كتب – بنيمين زرزور:
منذ أعلن دونالد ترامب الرئيس الأمريكي السابق، عن ترشحه رسمياً للمنافسة على الكرسي البيضاوي في دورة انتخابات عام 2024، دخل العالم في دوامة حسابات الفوز والخسارة، في لعبة تتكرر كل أربع سنوات يرى فيها البعض صداعاً لا طائل منه، بينما يرى الأغلبية أنها نموذج فائق لممارسة الديمقراطية، ناهيك عن ارتباط مصالح الكثير من دول العالم بما تسفر عنه من نتائج.
يضفي ترشيح ترامب نفسه هذه المرة مزيداً من الإثارة، وهو الذي أُخرج من البيت الأبيض، نتيجة انتخابات عام 2020، ولا يزال يتهم خصومه بتزوير نتائجها.
كما أن تصعيد المواجهة مع خصومه من اليمين، أسفر عن انقسامات حادة سواء على صعيد الحزب الجمهوري الذي يتزعمه، أو على صعيد المجتمع الأمريكي بتركيبته الفسيفسائية، وهو الأهم، لدرجة أن الحديث عن تهديد حرب أهلية أمريكية بات أمراً طبيعياً وربما شائعاً.
فعلى صعيد الحزب الذي مُنيَّ بالخسارة في انتخابات التجديد النصفي، يواجه الجمهوريون مأزقاً وجودياً حول من يقود الحزب بعد ترامب. وقال تقرير لصحيفة «واشنطن بوست»: إن نتائج الانتخابات المحبطة، أضيفت إلى هزيمة ترامب في انتخابات عام 2020 في تراكم الضغوط داخل مؤسسات الحزب من أجل البحث عن بديل. وهناك مجموعة من الجمهوريين يحاولون تهميش ترامب، والتركيز على جيل جديد من قادة الحزب.
انتقادات واتهامات
ويواجه ترامب موجة انتقادات حتى من حلفائه المحافظين الذين باتوا يشككون في جدوى استمراره في قيادة الحزب، ويقولون إن شعاراته السياسية المثيرة للحنق، هي سبب الفشل في ثلاث دورات انتخابية متتالية.
كما أثارت سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ الأمريكي، اتهامات متبادلة داخل الحزب الجمهوري؛ إذ ألقى منتقدو ترامب، باللوم عليه نظراً للأداء السيئ للمرشحين الجمهوريين، كما انتقد جمهوريون آخرون زعيمهم في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل.
تأتي خطوة ترشح ترامب في وقت وصل فيه رصيده السياسي إلى مستوى أقل مما كان عليه في أول محاولة رئاسية له خلال 2015-2016. لكنه لا يزال يمثل قوة لا يستهان بها في دوائر الحزب الجمهوري.
ولمعرفة مكانة ترامب السياسية يكفي متابعة ردود الفعل على إعلانه الترشح لعام 2024؛ حيث قابل الكثير من المسؤولين الجمهوريين المنتخبين والشخصيات الإعلامية المحافظة الإعلان بالكثير من التساؤلات.
وحصل إعلان ترامب على دعم عدد قليل جداً من المسؤولين المنتخبين في الكابيتول هيل، في موقف يذكر بعرضه الأول في 2015-2016، عندما حصل ترامب في البداية على القليل من الدعم من المشرعين في الكونغرس. لكن الفرق هذه المرة، هو أن ترامب هو الزعيم السابق للحزب الذي أيده معظم أعضاء الكونغرس الجمهوريين في عام 2020 بدلاً من كونه مبتدئاً سياسياً كما كان قبل سبع سنوات.
صعود دي سانتيس
ويبدو أن عدداً من أعضاء مجلس الشيوخ يدعم حاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتيس، وهذا مهم لأن موافقات مسؤولي الحزب ارتبطت تاريخياً بنجاح الانتخابات التمهيدية الرئاسية. نشير هنا إلى أن الافتقار إلى التأييد لم يحل دون فوز ترامب في عام 2016، وقد لا يكون كذلك هذه المرة أيضاً.
وقد واجه ترامب أكثر من عشرة منافسين تقاسموا تأييد الطبقة السياسية المحافظة. هذه مشكلة بشكل خاص في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري؛ حيث ينبغي على المرشح أن يحصل على كل شيء أو لا شيء. وقد احتاج ترامب إلى أقل من نصف أصوات الحزب الجمهوري لتجميع الكثير من المندوبين بسرعة في عام 2016. وقد لا تتاح له فرصة تشتيت المعارضين في دورة 2024. والمنافس الوحيد الواضح لترامب في هذه المرحلة هو رون دي سانتيس.
ربما يكون صعود حاكم فلوريدا يمثل الخطر الأكبر لترامب؛ حيث يحقق نتائج أفضل في استطلاعات الرأي الوطنية المبكرة أكثر مما حققه أي مرشح من خارج دائرة ترامب في معظم جولات الدورة التمهيدية لعام 2016.
وفي ولاية فلوريدا مسقط رأسه، يتفوق رون دي سانتيس على ترامب في كل استطلاعات الرأي تقريباً. وكشف استطلاع أجرته شبكة «سي إن إن» يوم الاقتراع على التجديد النصفي في فلوريدا، أن عدداً أكبر من الجمهوريين يريدون من دي سانتيس خوض الانتخابات في عام 2024 بدلاً من ترامب.
وتكتسب ميزة دي سانتيس في فلوريدا أهمية خاصة لعدد من الأسباب، فضلاً عن كون الولاية تعد موطناً لعدد كبير من المندوبين الجمهوريين، والذين من المرجح أن يمنحوا الرجل فرصة الحصول على كل شيء.
وفي حال تعويم دي سانتيس بعد أن يتعرف الجمهوريون إليه بشكل أفضل في جميع أنحاء البلاد، سوف تزداد أسهمه في الحصول على تصنيف إيجابي أعلى من ترامب على المستوى الوطني بين الجمهوريين الذين هم على دراية بالرجلين.
لكن مشاكل ترامب تتجاوز مسؤولي الحزب واستطلاعات الرأي. فقد كان قادراً على التحدي في عام 2016 لأنه تلقى قدراً هائلاً من اهتمام وسائل الإعلام حتى إنه بات المنافس الوحيد لمرشح الحزب الديمقراطي.
هذه المرة، لن يكون الأمر بهذه السهولة. فقد أظهر دي سانتيس موهبة في جذب الكثير من اهتمام وسائل الإعلام، بعد ظهوره على قناة «فوكس نيوز». بينما لم يُذكر اسم ترامب إلا على الصفحة 26 من صحيفة «نيويورك بوست» التي يديرها روبرت مردوخ، في اليوم التالي لإعلانه في عام 2024.
ويخشى قادة الحزب الجمهوري من أنه في حال فاز ترامب في انتخابات الحزب التمهيدية، فسيتعين عليه الفوز في الانتخابات العامة، ولن يكون ذلك سهلاً، كما أظهرت الانتخابات النصفية لعام 2022.
وكان وجود ترامب أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى أداء الديمقراطيين المفاجئ في انتخابات التجديد النصفي. فقد ساعد من خلال احتلاله عناوين الأخبار كثيراً وتصرفه الغريب الأطوار، في تعطيل ما يُعد عادةً ميزة رئيسية لحزب المعارضة في انتخابات التجديد النصفي، في حال وجود رئيس في البيت الأبيض لا يتمتع بشعبية كبيرة.
وسط هذه الصورة تبدو خطوة ترامب أكثر إثارة فهل يخوض الانتخابات بمعزل عن قرار الحزب الجمهوري؟