إعداد: معن خليل
تعد البطولة الوطنية للجامعات الأمريكية لكرة السلة أكبر خزان لدوري المحترفين «أن بي آي»، حيث توفر لها سنوياً لاعبين من المرشحين للانتقال إلى فرقها الثلاثين الذين ينتمون إلى القسمين الشرقي والغربي، وهي بذلك تشكل حالة خاصة كما هي حال اللعبة التي انطلقت فكرتها أصلاً ونشأت في المدارس والكليات عبر الأستاذ المؤسس جيميس ناي سميث.
تحظى البطولة الوطنية لدوري كرة السلة الأمريكي للجامعات التي تسمح برصد أفضل اللاعبين الذين لا يزالون هواة لينضموا لاحقاً إلى «أن بي آي»، بأهمية كبرى منذ انطلاقها للمرة الأولى عام 1939 وهي وصلت الذروة في السنوات الأخيرة، حيث تشكل نهائياتها التي تنطلق في 18 مارس حتى 7 إبريل من كل عام، واحدة من أكثر الأحداث الرياضية السنوية الأكثر شهرة في الولايات المتحدة، إلى حد أطلق على الشهر الذي يشهد منافساتها «ماد مارتش» أو (مارس المجنون).
ويشير وصف (مارس المجنون ) إلى الحمى التي تعم البلاد بأسرها من خلال المتابعة الجماهيرية الكثيفة لها، والمراهنات على مباريات فرقها ال64 والتي وصلت إلى مستوى إعلان الملياردير وارن بافت عن تقديم مليار دولار للمراهنين الذين تأتي كل توقعاتهم صائبة.
أرقام وأرباح
وإذا كان حصول أي مراهن على مليار دولار أمراً مستحيلاً، لأنه مستبعد على أي شخص توقع نتائج 32 مباراة، فإن مجرد طرح مثل هذا الرقم الخيالي يؤكد المدى الذي وصلته البطولة التي تؤكد أرقام شبه رسمية أن 10 ملايين إلى 15 مليون أمريكي يقضون جزءاً كبيراً من الأسابيع الثلاثة من منافسات النهائيات متسمرين أمام التلفزيون نهاراً ومساء لمشاهدة مبارياتها.
أما نسبة المراهنين حسب تقديرات رسمية فتصل لخمسين مليون شخص وبعضها غير قانوني، ويؤكد مكتب التحقيقات الفيدرالي أن قيمة المراهنات غير القانونية تصل إلى 2,5 مليار دولار سنوياً، مع العلم أن المراهنات الرياضية القانونية في لاس فيغاس مثلاً تصل قيمتها إلى 80 أو 90 مليون دولار.
ولا يتوقف جنون الأرقام عند هذا الحد، حيث إن محطتي «سي بي اس» و «تايم وارنر» دفعتا مبلغ 10,8 مليارات دولار لنقل المباريات حتى العام 2024، على أن تعوض ذلك بالإعلانات التي تعرضها وتعد الأغلى ثمناً بعد مباراة «سوبر بول» الشهيرة في رياضة البيسبول.
كما أن أرباحاً أخرى يمكن أن تجنى من وراء البطولة حيث أكدت تقارير أن متابعة المباريات عبر البث التدفقي على الإنترنت أو على الهاتف الذكي تكلف 660 مليوناً، هذا دون إغفال المبالغ الهائلة التي تحصل عليها الشركات المحتكرة لبيع القمصان القطنية والملابس التي لها علاقة بالفرق والدوري بشكل عام.
وهناك أبعاد أخرى، حيث يصبح الفريق صاحب المركز الأول بطلاً وطنياً في مدينته، كما حصل مع جامعة كونيتيكت التي جمعت المجد من طرفيه بعد تتويج فريقيها للرجال والنساء بلقبي عام 2014، ليحتشد نحو 200 ألف شخص في شوارع مدينة هاتفورد لاستقبال اللاعبين والاحتفال بهم، في أكبر حشد تشهده المدنية طوال تاريخها كما أكدت مصادر الشرطة.
البعد الفني
وإضافة إلى البعد المالي والجماهيري للبطولة، فإن هناك بعداً فنياً أيضاً ويكفي أن أهم لاعبين عرفتهم كرة السلة الأمريكية في تاريخها مايكل جوردان وكريم عبد الجبار هما نتاج بطولة الجامعات، وذلك بعدما استفادا من المنح الدراسية التي تمنح للمتفوقين رياضياً خلال مرحلة الدراسة في الثانوية.
وعرض سريع لقصة الأسطورة مايكل جوردن تؤكد مدى إيجابية النظام الرياضي في كرة السلة الأمريكية الذي يعتمد كثيراً على المدارس والجامعات، فاللاعب الأشهر في التاريخ وخلال مرحلة دراسته الثانوية، أصبح نجماً في كرة السلة، وكان معدل تسجيله 29,2 نقطة في المباراة واستطاع عام 1987 أن يجتاز الثلاثة آلاف نقطة.
حصل جوردن على منحة دراسية بسبب تفوقه في كرة السلة في جامعة كارولينا الشمالية، وفي أول موسم له مع فريق الجامعة تحت قيادة الأسطورة دين سميث، اختير كأفضل لاعب صاعد، وفي عام 1982 سجل الكرة التي قادت فريق جامعته إلى إحراز لقب دوري الجامعات على حساب فريق جورج تاون الذي كان يقوده باتريك أوينغ الذي أصبح شهيراً أيضاً فيما بعد.
اختير جوردان أفضل لاعب في دوري الجامعات في عام 1984، مما سمح له بالانتقال إلى دوري كرة السلة للمحترفين بعدما تعاقد مع نادي شيكاغو بولز، ليصنع معه إنجازات وحكايات كثيرة كانت شاهدة على إبداعات أفضل لاعب في تاريخ اللعبة، مع العلم أن جوردان عاصر في فترة لعبه لجامعته لاعبين أصبحوا فيما بعد من المشاهير في دوري المحترفين مثل حكيم أولاجوون الذي انتقل إلى هيوستن روكتس، وسام بويي المنتقل إلى بورتلاند تريل بلازيرز.
أما كريم عبد الجبار والذي يعد أحد أبرز أبطال اللعبة في التاريخ، وسجل في مسيرته أكثر من 38 ألف نقطة، فقد بدأ مشواره في فريق جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، واختير أفضل لاعب سلة في دوري الجامعات عامي 1967 و1969، مما أسهم في انتقاله إلى دوري المحترفين مع فريق ملووكي بكس ومن ثم إلى لوس أنجلوس ليكرز الذي حقق معه أفضل إنجازاته، مع نيل لقب ال«إن بي آي» خمس مرات، واختير 19 مرة ضمن فريق كل النجوم، وأحرز لقب أفضل لاعب ست مرات، وتوج إنجازاته باختياره ضمن فريق أفضل لاعب في تاريخ البطولة حتى اعتزاله عام 1989.
فكرة أولسن
بالنسبة للبطولة الوطنية لدوري كرة السلة الأمريكية للجامعات فقد انطلقت عام 1939 وأحرز فريق جامعة أوريغون أول ألقابها، وكانت فكرتها انطلقت من جامعة أوهايو عبر المدرب هارولد أولسن، على أن تقام مبارياتها في شهر مارس، لتصبح البطولة الوحيدة في الولايات المتحدة التي تقام خلال فصل الربيع.
ويعد لاعبو البطولة من الهواة الذين لا يحصلون على رواتب ثابتة بل مجرد مكافآت وحوافز أخرى أهمها المنح الدراسية التي تمنحها الجامعات لأفضل الرياضيين الذين يتم استقطابهم من بطولات الثانويات.
لكن مع الأرباح الهائلة التي تجنيها الجهات المنظمة والشركات الراعية وقنوات البث الحصري ارتفعت مطالب اللاعبين بضرورة أن تكون لهم رواتب ثابتة ومحترمة على غرار المدربين الذين يحصلون على الملايين من الدولارات سنوياً.
ساحر وستوود
إذا كان فيل جاكسون هو المدرب الأسطورة في دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين بعدما نال 11 لقباً مع شيكاغو بولز ولوس أنجلوس ليكرز، فإن جون وودن المعروف باسم ( ساحر وستوود) هو المدرب الأشهر في دوري الجامعات الأمريكي لكرة السلة.
وفاز وودن بعشرة ألقاب على صعيد دوري الجامعات الأمريكي مع فريق جامعة كاليفورنيا محققاً رقماً قياسياً، مما أهله لنيل وسام الحرية الرئاسية ( أعلى الأوسمة الأمريكية المدنية )عام 2003 من قبل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش.
وتولى وودن تدريب فريق جامعة كاليفورنيا الواقعة بمنطقة وستوود بمدينة لوس أنجلوس في الفترة من 1948 إلى 1975. وفاز الفريق بعشرة ألقاب على صعيد دوري الجامعات الأمريكي خلال 12 عاماً قضاها المدرب معه بما في ذلك سبعة ألقاب متتالية في الفترة من 1967 إلى 1973 في إنجاز لا يزال فريداً حتى الآن.