تشكل الصدمات أصعب التجارب في الحياة، بما يشمل أي اعتداءات أو حوادث أو إصابات شديدة أو كوارث طبيعية أو أمراض تهدد الحياة نفسها أو فقدان الأحباء. ووفقًا لأحد الأبحاث الاستقصائية، فإن الأحداث الصادمة شائعة حيث يعاني أكثر من نصف البالغين على الأقل من صدمة كبيرة، ويمكن بشكل مأساوي أن يعاني الفرد من أكثر من صدمة واحدة في نفس الوقت.
وبحسب ما نشره موقع Psychology Today، فإنه على الرغم من أن الآثار المترتبة على الصحة النفسية والعقلية من الصدمة والإجهاد ما بعد الصدمة يتم معالجتها في العديد من الروايات والأفلام المعروفة عالميًا ومحليًا، إلا أن العواقب الصحية الجسدية للصدمات لا تحظى باهتمام كبير. وبناءً على أحدث علوم الصدمات، فإن تجاهل هذه العواقب الجسدية للصدمة واضطراب ما بعد الصدمة يمثل خطأً فادحًا ربما تكون له آثار مميتة.
حالة ذهنية وجسدية
إن الرواية الرسمية – والمبسطة – حول الصدمة وضغوط ما بعد الصدمة هي أنها تمثل استجابات عاطفية وسلوكية مكثفة للأحداث، التي تهدد الحياة. على سبيل المثال، يتم تشخيص اضطراب الإجهاد الحاد واضطراب ما بعد الصدمة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (وهو الدليل التشخيصي الذي يستخدمه أخصائيو الصحة العقلية) بالكامل من خلال الأعراض العاطفية والسلوكية مثل اليقظة المفرطة والقلق والأرق وتجنب المواقف والمحفزات المرتبطة بالصدمات. في حين أن علم الأعصاب، وهو سريع التطور في مجال الصدمات، يوضح بشكل لا لبس فيه أن الفيزيولوجيا المرضية الكامنة وراء الصدمة داخل الجسم عميقة بنفس القدر وربما أكثر ضررًا. ومن بين مناطق الجسم الأكثر تأثراً بالصدمات بشكل سريع وشديد القلب.
عواقب حادة ومزمنة
أثناء تجربة أو حدث يهدد الحياة، يبدأ الدماغ عملية كيميائية حيوية منهجية تسمى استجابة القتال أو الهروب. على وجه التحديد، ينسق ما تحت المهاد والغدة النخامية والغدة الكظرية – عادةً ما يتم الإشارة إليهما اختصارًا بمحور HPA – لإنتاج تفاعل إجهاد سريع وقوي في جميع أنحاء الجسم باستخدام الهرمونات والناقلات العصبية. تغير المواد الكيميائية الأخيرة بشكل ملحوظ الوظيفة الطبيعية للأعضاء الرئيسية، بما يشمل القلب.
أشد وطأة من الزلازل
على الرغم من أن استجابة القتال أو الهروب تهدف إلى مساعدة الشخص على النجاة من حدث صادم، إلا أن رد الفعل نفسه ربما يكون أحيانًا مميتًا. على سبيل المثال، يزداد معدل حدوث النوبات القلبية والسكتات الدماغية بشكل كبير أثناء وبعد الكوارث الطبيعية. من المثير للدهشة أن الوفيات الناتجة عن أحداث القلب والأوعية الدموية الناجمة عن الإجهاد أثناء الكوارث الطبيعية مثل الزلازل غالبًا ما تتجاوز عدد الوفيات الناجمة عن الكارثة الطبيعية نفسها.
متلازمة “القلب المنكسر”
إن ظاهرة القلب والأوعية الدموية، التي يشار إليها كثيرًا باسم “متلازمة القلب المنكسر” والتي تُسمى تقنيًا باعتلال عضلة القلب Takotsubo، هي مثال أكثر شهرة للتأثيرات الحادة المميتة للصدمات على القلب. يمكن أن يؤدي الإجهاد العاطفي الشديد الناتج عن حدث مؤلم مثل فقدان أحد الأحباء أحيانًا إلى إضعاف القلب بشدة مما يؤدي إلى حدوث نوبة قاتلة من قصور القلب. لأسباب لا تزال غير مفهومة جيدًا، تعد متلازمة القلب المنكسر أكثر شيوعًا بين النساء.
الإجهاد المزمن والآلات البيولوجية
من المحتمل أيضًا أن تكون التأثيرات القلبية الوعائية المزمنة الناتجة عن الصدمات مهددة للحياة. تطورت الاستجابات وردود الفعل البشرية على مدى ملايين السنين لتعمل كوسيلة للبقاء على قيد الحياة في حالات الطوارئ؛ كما أن الاستجابة موجودة في البشر وعبر المملكة الحيوانية مع تشابه بيولوجي ملحوظ. ولكن يمكن أن تكون الحداثة عرّضت الإنسان حاليًا لمشكلة نادراً ما واجهها الأسلاف وعلم الأحياء التطوري، وهي الإجهاد المزمن. وبالنظر إلى الجسد البشري كنوع من الآلات البيولوجية، فإنه يعاني من نفس العواقب التي يمكن أن تتعرض لها سيارة يتم قيادتها باستمرار بسرعات قصوى. يتعرض القلب والجهاز القلبي الوعائي للمشاكل من خلال الاستجابة المستمرة للضغط، وتتطور الحالة إلى المرض والخلل الوظيفي بشكل تدريجي، مما يزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية بمرور الوقت.