كتب –بنيمين زرزور *
بينما العالم منشغل حتى أخمص قدميه في ما يجري في أوكرانيا وارتدادات الحرب على العلاقات الدولية، تفاجئ كوريا الشمالية العالم، بين حين وآخر، بتجربة صاروخ باليستي جديد، أو غواصة نووية، وتترك هذه المفاجآت الولايات المتحدة وحلفاءها في الجوار الكوري، في حالة ترقب وحذر.
كان لافتاً في ظل تطور وتسارع مفاجآت بيونغ يانغ مسارعة واشنطن وكوريا الجنوبية لتكثيف مناورتهما العسكرية المشتركة، حيث انضمت اليابان أيضاً إلى المناورات، فيما تعتبره واشنطن التزاماً لا يقبل الشك بالدفاع عن شركائها في المنطقة، بينما ترى فيه كوريا الشمالية استفزازاً وتهديداً لأمنها، وحتى وجودها.
فقد أعلنت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية عن مناورات بحرية ثلاثية مشتركة بين كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة، الاثنين الماضي، في المياه، جنوب شبه الجزيرة الكورية، بمشاركة حاملة الطائرات الأمريكية (يو إس إس نيمتز)، ما تعتبره بيونغ يانغ خطوة استفزازية جديدة.
وفي بيان نقلته «وكالة يونهاب» قالت الوزارة: تم الترتيب لتعزيز قدرات الاستجابة لكوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان ضد ما اعتبرته تهديدات متقدمة تحت الماء تنذر بها أنشطة بيونغ يانغ، بما في ذلك الصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات.
مناورات
ونشرت سيؤول في إطار المناورات ثلاث مدمرات تعتبر القوة الرئيسية في أسطولها البحري، وهي «يولغوك إي إي»، و«جو يونغ»، و«ديجويونغ»، وكذلك سفينة الدعم القتالي «سويانغ»، بينما أرسلت الولايات المتحدة حاملة الطائرات «يو إس إس واين إي ماير»، والمدمرة «يو إس إس ديكاتور»، فيما حشدت اليابان المدمرة «جي إس أوميريجي».
وتصرّ واشنطن التي زجت بثقلها في المواجهة، على تصعيد النزاع مع كوريا الشمالية من خلال التحالفات الجديدة وتكثيف المناورات العسكرية، سواء كانت تدريبات «درع الحرية»، التمرين السنوي المشترك بين الجانبين، والتي استمرت 11 يوماً في مارس/ آذار الماضي، أو مناورات «التنين المزدوج» التي بدأت في 20 مارس/ آذار الماضي، أو المناورات الأخيرة التي بدأت يوم 4 إبريل/ نيسان.
وسارعت بيونغ يانغ إلى تأكيد عزمها على ردع العدوان والاستمرار في تعزيز قدراتها النووية، متهمة الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بانتهاج «سلوك خاطئ» يعرضهما لخطر جسيم، وفقاً لوسائل إعلام رسمية كورية شمالية.
كما انتقدت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية، بشدة، التدريبات العسكرية المشتركة المستمرة للدولتين الحليفتين وخططهما لإجراء مناورات ضخمة بالذخيرة الحية في يونيو/ حزيران المقبل، للاحتفال بالذكرى السبعين لتحالفهما. وجاء في البيان الذي نشرته الوكالة «لقد بلغت تصرفات دعاة الحرب اليائسة حدودها القصوى».
نشاط كوري شمالي
وكشفت صور التقطت بالأقمار الصناعية وجود مستوى عالٍ من النشاط في المجمع النووي الرئيسي في كوريا الشمالية، بعد أن دعا زعيم البلاد كيم جونغ أون، إلى زيادة إنتاج «المواد النووية العسكرية».
وأفادت صور الأقمار الصناعية التي التقطت بين 3 و17 مارس/ آذار الماضي، أن بناء مفاعل بالمياه الخفيفة في موقع يونغبيون، أوشك على الانتهاء، وأن مفاعلاً آخر بطاقة 5 ميغاواط في يونغبيون، مستمر في التشغيل، وأن أعمال بناء جديدة حول معمل تخصيب اليورانيوم في الموقع قد بدأت فعلياً لزيادة استطاعته على الأرجح.
وكانت وسائل الإعلام الرسمية الكورية الشمالية نشرت صوراً لكيم خلال تفقده رتلاً من الرؤوس الحربية الصغيرة التي يبدو أنها رؤوس حربية نووية تكتيكية.
ويرى الخبراء أن الأسلحة النووية التكتيكية مؤشر إلى أن كوريا الشمالية تحرز تقدماً تقنياً، وتدل، على ما يبدو على، أن البلاد تستعد لتجربة نووية سابعة. وتحذر واشنطن وسيؤول كوريا الشمالية منذ مطلع 2022، من إجراء تجربة نووية جديدة.
وفي أحدث المفاجآت الكورية أعلنت بيونغ يانغ، قبل أيام، عن إطلاق صاروخين باليستيين قصيري المدى باتجاه بحر اليابان، في أحدث سلسلة من تجارب الأسلحة خلال الأسابيع الأخيرة.
وقطع كل من الصاروخين مسافة ما يقرب من 370 كيلومتراً. وقالت مصادر جيش كوريا الجنوبية «إن العملية تشكل استفزازاً خطراً يعرض سلام المجتمع الدولي للخطر، ويمسّ أمن شبه الجزيرة الكورية واستقرارها». وقد بلغ مجموع ما أطلقته بيونغ يانغ من الصواريخ الباليستية، منذ بداية العام الجاري، 14 صاروخاً أضيفت إلى نحو مئة صاروخ باليستي أطلقت عام 2022.
وتزامنت عملية الإطلاق مع انتهاء أحدث وأكبر تمرين عسكري مشترك بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. وتعتبر بيونغ يانغ هذه المناورات بمثابة تدريبات على غزو أراضيها، حيث أكدت وسائل الإعلام المحلية أن المناورات الأخيرة «درع الحرية»، كانت تدريبات من أجل «احتلال» كوريا الشمالية، وهذا نشاط عدواني يتطلّب وسائل ردع عسكري أقوى، خاصة «قدرة هجوم نووي أكثر تطوراً وتنوعاً وأكثر هجومية».
وتشير التطورات إلى أن سيؤول معرّضة للخطر أكثر من غيرها، لذا فإن الدفاع عن العاصمة الكورية الجنوبية هو أحد السيناريوهات التي تتدرب عليها القوات المشتركة الأمريكية والكورية الجنوبية. وقال مسؤول في وزارة الدفاع إن التدريبات البحرية الأخيرة تهدف إلى «تعزيز الردع الموسع» من خلال نشر قدرات استراتيجية أمريكية في مواجهة تهديدات كوريا الشمالية النووية والباليستية المتنامية.
ومما يثير القلق أيضاً سياسة الاستخدام الوقائي الجديدة للأسلحة النووية التي اعتمدتها كوريا الشمالية. وإذا كان هناك هجوم وشيك على مراكز القيادة والسيطرة، فمن المرجح أن بيونغ يانغ سوف تستخدم أسلحتها وفقاً لعقيدتها النووية. وفي الواقع، جاءت «مناورة الهجوم النووي المضاد» الأخيرة، لكوريا الشمالية، خلال المناورة العسكرية السنوية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، تأكيداً جديداً من كوريا الشمالية أنها مستعدة وراغبة في استخدام أسلحة نووية تكتيكية ضد أهداف في كوريا الجنوبية.
ونظراً لغياب الحكمة وصوت العقل الذي ساد العلاقات الدولية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، فإن القلق من احتمال انفجار الموقف نتيجة حدث عرضي أصبح مبرراً ومنطقياً.