كتب- بنيمين زرزور:
زادت الحرب في أوكرانيا وتبعاتها من المفاجآت غير السارة، نتيجة المنحنيات في مسار الأعمال العسكرية بين المد والجزر، الأمر الذي يدفع هذا الطرف أو ذاك لزج سلاح جديد في ميدان المعركة، لتعزيز موقفه ولو معنوياً.
كان الردع النووي على رأس تلك القائمة من الأسلحة، حيث هددت روسيا منذ البداية باستخدام أسلحة غير تقليدية في حال تعرض أراضيها للعدوان. وقد حال ذلك التهديد دون انخراط الدول الغربية بشكل مباشر في الحرب. وبعد مرور عام على بداية الصراع بات واضحاً للجميع أن ما تحصل عليه كييف من دعم غربي فاق من حيث عدوانيته الانخراط المباشر في حرب ضد روسيا.
في ظل هذا التصعيد لجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تعليق عضوية روسيا في معاهدة «نيوستارت»، وتحرك كل من مجلس الاتحاد الروسي ومجلس الدوما على وجه السرعة لتوفير الدعم القانوني للقرار في 22 فبراير/شباط.
وجاء في الخطاب الذي أعلن فيه الرئيس بوتين قرار تعليق المشاركة: «أنا مضطر لأن أعلن اليوم أن روسيا ستعلق عضويتها في معاهدة نيوستارت.. وأؤكد أننا لا ننسحب من المعاهدة، بل نعلق مشاركتنا. وقبل أن نعود لمناقشة هذه المسألة، يجب أن تكون لدينا فكرة واضحة عن مواقف دول الناتو مثل فرنسا أو بريطانيا، وكيف نعالج ترساناتها الاستراتيجية، أي القدرات الهجومية المشتركة للحلف».
ووفقاً للمذكرة التفسيرية لمشروع القانون، فإن المعاهدة، الموقعة في براغ في 8 أبريل/نيسان 2010، تمنح كل جانب سلطة إجراء عمليات التفتيش وبالتالي ممارسة الرقابة على الامتثال للمعاهدة.
اتهامات روسية
وأشار رئيس مجلس الدوما، فياتشيسلاف فولودين، بوضوح إلى أنه «نتيجة حنث واشنطن بتعهداتها ورفضها مقترحات بلادنا بشأن قضايا الأمن العالمي، فإن الولايات المتحدة دمرت بنية الاستقرار الدولي، وزجت العالم في صراعات وتحديات متسارعة. وما وصلنا إليه ليس سوى نتيجة طبيعية لسياسات واشنطن. ولا بد أن يفهم أعضاء الكونغرس الأمريكي الموقف الذي يتخذه بايدن وعواقبه المحتملة».
وأشار ألكسندر يرماكوف، الخبير الروسي في مجلس الشؤون الدولية، إلى أن قرار روسيا تعليق مشاركتها في «نيوستارت» قد يؤدي في النهاية إلى انهيار المعاهدة. وقد تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة «المخاوف النووية» المتبادلة في البلدان ذات القدرات النووية خاصة في غياب الشفافية.
وقد توجه نهاية معاهدة نيوستارت ضربة لمعاهدة عدم الانتشار، التي هي في صميم سياسة الحد من عدم انتشار الأسلحة النووية.
ويماطل حلف الناتو في معالجة الموضوعات ذات الصلة ويتجاهلها في بياناته حول معاهدة «نيوستارت». ويعتقد الروس أن الضربات الأوكرانية على قاعدة إنجلز الجوية الروسية، بمساعدات استخباراتية أمريكية، تتعارض مع روح معاهدة «نيوستارت»، تماماً مثل العديد من التطورات الحالية الأخرى. وكان بإمكان الأطراف محاولة حل هذه التناقضات في إطار المعاهدة،إلا أن تعليق معاهدات سابقة، وبالتحديد معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا ومعاهدة القوات النووية متوسطة المدى، تؤكد أنه من المستحيل إحياءها من جديد.
سباق تسلح نووي
ولا شك في أن المجتمع الدولي سيكون قلقاً بشأن انهيار معاهدة نزع السلاح النووي الوحيدة المتبقية وظهور سباق تسلح نووي جديد ما يضطر الدول الأخرى التي تملك أسلحة نووية لزيادة ترساناتها. وقد يحفز بعض الدول غير النووية على التحول إلى تطوير أسلحتها النووية. وقد بدأت بعض الدول في أوروبا الحديث علناً عن مثل تلك الضرورات.
وقد نشرت روسيا 540 مركبة مزودة بأسلحة نووية،إضافة إلى 1549 رأساً نووياً
و 759 منصة إطلاق ثابتة ومتحركة منذ الأول من سبتمبر/أيلول 2022. وتمتلك الولايات المتحدة 659 مركبة و 1420 رأساً حربياً و 800 منصة إطلاق. ويعتقد الخبراء أن التكافؤ التقريبي بين القوات النووية الاستراتيجية لروسيا والولايات المتحدة لا يزال قائماً.
يذكر أن كلا من الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف والأمريكي باراك أوباما وقعا على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في براغ في 8 أبريل/نيسان 2010. وحدد زمن الوثيقة لمدة عشر سنوات حتى فبراير/شباط 2021 مع إمكانية التمديد لفترة لا تزيد على خمس سنوات.
ووصف البيت الأبيض الخطوة بأنها «خطأ فادح». وفي متابعة للتطورات الجديدة قالت وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، أن الولايات المتحدة مستعدة لإجراء محادثات حول معاهدة «نيوستارت» مع روسيا.
منافسة استراتيجية
ويقول المراقبون أن معاهدة «نيوستارت» لا تتناول الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وأن روسيا والولايات المتحدة محاصرتان في المنافسة الجيوسياسية والعسكرية الشديدة، ما أدى إلى تطورات تكنولوجية وعسكرية مختلفة على مدى العقود السبعة الماضية.
وقد ساعدت عقود من الاشتباك بشأن الحد من التسلح كلا الجانبين على تقييم خطط ونوايا كل منهما الآخر في مواجهة القدرة المتاحة بسهولة. وأصبحت مخاطر هجوم نووي مفاجئ الآن شيئاً من الماضي، وهو ما أكدته مصداقية القوات الاستراتيجية الروسية في أعقاب تفكك الاتحاد السوفييتي. بعد سنوات من إنشاء الاتحاد الروسي الجديد، ظلت روسيا مدركة لحقيقة أن الأسلحة الاستراتيجية تصون لها مكانتها على طاولة الشؤون العالمية.
ولم يعد مجدياً الحديث عن تلافي الموقف الذي كان ممكناً قبل الأول من مارس/آذار 2023، وهو الموعد السنوي الذي من المفترض أن يتبادل فيه الجانبان البيانات حول العدد الإجمالي لقواتهما النووية. وتتبادل الولايات المتحدة وروسيا أيضاً رسائل يومية حول التحركات والتدريبات، الأمر الذي ساعد في الحفاظ على الشفافية بشأن تصرفات كل طرف.