كتب – المحرر السياسي:
تزويد أوكرانيا بالدبابات الغربية يعد تطوراً نوعياً في الدعم العسكري، وبالتالي في مسار الحرب، يؤكد، على الأقل من الناحية الاستراتيجية، أن هناك قرارات اتخذت لإطالة أمدها بغض النظر عن النتائج التي لن تحيد عن واحد من مسارين: إما التصعيد باستخدام روسيا أسلحة غير تقليدية رداً على الدبابات، وإما قبول التحدي والاستمرار في التصدي لحرب الاستنزاف الغربية. وفي الحالتين فإن الدبابات وحدها لن تحقق الانتصار الذي يسعى إليه الغرب.
بعد شهور من التردد، تريد ألمانيا والولايات المتحدة تزويد أوكرانيا بمركبات مشاة قتالية مدرعة. بينما أطلقت فرنسا وعوداً بتزويد كييف بمركبات استطلاع مصفحة.
ورغم طلب أوكرانيا الدبابات القتالية وغيرها من المركبات القتالية المدرعة منذ بداية الحرب، إلا أن دول الغرب ماطلت في الرد في إطار حرصها على ألا تدخل في مواجهة مباشرة مع روسيا، والحيلولة دون تصعيد يقتضي استخدام أسلحة غير تقليدية، حسبما هو معلن، على الأقل في الخطاب الرسمي الغربي. لكن بعض دول التحالف الغربي قررت رسمياً، شحن دبابات قتالية ومركبات الدفاع الجوي والمدرعات.
فقد أعلنت ألمانيا أنها ستزود أوكرانيا بمركبات مشاة قتالية من طراز «ماردر»، وهذا نظام متعدد الاستخدامات، تزود العربة فيه بستة إلى سبعة مدافع، فضلاً عن مدفع أوتوماتيكي يطلق صواريخ ضد الأهداف الأرضية والجوية. كما أنها مزودة بنظام تهوية للحماية من الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية، ويمكنها التنقل عبر المياه التي يصل عمقها إلى مترين. إضافة إلى دبابات «ليوبارد2» التي أثبتت نجاحها في العمليات في أفغانستان، نظراً للمستوى العالي من الحماية الذي تتمتع به ضد الهجمات.
وتقدم الحكومة الأمريكية مركبات المشاة القتالية «برادلي إم2» التي تحمل من تسعة إلى عشرة جنود، وهي مسلحة بمدفع رشاش عيار 25 ملم، إضافة إلى عدة صواريخ موجهة يبلغ مداها 400 كيلومتر. ومعدة للتنقل عبر المياه التي يصل عمقها إلى 1.20 متر.
إصرار على المواجهة
ويرى المراقبون في هذا التطور النوعي في التسليح الغربي مؤشراً على عجز الجيش الأوكراني عن تحقيق الأهداف المتوخاة في استنزاف القوات الروسية، أو تحقيق النصر الذي يمكن أن يفتح نافذة التفاوض بأي ثمن. كما أنه دليل على إصرار الغرب في المضي قدماً في المواجهة مع الروس بأي ثمن، وعدم القبول بأنصاف الحلول.
إلا أن هذا التطور في الدعم العسكري قوبل ببرود روسي، حيث قالت موسكو إن الأسلحة الغربية لن تغير من مجريات الحرب شيئاً. وما أن انتهت هدنة عيد الميلاد للطوائف الشرقية التي أعلنتها روسيا من طرف واحد، حتى اشتدت المعارك شرق أوكرانيا. وشهدت منطقة سوليدار التي استولت عليها القوات الروسية في إطار جهد عسكري أوسع يستهدف استعادة السيطرة على مدينة باخموت الاستراتيجية، معارك هي الأعنف حتى الآن.
وصعدت موسكو من جانبها لغة التهديد العسكري العملياتي بإعلانها عن وضع الفرقاطة «الأميرال غورشكوف»، في الخدمة بالجيش الروسي، وانطلاقها باتجاه المحيط الأطلسي مسلحة بصواريخ «تسيركون» الأسرع من الصوت، والتي وصفتها بأنها «فريدة من نوعها في العالم». وقال بوتين خلال حفل إطلاق الفرقاطة، إن بلاده ستواصل تطوير القدرات القتالية للقوات المسلحة وإنتاج أسلحة واعدة، مؤكداً أن منظومة الصواريخ «تسيركون» قادرة على حماية أمن البلاد بشكل موثوق.
يذكر أن الفرقاطة «الأميرال غورشكوف» مخصصة لتدمير السفن الحربية والغواصات والقافلات البحرية ومجموعات الإنزال البحري وتأمين ملاحة السفن المدنية في مختلف مناطق المحيط.
وشدد وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، يوم الثلاثاء الماضي، على أن بلاده ستواصل تطوير منظومتها النووية.
وأكدت موسكو أن الجيش الروسي سوف يواصل تنفيذ مهمته الخاصة شرق أوكرانيا، ونقلت وكالة تاس الروسية عن النائب الأول لرئيس أركان الجيش الروسي سيرجي كيرينكو، قوله إن «المهام التي حددها الرئيس بوتين للعملية العسكرية الخاصة سوف تتحقق».
القتال في باخموت
وقالت وزارة الدفاع البريطانية، يوم الثلاثاء الماضي، إن القوات الروسية ربما تسيطر الآن على معظم مدينة باخموت بعد التقدم في الأيام الأربعة الماضية.
وستكون السيطرة على المدينة ميزة للجيش الروسي، بينما تكبدت القوات الروسية والأوكرانية خسائر فادحة في القتال على باخموت في حرب الخنادق المكثفة منذ بداية أغسطس/ آب.
وقال سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، أحد المقربين من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن روسيا تقاتل الآن حلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة في أوكرانيا، ويسعى إلى محو روسيا من الخريطة السياسية للعالم.
إلى ذلك، تعهد مسؤولون عسكريون كبار في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي بتوسيع التعاون بين المؤسستين في إعلان مشترك تم التوقيع عليه في بروكسل.
وقال الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، بعد التوقيع على الوثيقة إلى جانب رئيسة المفوضية الأوروبيةن أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، إن «التعاون بين الجانبين أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى».
ويعزز الغرب دعمه المادي بآخر معنوي، حيث تزور شخصيات قيادية غربية العاصمة الأوكرانية كييف تباعاً، وتؤكد استمرار الدعم القوي لأوكرانيا في حربها مع الروس.
وقال نائب رئيس المفوضية الأوروبية، فرانس تيمرمانس، خلال زيارة إلى كييف التقى فيها رئيس الوزراء الأوكراني، «إن أوكرانيا تستحق كل دعمنا».
من جانبها، قامت وزيرة خارجية ألمانيا، أنالينا بيربوك، بزيارة مفاجئة إلى مدينة خاركيف شرقي أوكرانيا، بالقرب من الحدود الروسية، يوم الثلاثاء الماضي، ووعدت بتقديم مزيد من الأسلحة لكييف، إضافة إلى «عروض ملموسة» لمساعدتها على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وعبّرت بيربوك، في بيان قبل الاجتماع مع نظيرها الأوكراني، ديمترو كوليبا،، عن دعم ألمانيا وتضامنها مع الأوكرانيين خلال الحرب مع روسيا.
وأول ما يستوحى من هذه التطورات أن الحل الدبلوماسي لم يعد خياراً لدى أي من الأطراف، في المرحلة الحالية على الأقل، بينما يستعد العالم الذي تتزايد معاناة اقتصاداته جراء الحرب يومياً، لمواجهة ما هو أدهى وأمرّ.