د. أميرة محمد عبدالحليم *
يبدو أن عام 2022 أبى أن ينتهي دون أن يصل أطراف الحكم في السودان إلى توافق يخرج البلاد من الأزمة السياسية التي تعيشها منذ إجراءات 25 أكتوبر 2021، والتي تبناها مجلس السيادة الانتقالي وكان لها عظيم الأثر في الاستقرار والأمن ومعيشة المواطن السوداني، كما عطلت هذه الأزمة المسار الانتقالي وساهمت في إحباط العديد من القوى السياسية والثورية التي شاركت في الثورة التي أطاحت بنظام عمر البشير.
جاء الاتفاق الإطاري تتويجاً لجهود بذلها المكونان المدني والعسكري للخروج بالبلاد من دائرة الانسداد السياسي الذي لم يفض إلا إلى زيادة الفوضى وتراجع اقتصادي غير مسبوق في ظل التظاهرات والاحتجاجات شبه الأسبوعية، وتزايد وتيرة العنف القبلي بمناطق عدة، وطرح مبادرات تفتقد إلى التوافق لتسوية الأزمة السياسية حتى بات السودان بين مفترق الطرق.
تفاهمات بين أطراف الحكم
إلا أن طرفي الحكم المدني والعسكري عملا على مدار عام ومنذ إجراءات أكتوبر 2021 التي تبناها مجلس السيادة السوداني على محاولة الوصول إلى توافق، وأسفرت المحادثات بين الجانبين عن توقيع الاتفاق الإطاري، حيث اقتنع مجلس السيادة الانتقالي وعلى رأسه الفريق عبدالفتاح البرهان بضرورة النزول عند رأى الشارع، والنأي بالمؤسسة العسكرية عن السياسة، حيث مثل إعلانه عن استعداد الجيش للانسحاب من العمل السياسي وعودته إلى ثكناته بداية للوصول إلى توافق مع القوى المدنية.
كما وضع المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير تصوراً للعملية السياسية المقبلة، وقسمها إلى مرحلتين، مرحلة اتفاق إطاري قائم على التفاهمات التي جرت بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري وأطراف قوى الانتقال الديمقراطي، ويرتكز على مسودة الدستور التي أعدتها نقابة المحامين السودانيين، ومرحلة ثانية، حيث يتم توقيع اتفاق نهائي بمشاركة شعبية واسعة من أصحاب المصلحة والقوى الثورية. وتتم بلورة الاتفاق في أربع قضايا رئيسية، وتشمل (العدالة الانتقالية، والإصلاح الأمني والعسكري وتفكيك نظام البشير، واتفاق جوبا لسلام السودان وإكمال عملية السلام).
أهم بنود الاتفاق الإطاري
ويبدو أن الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه يوم الاثنين 5 ديسمبر 2022 جاء متوافقاً مع هذه الأهداف، حيث تضمن 27 بنداً، وأكدت وثيقته على وحدة واستقلال السودان وأن البلاد دولة ديمقراطية مدنية فيدرالية ومدنية برلمانية ويتم فيها التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة، ونصت الوثيقة على عملية شاملة تحقق أربع قضايا رئيسية، العدالة الانتقالية ومحاسبة مرتكبي الجرائم، وإزالة تمكين نظام 30 يونيو 89 وتفكيك مفاصله في كافة مؤسسات الدولة، واسترداد الأموال والأصول المنهوبة، ومراجعة القرارات التي بموجبها تم إلغاء قرارات لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989.
أما الشق الأمني والعسكري فقد أكدت الوثيقة على أن الجيش السوداني جيش قومي واحد وينأى بنفسه عن السياسة وممارسة الأعمال التجارية والاستثمارية ويتم دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة ويكون رئيس الدولة قائداًَ أعلى للقوات المسلحة، كما أكد الاتفاق على الالتزام بمبدأ العمل السياسي السلمي وتجريم العنف والتطرف والانقلابات العسكرية ومنع تقويض النظام الديمقراطي.
وبشأن السياسة الخارجية السودانية تم التأكيد على اعتماد سياسة خارجية متوازنة تلبي مصالح البلاد العليا وتدعم الأمن والسلم القومي وحسن الجوار ومحاربة الإرهاب. كما تطرقت الوثيقة لاتفاق جوبا للسلام حيث اعتبرته جزءاً لا يتجزأ من الدستور الانتقالي ويتم تنفيذه وإطلاق عملية شاملة لصياغة الدستور بمشاركة كافة أقاليم السودان وتنظيم عملية انتخابات بنهاية فترة انتقالية مدتها 24 شهراً.
ترحيب دولي
وقد حظي توقيع الاتفاق الإطاري بترحيب دولي وإقليمي واسع، حيث جاء الاتفاق تحت رعاية الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي ومنظمة الايجاد) إلى جانب دبلوماسيين غربيين، وأعلنت هيئات دولية وإقليمية ودول ترحيبها ودعمها للمسار السياسي الجديد في السودان.
كما اعتبر المبعوث الأممي إلى السودان فولكر بيرتس، أن توقيع الاتفاق الإطاري بين مجلس السيادة والقوى المدنية في السودان لم يكن ليحدث لولا الآلية الثلاثية التي ساهمت في التوصل إلى الاتفاق.
معارضو الاتفاق
على الرغم من الترحيب الكبير الذي حظي به الاتفاق سواء من قوى داخلية أو أطراف خارجية، إلا أنه لم تجمع عليه جميع القوى السياسية حيث انقسمت القوى الرافضة بين أحزاب وقوى سياسية وحركات مسلحة اعتبرت هذا الاتفاق تنازلاً عن مبادئها الثورية وما قدمته من تضحيات، حيث كان مبدؤها الرئيسي لا تفاوض مع المكون العسكري أو «اللاءات الثلاثة» ومن هؤلاء عدد من لجان المقاومة وبعض الأحزاب، كما لم تشارك هذه القوى في المحادثات التي مهدت للاتفاق.
أما تنظيم الإخوان وتحالفاته أو ما يطلق عليه «التيار الإسلامي العريض» فيرى بعض هؤلاء أن الاتفاق الإطاري الجديد كرس علمانية الدولة، هذا فضلاً عن بقايا نظام البشير الذين لم يشاركوا في الحوار، ونصت بعض بنود الاتفاق الإطاري على ضرورة المضي قدماً في استئصال فلول النظام السابق من مؤسسات الدولة.
وفي الأخير، لابد من التأكيد على أن توقيع الاتفاق الإطاري بين المكون المدني والمكون العسكري في السودان يمثل نجاحاً للثورة التي أطاحت بالبشير، حيث كان مفتاح التسوية الراهنة قائماً على قبول المكون العسكري لمشروع الدستور الانتقالي الذي عرضته لجنة المحامين والذي أقر بأن تكون هياكل السلطة مدنية بالكامل (إبقاء مجلس الوزراء مدنياً) على أن تتولى المؤسسات الأمنية والعسكرية وظائفها الاحترافية.
إلا أن الطريق لتحقيق الأهداف المختلفة التي تناولتها بنود الاتفاق الإطاري تتطلب تكاتف جميع القوى السودانية مع محاولات لجذب المعارضين لتحظى العملية السياسية بمشاركة كافة القوى والأقاليم السودانية، على أن تظل المساندة الدولية والإقليمية للتسوية السياسية في السودان مستمرة لتقديم الدعم المناسب والوصول إلى مرحلة الانتخابات الديمقراطية.
* خبيرة الشؤون الإفريقية – مركز الأهرام للدراسات