بمجرد الوصول إلى مرحلة المراهقة، تبدأ فترة صعبة نتيجة للانتقال إلى مهارات جديدة مثل التحكم في العواطف واكتساب المزيد من الاستقلالية عن الوالدين ومسؤولية اتخاذ القرارات، بحسب ما نشره موقع “Neuroscience News” نقلًا عن مجلة “The Conversation”.
يميل الأولاد والبنات إلى خوض التجارب ويخاطرون ويرتكبون الأخطاء حتى يبلغوا سن الرشد. وعند التفكير في أحوال المراهقين، فإن بعض أبرز المشكلات التي يمكن أن تتبادر إلى الذهن هي تقلب المزاج وإساءة استخدام التقنيات الرقمية والشبكات الاجتماعية والشجار وغيرها من السلوكيات الخطرة والمثيرة للقلق.
إنها مرحلة معقدة في الحياة، وبمجرد أن نصبح راشدين بالغين، نكافح من أجل تذكرها وغالبًا لا نفهمها. بالنسبة للراشدين البالغين، الذين يعيشون أو يعملون مع المراهقين، فإن هناك أيضًا تحدياً. لكن من المهم فهم كيفية رؤية المراهقين للعالم أو ما الذي يجعلهم يتصرفون بطريقة معينة، والذي يتطلب جزئيًا فهم إشارات التطور، التي تساعدهم على تحديد هويتهم الشخصية والجنسية، وتعلم كيفية أن يكونوا جزءًا من مجموعة الأقران وبداية الانفصال العاطفي عن الوالدين.
البحث عن المتعة
يساعد التقدم العلمي في علم الأعصاب على فهم كيفية قيام المراهقين بعملية صنع القرار. ولعل أهم اكتشاف هو أن المراهقين تكون أدمغتهم في طور النمو، لذلك لا يكون قد تم اكتساب جميع الكفاءات بالكامل، مما يفسر سبب الوقوع في بعض الأخطاء.
عقول المراهقين تعبيرية
خلال فترة المراهقة، يكون هناك العديد من المواقف التي تتطلب اتخاذ قرارات مثل تجربة شيء جديد أو الاقتراب من شخص آخر يجد المراهق أنه جذاب أو مخالفة لقاعدة أو تعليمات وضعتها الأسرة. وتتضمن كل هذه القرارات تشغيل منطقتين من الدماغ تنضجان في أوقات مختلفة للغاية حسب طبيعة جسم كل مراهق.
1. نظام الميزوليمبي
يعد النظام الميزوليمبي، أو ما يعرف بالنظام الوسطي الطرفي في المخ، مسؤولًا، من بين أمور أخرى، عن تنظيم نظام المكافآت في أجسامنا. يعزز هذا النظام تكرار السلوكيات التي تحقق المتعة، مثل الاحتفال مع الأصدقاء أو سلوكيات البقاء مثل شرب الماء من وقت لآخر أو في الأيام شديدة الحرارة. يتم تفعيل نظام الميزوليمبي جزئيًا عن طريق إنتاج الهرمون، ولهذا السبب يكون تنشيطه خلال فترة المراهقة مرتفعا للغاية.
2. قشرة الفص الجبهي
كما تعد قشرة الفص الجبهي منطقة رئيسية في الدماغ في تلك المرحلة العمرية، وهي مسؤولة عن الوظائف التنفيذية مثل تنظيم الاندفاع وضبط النفس. تتمثل إحدى وظائفها في تقييم عواقب السلوك. ولكن تكون قشرة الفص الجبهي في طور النمو خلال سنوات المراهقة، مما يعني أن هناك عجزًا في النضج في مناطق الدماغ المسؤولة عن التحكم السلوكي.
تسمى تلك الحالة أو الخلل في الأدبيات العلمية نموذج الأنظمة المزدوجة، وهو ما يمكن أن يكون مفتاحًا لفهم سبب اتخاذ بعض المراهقين أحيانًا قرارات غير مدروسة العواقب، لأنه لم يتم الجمع بين نظام البحث عن المتعة الفعال للغاية مع تطوير نظام تنظيم سلوكي واعٍ. باختصار، إنه مزيج مثالي للمراهقين للانخراط في سلوكيات يعتبرها الكبار محفوفة بالمخاطر.
جزء من مجموعة أقران
بالإضافة إلى التطور الفردي، فإن العالم الاجتماعي للمراهقين هو أيضًا مفتاح في هذه المرحلة. خلال سنوات المراهقة يكون الأقران جزءًا أساسيًا من التنشئة الاجتماعية والتعلم. لا ينفصل الأولاد والبنات تمامًا عن الأسرة، لكنهم يوسعون دائرتهم الاجتماعية. يبحثون بشكل متزايد عن الثقة والدعم والأمان في أصدقائهم.
يصبح تكييف وتعديل سلوك الفرد ليكون جزءًا من هذه المجموعة والشعور بالاندماج فيها أولوية. وستنظم معايير المجموعة، إلى حد كبير، السلوك الفردي. ما يراه الآخرون إيجابيًا ومقبولًا سيكون مرغوبًا ويتكرر. سيتم قمع ما هو خاضع للرقابة أو ينظر إليه على أنه سلبي.
بهذه الطريقة، سيحاول المراهقون المتطورون التوافق مع ما يفترضون أن المجموعة تتوقعه منهم أثناء مواجهة عناصر مثل ضغط الأقران – أي التأثير الذي يمكن للمجموعة الاجتماعية أن تمارسه على الشخص – أو حتى “السمع الوهمي”، وهي سمة من سمات التطور المعرفي للمراهقين تجعلهم يعتقدون أن الآخرين ينظرون إليهم دائمًا ويقيمون أفعالهم ويحكمون عليها.
دور الكبار
إن تنمية المراهقين عملية معقدة ذات خصائص خاصة للغاية. لا يمكن اعتبارهم حتى الآن بالغين راشدين، لكن بينما يتم الابتعاد رويدًا عن السلوكيات الطفولية فإنه لا تزال المخاطرة سمة مميزة للمراهقة.
ولكن لا يجب أن تكون هذه المرحلة عاصفة، سواء للمراهقين أو للكبار في حياتهم، إذا تم فهم ما يحدث ولماذا يتصرف المراهقون بهذه الطريقة الخاصة. كما تكون القدرة على السيطرة وإدارة المواقف الصعبة أسهل إذا أتيحت الفرصة لمنح المراهق أدوات ودعم معينين، كما يلي:
1. التعلم من الأخطاء
إن ارتكاب الأخطاء والمجازفة هي أمور من الوارد حدوثها خلال مرحلة المراهقة، لكن من المهم دعم المراهق وتوجيهه إلى أن المهم هو التعلم منهما.
2. تطور الدماغ
يجب أن يقوم الكبار بالشرح بعناية وباستمرار كيفية تقييم العواقب لأي سلوك أو قرار، خاصة وأن متعة تجربة بعض السلوكيات المحفوفة بالمخاطر تحرم المراهق من التقييم المناسب لعواقبها.
3. حدود حرية التجربة
يحتاج المراهقون إلى الشعور بالحرية في التجربة وارتكاب الأخطاء، لكنهم بحاجة أيضًا إلى معرفة الحدود والعواقب لحرية خوض التجارب. على الرغم من أنهم يريدون أن يكونوا مستقلين، إلا أنهم مازالوا بحاجة إلى الشعور برعاية الكبار.
يختلف منظور المراهق اختلافًا كبيرًا عن منظور الراشد، وبالتالي فإن فهم وجهة نظره وتقييمها على هذا النحو أمر أساسي. يكون المراهق في المقام الأول بحاجة إلى الشعور بأنه يتم الاستماع إليه وفهمه، أثناء مروره بمرحلة يمكن أن يكون صعبة.