم الثاني لمبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض. وفي بيان له، قال صندوق الاستثمارات العامة إنه ينتهج “استراتيجية للبحث عن فرص استثمارية جديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”. وأضاف أن الاستثمارات تهدف أيضا إلى “تنويع مصادر إيرادات المملكة العربية السعودية”.
كان العام الماضي جيدًا بشكل عام للمستثمرين المملوكين للدولة في جميع أنحاء العالم، وفقًا لتقرير Global SWF السنوي لعام 2022، حيث توسع حجم صناعة صناديق الثروة السيادية بنسبة 6٪ في عام 2021 وللمرة الأولى في التاريخ تجاوز حاجز 10 تريليون دولار.
صناديق الثروة الإماراتية على وجه الخصوص هي في طليعة الصناعة. وقالت Global SWF إن الدولة الخليجية تدير نحو 1.3 تريليون دولار من خلال صناديقها الاربع.
كانت مصر واحدة من وجهات الاستثمار الإقليمية الرئيسية لكل من أبوظبي والرياض. وقد شهدت احتجاجات على مستوى البلاد في عام 2011، أدت إلى إسقاط حكم حسني مبارك. ما أثار استياء دول الخليج، أن الأحداث التي تلت ذلك، أدت إلى ظهور جماعة الإخوان المسلمين لفترة وجيزة، وهي جماعة سياسية إسلامية ينظر إليها بعين الريبة في السعودية والإمارات، وتعتبر الآن منظمة إرهابية من قبل الطرفين.
اندلعت الاضطرابات في مصر منذ أكثر من عقد من الزمان جزئياً بسبب المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد. واليوم، تتراجع قيمة العملة المصرية مرة أخرى ويتصاعد التضخم في الوقت الذي تحاول فيه السلطات الحفاظ على الاقتصاد واقفًا من خلال تأمين قروض من صندوق النقد الدولي.
في أغسطس/آب، أعلنت شركة أبوظبي التنموية القابضة (ADQ) ، إحدى صناديق الثروة في الإمارة، عن عدد من الاستثمارات في الشركات المدرجة في البورصة في مصر، “بناءً على التزامها طويل الأجل بالاستثمار في النمو الاقتصادي للبلاد من خلال منصة الاستثمار الاستراتيجي المشترك التي تبلغ قيمتها 20 مليار دولار”.
كما أطلق صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية الشركة السعودية المصرية للاستثمار (SEIC) في أغسطس/آب، وهي شركة مكرسة للاستثمارات في العديد من القطاعات الحيوية للاقتصاد المصري. واشترت SEIC حصصا قيمتها 1.3 مليار دولار في أربع شركات مصرية.
لقد أثبتت اليد الدبلوماسية المالية لدول الخليج فعاليتها بالفعل في بعض البلدان. كانت تركيا ذات يوم منافسًا إقليميًا، وهي الآن حليف اقتصادي للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وقال كامل: “حتى مع الخصوم، ترى دول الخليج الآن في أصولها المالية بمثابة رافعات مهمة محتملة في بناء الجسور وتحفيز سياسات أكثر اعتدالًا في هذه البلدان”. وأضاف “لقد أتى التقارب مع تركيا باستثمارات قيمة أو ضخ مالي.”
في مواجهة أزمة عملة قاسية في الداخل، يأتي إصلاح العلاقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في وقت مناسب لأنقرة.
في العام الماضي، أنشأت الإمارات صندوقًا استثماريًا بقيمة 10 مليارات دولار “لدعم الاقتصاد التركي وتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين”.
وتبع ذلك عدد من الاتفاقيات الأخرى بين ADQ الإماراتي وصندوق الثروة التركي (TWF) ، مع التخطيط لاستثمارات كبيرة في رأس المال الاستثماري والشركات ذات الإمكانات عالية النمو في تركيا.
وفي أكتوبر، قال وزير التجارة السعودي ماجد بن عبد الله القصبي إن استثمارات بلاده في تركيا تبلغ الآن 18 مليار دولار، وفقًا لصحيفة “سعودي جازيت”، مضيفًا أن صندوق الاستثمارات العامة يتطلع إلى مزيد من الفرص الاستثمارية هناك.
يقول المحللون إنه على الرغم من تحسن العلاقات السياسية، فإن الاستثمارات الخليجية في إيران وسوريا غير مرجحة في الوقت الحالي. لكن هناك علامات على علاقة اقتصادية متنامية معها. ذكرت صحيفة “طهران تايمز” أن إيران والإمارات تستهدفان 30 مليار دولار في التجارة السنوية في غضون العامين المقبلين من 20 مليار دولار هذا العام. في وقت سابق من هذا العام، أفاد التلفزيون السوري أن الإمارات تزن الاستثمارات في البلاد، دون تقديم تفاصيل.
لكن هذه الأنواع من الشراكات الاقتصادية قد تقطع شوطًا طويلاً في المساعدة على حماية دول الخليج من الاضطرابات والصراعات المستقبلية مع جيرانها.
يقول إيبش إن “تكامل البنية التحتية” يمكن أن يساعد في “تقليل مخاطر الصراع من خلال خلق المصالح المتبادلة والاعتماد المتبادل”، مما يمنح البلدان حوافز قوية لتجنب المواجهة.