منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، فرضت أمريكا والاتحاد الأوروبي عقوبات مختلفة على سوريا، وآخرها قانون قيصر الذى دخل حيز التنفيذ عام 2020، وشملت حظر بيع النفط، والغاز، وفرض القيود على الاستثمارات، والبناء، واستيراد المعدات والتقنيات، وتجميد أصول البنك المركزي، وتقييد ومراقبة الاتصالات.
كل هذه العقوبات حالت دون تنمية الدولة، وإعاقة إغاثة المنكوبين، ويرى يعرب خيربك، الخبير السياسى السورى أن أمريكا والغرب من خلال حصارهم لسوريا مسؤولون مسؤولية مباشرة عن قتل نصف عدد ضحايا الزلزال على أقل تقدير.
- ازدواجية المعايير حول مفهوم الإنسانية
كشفت أزمة الزلازل الأخيرة في سوريا عن ازدواجية المعايير التي تحكم مفهوم «الإنسانية»، حيث تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب، إنسانية المواطن الأمريكي والأوروبي هي الأسمى، على سبيل المثال: فإنسانية الأوكرانيين الذين يساندهم الغرب، والذين انتفضوا واجتمعوا في مجلس الأمن في الـ27 من فبراير 2022، بعد ثلاثة أيام من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، يبدو أن إنسانيتهم أهم من إنسانية السوريين الذين تعرضوا لزلزال مدمر بكل المقاييس ولم ينتفض له الغرب ومجلس الأمن إلا بعد أن وجهت لهم الانتقادات اللازعة، واعترف مارتن جريفيث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، في تغريدة له عبر حسابه على «تويتر» بأن الوكالة الأممية خذلت حتى الآن الناس في شمال غربي سوريا، إن السوريين يشعرون عن حق بأنهم متروكون. فهذا يدعو إلى ضرورة طرح النقاش حول ماهية مفهوم الإنسانية على المجتمع الدولي لإعادة تقييمه بشكل عادل في ظل تغير موازين القوى العالمية التي تتشكل في الوقت الراهن ليصبح العالم القادم أكثر توازناً.
إن فرض العقوبات الدولية من قبل الأمم المتحدة بقوانينها التي ارتضى بها جميع الأعضاء، يهدف لمعاقبة الأنظمة الحاكمة في بعض الدول على انتهاكات معينة، بهدف التصحيح وليس الانتقام من الدول والشعوب، أما العقوبات الأحادية التي تفرضها بعض الدول – أمريكا وأوروبا على سبيل المثال- ضد البعض الآخر، فقد اعتبرتها الأمم المتحدة عقوبات غير شرعية، وطلبت المنظمة من أمريكا وأوروبا ضرورة رفع مثل هذه العقوبات فوراً، كما جاء في اجتماع 27 مارس 2020 الذى عقده الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس مع العديد من قادة المنظمة، فضلاً عن عدد كبير من مندوبي الدول الأعضاء.
بالإضافة إلى ذلك أكدت هلال إلفر، مقرر الأمم المتحدة للحق في الغذاء، أن رفع العقوبات الاقتصادية أحادية الجانب، أمر ملح من الناحيتين الإنسانية والعملية، ودعت إلى رفعها عن عدد من الدول، لضمان وصول الإمدادات الغذائية لسكانها خلال الكوارث.
نفس الموقف عبرت عنه ميشيل باشليه مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عندما دعت في أواخر مارس/آذار 2020 مع تفشي «كورونا» إلى تخفيف أو تعليق تلك العقوبات المنهِكة. وشددت على تفادي انهيار النظام الطبي لأي دولة في ضوء ما سيكون لذلك من تبعات كبيرة، تؤدي إلى الموت والمعاناة وانتقال العدوى على أوسع نطاق.
والواقع أن كل عقوبة دولية تفتقد للشرعية الدولية، هي عقوبة لاغية وغير عادلة، وتدخل في باب الشطط في استعمال السلطة الدولية، وضرباً في الصميم لمصداقية الأمم المتحدة بمختلف أجهزتها، وقد حان الوقت لرفع العقوبات الأمريكية غير الشرعية عن سوريا فورا وبشكل نهائي.
بعد تفاقم الأزمة السورية، سارعت كل من أمريكا والاتحاد الأوروبي، بالإعلان عن رفع العقوبات عن سوريا لمدة 6 اشهر، وهو حق يراد به باطل، فوفقاً لرأى بسام صباغ الممثل الدائم لسوريا بالأمم المتحدة، فإن أغلب البنوك الدولية ترفض تحويل الأموال إلى سوريا لعدة أسباب: إما أنها لا تجد فائدة مادية لها من هذه التحويلات، أو أنها تتجنب الوقوع تحت طائلة العقوبات الأمريكية – الأوروبية خوفاً من سوء تفسير التعامل مع سوريا رغم الإعلان عن رفع العقوبات، وكذلك الأمر ينطبق على الشركات الدولية في المجالات الممنوع التعامل فيها مع سوريا، لذا يمكن القول إن رفع العقوبات التي أعلنت عنها أمريكا وأوروبا هو مسرحية هزلية لتضليل الرأي العام.
- العودة لجامعة الدول العربية
يبقى الحل الأقوى لخروج سوريا من تحت وطأة العقوبات غير الشرعية هو عودتها لجامعة الدول العربية، خاصة بعد أن قامت الدول العربية بموقف مشرف تجاه الأزمة الأخيرة، ومن الأمثلة على ذلك ما قامت به دولة الإمارات العربية المتحدة من إرسال المساعدات الإغاثية بكافة أنواعها إلى سوريا عن طريق جسر جوى ضمن عملية «الفارس الشهم 2»، بالإضافة إلى زيارة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، لدمشق لتفقد الأوضاع على أرض الواقع، وتقديم يد العون للأشقاء السوريين.
وتأتي على رأس جهود توحيد الصف العربي استقبال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، للرئيس السوري بشار الأسد بكل الترحاب، وهى الزيارة الثانية للأسد لدولة الإمارات منذ بدء الأزمة السورية عام 2011. و كانت الإمارات الدولة العربية الأولى التي استقبلت الأسد العام الماضي، وتأتي كل هذه الجهود لتحقيق وحدة الصف العربي.
=====
عمر التلاوي
باحث بجامعة الصين للإعلام في بكين