كتب – بنيمين زرزور:
لم يعد نأيك بنفسك عمّا يجري على الأرض في أوكرانيا ممكناً، وهو حال أغلبية سكان العالم، الذين هددت الحرب معيشتهم اليومية، من وجوه عدة، ليس أقلّها التضخم الذي استنفد مداخيلهم والحصار الذي تتعرض له واردات الحبوب من معينها العالمي الأكبر، أوكرانيا، ما لم يتم الاتفاق على مخرج لأزمة تصديرها.
مردّ الأزمة إلى أن الأطراف التي شاركت في صياغة الاتفاقية السابقة بوساطة تركية، راهنت على تحقيق مكاسب من ورائها، ربما بعضها لم يعد ممكناً في الوقت الحالي، بعد عام من الحرب شهد الكثير من المتغيرات التي لا بد أن تلعب دورها في صياغة رهانات جديدة، خاصة في ظل الشكوى الروسية المتكررة من العقوبات الغربية، ومطالبتها بربط تصدير الحبوب من أوكرانيا برفع العقوبات عن صادراتها.
وسط هذه البيئة المعقدة تجري محاولات تمديد الاتفاقية بين شعور بالتشاؤم تغذيه لهجات التصعيد، وآخر بالتفاؤل يقوم على الفصل بين النزاع بمجرياته العسكرية من جهة، والأزمة الغذائية التي تهدد ملايين البشر نتيجة وقف إمدادات الحبوب، من جهة أخرى.
مفاوضات مستمرة
وبينما تستمر المحاولات على أكثر من صعيد، قالت الأمم المتحدة، يوم الثلاثاء الماضي، إن المشاورات لإطالة أمد اتفاق حيوي لصادرات الحبوب الأوكرانية مستمرة، بعد أن ألقى اقتراح روسي بتمديد الاتفاق لمدة 60 يوماً بظلال من الشك على مصيرها.
وقال ينس ليرك، المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية للصحفيين، إن «الأمم المتحدة ستبذل قصارى جهدها للحفاظ على سلامة الاتفاقية وضمان استمراريتها». وأكد أن المشاورات مستمرة مع كل الأطراف، وعلى مختلف المستويات.
وجاءت تصريحات ليرك بعد اجتماع استمر ليوم واحد، في جنيفن بين كبار المسؤولين الروس، وممثلين عن الأمم المتحدة، وانتهى بإعلان موسكو أنها لن تعارض تمديد ما يسمى بمبادرة حبوب البحر الأسود، لكنها وافقت فقط على تمديد الاتفاقية لنصف المدة الأصلية البالغة 120 يوماً. وقالت أوكرانيا إن ذلك «يتعارض» مع الاتفاقية الأصلية، لكنها لم ترفض الاقتراح.
وتستمر جهود الوساطة لتمديد الاتفاق، سواء من الحكومة التركية، أو الأمين العام للأمم المتحدة، الذي زار كييف مؤخراً. وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أعرب عن ثقته بأن يتم تمديد الاتفاق.
وتهدف مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب، التي أُبرمت بوساطة تركيا والأمم المتحدة في يوليو/ تموز 2022، للحيلولة دون حدوث أزمة غذاء عالمية من خلال السماح بتصدير الحبوب الأوكرانية من ثلاثة موانئ أوكرانية على البحر الأسود، محاصرة بسبب الحرب. وقد نجحت الوساطة في تمديد العمل بالاتفاق في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي لمدة 120 يوماً، وتستمر محاولات تمديده بدءاً من الغد، ما لم يعترض أي طرف. ولكن موسكو ألمحت في وقت سابق إلى أنها لن توافق على التمديد إلا إذا تم رفع القيود التي تعرقل صادراتها.
ولم يستهدف الغرب الصادرات الزراعية الروسية بعقوبات مباشرة، لكن موسكو تقول إن العقوبات على قطاعات المدفوعات واللوجستيات والتأمين تعيق قدرتها على تصدير الحبوب والأسمدة. كما تشكو روسيا من أن الحبوب الأوكرانية المصدّرة بموجب الاتفاق تذهب للدول الغنية.
وقال وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، إن المفاوضات الهادفة إلى تمديد اتفاق الحبوب «معقدة» في الوقت الراهن، موضحاً أن بنود الاتفاق التي تعود بالفائدة على روسيا «لم تطبق على الإطلاق».
من جانبه قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إنه لا تزال هناك «أسئلة كثيرة» مطروحة في ما يتعلق بالمستفيد النهائي ووجهة أغلب الحبوب، وإنه لا توجد خطط حالية لإجراء محادثات بين الرئيس، فلاديمير بوتين، وأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.
التمديد ل60 يوماً
واقترحت روسيا، يوم الاثنين الماضي، تجديد اتفاق يسمح بالتصدير الآمن للحبوب من موانئ أوكرانيا المطلة على البحر الأسود، ولكن لنصف المدة فقط، البالغة 120 يوماً للتجديد السابق، بينما تعهدت الأمم المتحدة ببذل كل ما في وسعها لضمان بقاء الاتفاقية من دون تغيير.
وأعلن نائب وزير الخارجية الروسية سيرجي فيرشينين، عقب مفاوضات مع الأمم المتحدة في جنيف اليوم الاثنين 13 مارس/ آذار «إن الجانب الروسي لا يُعارض تمديداً جديداً لمبادرة البحر الأسود بعد انتهاء تمديدها الثاني في 18 آذار/ مارس، لكن لمدة 60 يوماً فقط». وجاء الرد الأوكراني سريعاً إذ انتقدت كييف الموقف الروسي، واعتبرت أنه يتعارض مع الاتفاقية الأساسية.
وقال فيرشينين عقب المفاوضات مع مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث: «موقفنا في المستقبل سيتحدد بناء على ما سيتم إحرازه من تقدّم ملموس على صعيد تطبيع أوضاع صادراتنا الزراعية، ليس بالأقوال بل بالأفعال». وأضاف أن ذلك «يشمل الدفعات المصرفية وآليات النقل والضمان ورفع التجميد عن الأنشطة المالية وإمدادات الأمونيا عبر خط أنابيب تولياتي-أوديسا».
وفي نيويورك، أكد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن «الأمم المتحدة تبقى منخرطة بشكل كامل في مبادرة حبوب البحر الأسود وفي جهود تسهيل صادرات الأسمدة والأغذية الروسية».
وقد أتاح الاتفاق الأساسي تصدير نحو 23 مليون طن من الحبوب، بعد أن منعت الحرب خروج السفن من الموانئ الأوكرانية، في الوقت الذي نص على إنشاء ممرات آمنة للسماح بإبحار السفن التجارية في البحر الأسود، لتصدير ما بين 20 و25 مليون طن من الحبوب، إلى 43 دولة.
ويرى المراقبون أن المفاوضات قد تكون صعبة للغاية في ظل تبادل الاتهامات حول خرق بنود الاتفاق، وإصرار الغرب على عدم تقديم أي تنازلات، أو تخفيف حدة العقوبات، خاصة على القطاع الزراعي والغذائي الأمر الذي يزيد من تشدد الموقف الروسي.
وإذ استمر تعثر المفاوضات فلا بد أن تشهد أسواق الغذاء العالمية المزيد من التوتر، خاصة أنها لا تزال تعاني من تبعات الحرب على صعيد سلاسل التوريد والخدمات اللوجستية. وقد انخفضت صادرات الحبوب الأوكرانية بنسبة 26.6 في المئة إلى 32.9 مليون طن في موسم 2023/22 حتى السادس من مارس/ آذار الجاري، متأثرة بانخفاض محصول الموسم وصعوبات لوجستية ناجمة عن الحرب.