إحسان غيلان، اسم لامع في عالم الزيّ التقليدي المغربي، نسجت قصة شغفها مع القماش والتصميم منذ طفولتها، تأثّراً بوالدتها، التي كانت خياطة معروفة للزيّ العصري. لكنّ تطوّر القفطان وبريقه في المناسبات السعيدة جذباها أكثر لتتخصّص به، حتى أمضت 25 عاماً في إبداع تصاميم تأرجحت بين الحياكة الراقية ولمسة الصانع المغربي التقليدية. هي أول من خاض تجربة الانفتاح على الكيمونو الياباني، ومن لجأ إلى ثقافات أخرى لتطعّم بها قفاطينها. في هذا اللقاء تخبرنا إحسان غيلان حكايتها مع الزيّ المغربي، انطلاقاً من مدينتها طنجة، شمال المغرب.
كيف بدأت علاقتك بالأزياء؟
علاقتي بالأزياء قديمة جداً، حيث كانت جدتي، رحمها الله، ووالدتي، تمتهنان الخياطة. لقد ولدت في بيئة تضج بأصوات آلات وأدوات الخياطة، وترعرعت بين أكوام الأقمشة الملوّنة، ولعبت بقصاصات الأثواب المرمية جانباً، وألبست الدمى آلاف الطرازات المنبثقة من مخيلتي الطفولية الصغيرة الحالمة. كما أنّ والدتي كانت تحيك لي ألبسة جميلة ومتنوعة.. لكن، وفي سن مبكرة، تولّدت لديّ رغبة في تغيير أزيائي وتجديدها، وذلك من خلال ارتدائها بطريقة مختلفة، بعد قصّها وإضافة أو إزالة قطع منها، وإعادة تشكيلها، لكي أكون مختلفة ومتميزة عن صديقاتي، وتجنب الظهور بشكل مألوف.
لم الاستثمار أكثر في الزي المغربي التقليدي؟
كان الأمر بديهياً وبطريقة عفوية وطبيعية، حيث إنني كنت معجبة باللباس المغربي الأصيل، وكانت والدتي متخصّصة في الزيّ العصري. من جهتي كنت أحس برغبة في تطوير الزيّ التقليدي، وإدخال بعض التغييرات والقصّات الجديدة عليه. كنت أمضي وقتي في رسم الطرازات بطرق مختلفة وعصرية، وأستعين بالجرأة لزحزحة بعض القواعد الثابتة في مجال التصميم، ليس من أجل سلخه عن هويته، ولكن من أجل جعله أكثر إشعاعاً ومواكبةً للعصر، والتقدّم به ليصل إلى العالمية.
أجد الإلهام في مئات الأشياء الصغيرة المحيطة بي، داخل بيتي أو مكتبي، في أزقة مدينتي وشوارعها..
هل درست التصميم؟
سعيت إلى تطوير هوايتي بتحويل ملابسي الخاصة إلى أزياء مختلفة، نحو المسار الطبيعي، وهو دراسة مجال التصميم والأزياء، لأدخل مضمار الصناعة والإبداع.
قيمة جمالية إضافية
أين تكمن صعوبة التعامل مع القفطان المغربي؟
إنها ليست صعوبة بالمعنى الحرفي، وإنما ضرورة اعتماد طرق معينة للتعامل معه، مع احترام خصوصياته، والحفاظ على ركائزه الأساسية، ثم انتقاء وابتكار التفاصيل، التي من شانها أن تشكل قيمة جمالية إضافية له، تزيده إشراقاً وفخامة، وليس العكس. وهذا يتطلّب، بالإضافة إلى الموهبة والحسّ الإبداعي، إلماماً بمكوّنات الزيّ المغربي الأصيل، وثقافة واسعة في مجال الأزياء العالمية، وأخيراً حنكة ومهنية لاستخراج الأفضل من كلّ هذا التمازج الذي يلائم شغف عشّاقه من ذوي الذوق الراقي.
ما الذي يحفزك أكثر للإبداع؟
أكثر ما يحفّزني اللحظة النهائية لعمل إبداعي معيّن، حين أنتهي من آخر تفاصيله الدقيقة، وأعاين النتيجة والشكل الأخيرين له، وحين أرى الفرح على وجوه فريق عملي، ومئات النجوم المتراقصة في أعين زبوناتي.. حينها، تتوالى في مخيلتي وأمام أعيني عشرات الأفكار والصور، وينتابني إحساس وحماس كبيران، ورغبة في الشروع في عمل أو أعمال إبداعية جديدة.
الصداقة المغربية-الإماراتية
ما كان آخر عرض لك؟
آخر عرض للأزياء قدّمته سنة 2020 بدبي، عن الصداقة المغربية-الإماراتية، مزجت فيه ألوان علمَي كلّ من الدولتين، لتكون الطابع الموحد للأزياء المعروضة، وفي باقة متنوعة رائعة لاقت إعجاباً كبيراً من الجميع.
من أين تستلهمين أفكارك؟
ليس للإلهام قواعد خاصة بالنسبة لي، فهو حرّ كالهواء…قد يكون من وحي رحلة من رحلاتي، أو وليد الفترة والأحداث التي أعيشها في حياتي، قد يوقظني في أعماق الليل من نومي، يتسلّل من نافذة غرفتي مع مطلع الفجر، أو يتوارى عن عينيّ لأيام وأسابيع.. ثم أجده في مئات الأشياء الصغيرة المحيطة بي داخل بيتي أو مكتبي، في أزقة مدينتي وشوارعها، في مطرها، شمسها، ربيعها وخريفها..
أن تكون مصمّماً، معناه أن تكون لك القدرة على التعامل مع جميع الألوان وتجد في كلّ لون جمالية خاصة
مزج القفطان والكيمونو
ما هو العرض الذي لن تنسيه في حياتك؟
العرض الذي لن أنساه كان في سنة 2000، بمدينة هونغ كونغ. كانت أول تجربة لي خارج الوطن، تعلمت الكثير منها. ويمكن أن أقول إنه كان بداية جميلة لمساري في عالم الأزياء، بعد أن كان مجرد حلم لي، حيث لطالما تمنّيت أن ألبس إبداعاتي لنساء آسيويات، وفعلاً تحقق حلمي من خلاله، وكانت المجموعة التي قدمتها عبارة عن مزج بين القفطان المغربي والكيمونو الأسيوي، وتمازج بين مختلف الخاصيات الثقافية لكلا الزيّين، مع الإكسسوارات والطقوس الرائعة التي أثارت حينها الكثير من الإعجاب، وأوقدت بداخلي شعلة إبداعية خارجة عن المألوف.
ما هي الألوان التي تحبينها أكثر؟
أن تكون مصمّماً، معناه أن تكون لك القدرة على التعامل مع جميع الألوان، وتجد في كلّ لون جمالية خاصة. وعلى العموم، فإن نوعية العمل الإبداعي وموضوعه هما اللذان يوحيان له باللون أو الألوان التي ستلائم عمله وطريقة استعمالها ومزجها، وهذه الألوان ستكمل عمله. أما إذا كان لا بد من الحسم في الألوان المفضلة عندي شخصياً، فهما اللونان الأبيض والأخضر.
هل يأخذ منك القفطان وقتاً كثيراً؟ وما هو أقرب قفطان إلى قلبك؟
أكيد، تتطلب عملية صناعة قفطان ما وقتاً طويلاً ومجهودا كبيراً. بدءاً من التفكير في الطريقة التي سيتمّ بها تصميمه، ثم اختيار مواده، وأقمشته، وألوانه، والتفاصيل التي ستجعل منه قطعة متميزة وفريدة من نوعها، إضافة إلى توخّي الجودة والحنكة في الاشتغال على كل هذه العناصر، والوصول أخيراً، إلى النتيجة المطلوبة. لهذا يمكن أن أقول إن كل القفاطين التي أبدعتها، ومن دون استثناء، منذ سنة 1997، قريبة إلى قلبي، ويمكنني أن أتذكرها وأتعرف عليها من بين الآلاف، وكلّ واحد منها هو حكاية كاملة وجزء لا يتجزأ من حياتي.
هل تحتفظين في دولابك بقفاطين معيّنة؟ وماذا تعني لك؟
نعم، أنا أثابر كلّ مرة على الاحتفاظ بقطعة من مجموعاتي التي أشارك بها في عروض الأزياء والمهرجانات. ومن المجموعات التي أصمّمها، غالباً ما أخصّص قطعة فائضة، أحتفظ بها في دولاب خاص، لتبقى ذكرى للأحداث الجميلة التي عشتها واستمتعت بها.
ماذا يميّز قفاطينك عما يقدّمه غيرك؟
أكثر ما يميزني كمصمّمة ويميز قفاطيني هو الاختلاف والجرأة. عُرفت بالتجديد والابتكار في تصاميمي، وفي اختياري للأقمشة والألوان، وخصوصاً في جرأة مزجي لهذه الأخيرة بشكل يدعو إلى الدهشة أحياناً.
ما حلمك في هذا المجال؟
حلمي أن يصل القفطان المغربي إلى جميع النساء في العالم العربي وخارجه. أودّ أن يرتدينه ويتمتّعن بأناقته، خصوصاً إذا كان من توقيع إحسان غيلان.
ماذا منحك مجال الأزياء؟
مجال الأزياء منحني الكثير من الأشياء، أولها الثقة في النفس، وأن حلم الطفولة يمكن أن يصبح حقيقة. فتح لي أيضاً آفاقاً جديدة، حيث تعرفت على الكثير من الأشخاص المهمّين في حياتي، ومن مختلف أرجاء العالم، وعرّفني بقيمة التفتّح على الآخرين، والذي يجعلنا نتعلم من بعضنا البعض. وأخيراً جعلني في حالة من البحث الدائم والمستمرّ من أجل الجيد، الجديد والجميل.
تابعي المزيد: المصمم كريكور جابوتيان: التفاصيل هي مصدر قوتي
المزج بين أسلوبين
ما هي التصاميم التي تأثرت بها عامة؟ ومن هو مصمّمك المفضل؟
منذ أن بدأت في رسم أول تصاميمي في الطفولة، كنت أطمح إلى ابتكار أسلوب جديد، وأحلم بأن أكون مصمّمة معروفة. وكان لي بالإضافة إلى مخيلتي، انجذاب إلى الأزياء العربية التي تمثل ثقافة كبيرة. وشيئاً فشيئاً، بدأت في التطلع إلى الأزياء المصمّمة من دور غربية، مثل شانيل، وديور، وكريستيان لاكروا، وفيرساتشي. وأعجبت بتصاميم هذه الدور، والتي تزخر بروح جميلة وعملية. ومن هنا بدأت أحلم وأفكر في عملية المزج بين الإثنين لمزيد من الجمال والتميّز.
أتمنى أن أصمم لأحلام وكل الألوان تغريني
هل يمكن أن ترتدي تصاميم من توقيع مصمّمين آخرين؟
بالتأكيد. يمكنني أن ألبس وبكل افتخار لمصمّمين آخرين، إذا كان اللباس يتوفّر بمواصفات أحبها، وتلائم ذوقي وقوامي.
من من الشهيرات تودّين أن تصمّمي لهنّ؟
من الشهيرات هناك فنانة أحبّها، وأراها متطابقة في شخصيتها وقوامها مع أسلوبي وطريقة تصاميمي، وأتمنى أن أصمّم أزياءها، هي الفنانة أحلام.
هل كل النساء يليق بهنّ القفطان؟
طبعاً، يمكن للقفطان أن يليق بكل النساء، الشيء الوحيد والمهم الذي يجب مراعاته هو الأسلوب، حيث لكل امرأة أسلوب يليق بها ليصمَّم القفطان وفقاً لأسلوبها وشخصيتها.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
موديلات أزياء مُطرزة بالشعر العربي من وحي النجمات
التفاصيل الكاملة للصيحة الملوكية الأرقى التي زيّنت القفطانات والعباءات