في السابع من ديسمبر من العام 2022، أعلنت السلطات الألمانية القبض على 25 متهماً من عناصر شبكة مكونة من 52 شخصاً لضلوعهم بمحاولة انقلاب تقف وراءها جماعة مواطني الرايخ المتطرفة. وسبب الإعلان عن إلقاء القبض على هذه المجموعة من المنظمة اليمينية المتطرفة صدمة على مستويات عدة في ألمانيا وأوروبا، خاصة أن التفاصيل أفادت بأن تلك الشبكة ربما تضم نحو 21 ألف عضو، في أكثر من عشر ولايات ألمانية، من بينهم ضباط وجنود سابقون، وسياسيون وبرلمانيون.
وتحدثت الأنباء عن «محاولة انقلاب كاملة الأركان»، وتضمنت تفاصيل عن خطة لاقتحام «البرلمان»، ومحاولة تنصيب حكومة انتقالية، وأدى الإعلان إلى تفاقم المخاوف من أن يكون مثل هذا الحدث بداية لتغيير الأوضاع «الديمقراطية» في ألمانيا، وصولًا إلى خطف اليمين المتطرف السلطة، بما يفتح الباب أمام تحولات جوهرية في أكبر وأغنى وأقوى البلدان الديمقراطية في أوروبا.
وقال ممثلو الادعاء، إن المشتبه بهم من بينهم أفراد يحوزون أسلحة وعلى معرفة بكيفية استخدامها. وحاولوا تجنيد أفراد سابقين وحاليين في الجيش ولديهم مخزونات أسلحة. وقالت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، إن البلاد تعتزم تشديد قوانين السلاح بعد مؤامرة يشتبه في أنها كانت من جماعة يمينية متطرفة؛ بهدف الإطاحة بالحكومة بالعنف، لتنصيب فرد سابق في عائلة ملكية زعيماً للبلاد. وينتمي العديد من المشتبه بهم لحركة «مواطني الرايخ». وقالت وزيرة الداخلية، إن «الحركة تشكل تهديداً متنامياً لألمانيا بالنظر إلى اتساع قاعدتها من ألفين إلى 23 ألفاً في العام المنصرم».
ولا يعترف أعضاء حركة «مواطني الرايخ» بوجود الجمهورية الألمانية الاتحادية التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، بل يعتقدون أن الجمهورية الألمانية الديمقراطية ليست سوى كيان إداري خاضع للقوى الغربية المتمثلة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا. ولا يتوقف الأمر على ذلك، بل تؤمن الحركة بأن الامبراطورية الألمانية لا تزال قائمة بحدود 1937.
وكشفت السلطات الألمانية أن أعضاء شبكات يمينية متطرفة خططوا خلال العام 2022، لشن أعمال إرهابية وهجمات للسعي لتدمير «النظام الديمقراطي الألماني». وهددت تلك الشبكات الساسة الألمان؛ كالتهديد باختطاف وزير الصحة الألماني في 14 إبريل 2022، وشن هجمات على البنى التحتية الألمانية مثل شن هجمات على شبكات كهربائية بهدف قطع التيار الكهربي على مستوى ألمانيا ما يصعب جهود السلطات الألمانية لحل أزمة الطاقة. وعقدت المجموعات اليمينية المتطرفة دورات تدريبية لتعلم الفنون والرياضات القتالية. وأبرز تلك التهديدات جاءت من مجموعة «قسم الأسلحة النووية» بارتكاب أعمال عنف ضد التيار اليساري، ونظمت المجموعة اليمينية دوريات في أحياء سكنية في ولايات ألمانية ضد إجراءات مكافحة كورونا بغرض إثارة العنف وتهديد السلم المجتمعي الألماني.
ووصفت الصحف البريطانية محاولة الانقلاب بأنها دليل على تفاقم التعصب، وانقلاب على الدولة الألمانية. ووفق صحيفة «التايمز»، فإن المتآمرين بدوا كأنهم يتمتعون بدعم واسع النطاق، «والأدهى من ذلك، أن من بينهم جنود ونائب سابق في البرلمان، بل وحتى قاضٍ»، وكانوا جميعاً «على استعداد لاستخدام السلاح والعنف للإطاحة بالحكومة المنتخبة في الجمهورية الاتحادية».
وأوضحت الصحيفة البريطانية أن الأمر استغرق من أجهزة مكافحة التجسس سنوات من المراقبة، و150 عملية دهم شملت 11 ولاية ألمانية اعتقلت خلالها 25 من قادة المحاولة الانقلابية، بغية الوقوف على حجم المؤامرة التي اضطلعت بها «حركة مواطني الرايخ». والرايخ تعني في اللغة الألمانية الإمبراطورية أو المملكة.
وأضافت أنه إذا كان هناك ثمة احتمال في الإطاحة بواحدة من أكثر دول أوروبا استقراراً وديمقراطية وازدهاراً، فإن ذلك يبدو أمراً مستبعداً تماماً في نظر غير الألمان، لكن للألمان ذكريات مريرة من الماضي. فعلى الرغم من إخفاق محاولة الانقلاب في ميونخ عام 1923، فإن التاريخ يعرف ما الذي فعله قائدها الشاب أدولف هتلر. وكانت هناك أمثلة أخرى في أماكن أخرى لمحاولات اقتحام قلاع السلطة، مثلما حدث في إسبانيا ما بعد الفاشية في عام 1981، وفي العام الماضي في مبنى الكابيتول هيل بواشنطن.