د. نيللي كمال الأمير*
قبل سبعة وعشرين عاماً، وتحديداً في 28 مارس /آذار 1995 افتتحت الحكومة الألمانية قمم المناخ الأممية، باستضافة الدورة الأولى لمؤتمر الأطراف (كوب 1) وبعد 27 سنة، أشار أحدث تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن الأخير وصل نقطة تقترب من الخروج عن السيطرة ووجدنا أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة يصرح بأن قمة شرم الشيخ يجب أن تقدم «دفعة أولى» بشأن الحلول المناخية تتناسب مع حجم المشكلة.
كي نتمكن من دراسة فرص وتحديات قمة شرم الشيخ «كوب 27»، علينا التأكيد على حقائق ثابتة في قمم المناخ: (1) تراكم الأثر، (2) تصاعد الأزمة، (3) الاعتماد المتبادل. فكل قمة تستكمل أعمال القمة السابقة عليها، والخسائر الناجمة عن تغير المناخ تزداد عاماً بعد عام في ظل حالة «التقاعس» من الملوثين الأساسيين عالمياً، وأخيراً، فإن تغير المناخ عابر للحدود، ما يتطلب انخراطاً جاداً من «مثلث الفاعلين»: الحكومات والمنظمات المجتمعية وعلماء المناخ.
نبدأ مع أثر «كوب 26» في قمة شرم الشيخ، تركت قمة جلاسكو إرث تعهدات مكثت داخل غرف التفاوض، ولم تخرج للنور وترتبط بالتزامات الصافي الصفري، وحماية الغابات والتمويل المناخي، فأصبحت مهمة الانتقال «من مستوى التخطيط لمستوى التنفيذ» ضمن أجندة شرم الشيخ، مع الأخذ في الاعتبار أن البيئة الدولية الآن تمر بظروف أسوأ جراء الحرب الروسية الأوكرانية مثلاً. علاوة على استكمال مفاوضات تمويل «الخسائر والأضرار» لتتمكن بلدان الخطوط الأمامية للأزمة من التعامل مع تغير المناخ.
غياب الكبار يرتبط بالبعد التمويلى، غياب قيادات مهمة تحمل إثم تغير المناخ كالرئيس الصيني ونظيره الروسي ورئيس وزراء الهند. وإن كان ذلك الفراغ فتح المجـــال لظهور أمريكي واسع، حيث اعتذر الرئـــيس الأمريكي عن انسحاب بلاده من اتفاق باريس للمناخ عام 2017، وأكد مسؤولية كل دولة في مواجهة تغير المناخ لارتباطه بالأمن البشري والاقتصادي والقومي. وتعهدت الولايات المتحدة وهي ثاني أكبر ملوث في العالم، بتقديم 150 مليون دولار لدعم مبادرات التكيف بإفريقيا، وأن مصر ستحصل على 500 مليون دولار إضافية للمساعدة على تمويل الانتقال للطاقة النظيفة، علاوة على مضاعفة تمويل العمل المناخي.
«كوب 28»
بطبيعة الحال، تتناول قمة شرم الشيخ أيضاً مراجعة كيفية تنفيذ كتاب قواعد باريس (الصادر عن مؤتمر كوب 22). وتمهد أعمال «كوب 27» لأعمال مؤتمر «كوب 28»، من خلال بحث سبل قياس الدول عملياً انبعاثاتها بمجال متكافئ للجميع، تمهيداً لإجراء أول تقييم عالمي لحجم الانبعاثات خلال قمة «كوب 28» التي تعقد في دولة الإمارات، والذي سيقيم التقدم العالمي (الجماعي) بشأن التخفيف والتكيف وسبل تنفيذ اتفاق باريس لعام 2015.
يظل التحدي الأكبر لنجاح قمة المناخ في التأكيد على البعد الإنســـاني لتغير المناخ، وهنا توقفت قمة شرم الشــــيخ عند المساواة والعدالـــة المناخية والتوظيف فقـــدمت منظمة العمل الدولية مبادرة للوظائف الخضراء، وتــــم التأكيد على حقوق الفئات الأكثر تضرراً، وشارك أطفال (ناشطون بيئيون) في الوفود الرسمية للهند وكولومبيا. كما تم -للمرة الأولى- إدراج قضية تعويض الدول الغنية الدول الأكثر تضرراً، كما شهد المؤتمر إدراج المياه كقضية مستجدة على أجندة مؤتمرات الأطراف.
ننتقل لآفاق التعاون التي أتاحتها قمة شرم الشيخ: نبدأ بمستوى الدولة المضيفة، مصر، والتي تحاول التأكيد على دمج البعد البيئي في السياسات لتحقيق مكاسب مستدامة، واستطاعت توقيع اتفاقيات لتنفيذ مشروعات مناخية بقيمة إجمالية 15 مليار دولار، وقدمت مصر مبادرتين لتسهيل مبادلة الديون لتغير المناخ وخفض تكلفة الاقتراض الأخضر. إقليمياً تعهدت مجموعة التنسيق العربية بتقديم تمويل تراكمي بقيمة 24 مليار دولار حتى 2030 للتصدي لأزمة المناخ، وعالمياً، أطلق البنك الدولي صندوقاً جديداً متعدد الشركاء لبناء مسارات قابلة للتطوير نحو خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ضمن صفقات تمويلية.
التحدي والفرصة
يتضح إذاً أن التحدي والفرصة يمتزجان معاً، نتيجة حالة الاعتماد المتبادل التي تخلقها قضية تغير المناخ، وبالتالي يمكن أن تتحول محنة تغير المناخ لمنحة، إذا توافرت بيئة تعاون دولي، وجهود علمية منظمـــة، كما حدث في عام 1973، عندما أدت العقوبات العربية بقطـــع النفط العربي عن الغرب إلى تطوير اليابان للســيارات الموفرة للطاقة، ويمكـــن لأزمة الطاقة التي خلفـــتها الحرب وأزمة التلوث التي خلفتها – ولا تزال – الطاقة أن تخلق الدافــع للانتقال المتسارع للطاقة النظيفة.
ختاماً، حتى وإن كانت المهام الأساسية لقمة شرم الشيخ، التوصل لاتفاق حول أفضل سبل التخفيف والتكيف، وتطوير الخطط الحالية التي لا تزال غير كافية (وهي مهام ليست باليسيرة بطبيعة الحال)، تظل لقمة شرم الشيخ محوريتها؛ فهي أول قمة إفريقية لمؤتمر الأطراف، استطاعت أن توصل أصوات الجنوب إلى الشمال، وأن تضع قضايا اللجوء البيئي وندرة المياه ووقف الحروب على جدول أعمالها، قمة شرم الشيخ قمة «عربية» تسعى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتمهد لقمة قادمة عربية أيضاً (كوب 28 في دبي) وبينهما كأس عالم عربي كذلك (قطر 2022). ووسط هذه الاستضافات العالمية الكبرى و«العربية» يمكن أن تتحول تحديات تغير المناخ لفرص، فأكثر من 85% من شباب العالم في الدول النامية، وأكثر من 70% من سكان الوطن العربي من الشباب، وتستطيع تلك القوة البشرية -باستخدام العلوم- إنقاذ الغابات بتقديم مزيد من الحلول الرقمية لحفظ البيانات، وخفض معدلات التلوث بتقديم مزيد من حلول الطاقة النظيفة. وكما أن دور التأثير البشري (السلبي) في تغير المناخ لا جدال فيه، فقمة شرم الشيخ (بالتواجد العربي والإفريقي) يمكن أن تمثل اللحظة الحاسمة لتأثير بشري (إيجابي) يحسن من أوضاع البيئة وعنصرها المحوري، «الإنسان».
* باحثة متخصصة في العلوم السياسية