د. محمد فراج أبو النور *
تشير شواهد عدة إلى أن القمة العربية المقبلة، المقرر انعقادها في الرياض (19 مايو/ أيار المقبل)، ستكون ذات أهمية استثنائية، إذ تنعقد وسط تطورات دولية وإقليمية بالغة الأهمية لا بد من أن تجد انعكاسها في أجندة حافلة بالقضايا المهمة المطروحة للنقاش، بما يمكن معه أن تشكل تحولاً مهماً في مسيرة العمل العربي المشترك، بصورة يمكن أن تؤدي إلى متغيرات جوهرية في خريطة العلاقات العربية والشرق أوسطية.
أبرز المتغيرات التي شهدتها المنطقة خلال الأسابيع السابقة على القمة هو الاتفاق بين السعودية وإيران، برعاية صينية، على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين خلال شهرين والذي تضمنه بيان صدر في بكين (10 مارس/ آذار الماضي)، ويحمل توقيعات مسؤولين رفيعي المستوى من البلدان الثلاثة، بما يشير إلى دور ضامن للصين في تنفيذ الاتفاق، خاصة أن البيان يشير إلى أن المحادثات السابقة عليه جرت بناء على اتفاق بين الرئيس الصيني شي جين بينج، والقيادتين السعودية والإيرانية.
وينص الاتفاق أيضاً على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بين الرياض وطهران، السابق توقيعها (عام 2001)، واتفاقية التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتكنولوجيا والعلوم والثقافة والشباب والرياضة (1998). وسرعان ما تم الإعلان عن زيارة يقوم بها الرئيس الإيراني قريباً إلى الرياض، كما تم اجتماع في بكين، يوم أمس الخميس، بين وزيري الخارجية السعودي والإيراني، الأمر الذي يشي بأن الأطراف الثلاثة متفقة على تنفيذ الاتفاق بوتائر سريعة.
اختراق صيني
توقيع الاتفاق السعودي- الإيراني برعاية صينية، يشير إلى عمق الاختراق الذي حققته الصين في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي، التي ظلت لعقود طويلة مجالاً تقليدياً شبه حصري للنفوذ الأمريكي، ومما له دلالة مهمة أن الاتفاق يجيء في وقت يشهد محاولات أمريكية حثيثة لإحكام الحصار حول إيران، و«تغيير النظام» فيها.
انعكاسات في أجندة القمة
ولا يتسع المجال هنا للدخول في تفاصيل الاختراق الصيني للمنطقة، وارتباطه بالمتغيرات الدولية والكبرى والمواجهة الروسية- الأطلسية في أوكرانيا، وبدء مرحلة الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب، والإدراك المتزايد لدى قادة منطقة الخليج لطبيعة هذه المرحلة، وانعكاس هذا الإدراك في السعي للانضمام إلى منطقة شنغهاي ومجموعة البريكس، وقرارات (أوبك +) بخفض الإنتاج، وبحث التعامل مع الصين بالعملات الوطنية.. إلخ، فهذه قضايا تحتاج كل منها إلى معالجة مستفيضة مستقلة.
ما يعنينا هنا هو الإشارة إلى انعكاس التطورات المترتبة على الاتفاق السعودي- الإيراني، والتطورات في العلاقات الإماراتية- الإيرانية على أجندة القمة المقبلة في الرياض، خاصة في ما يتصل بالبلدان العربية التي تتمتع إيران فيها بنفوذ كبير.
ونعتقد أن الوضع في اليمن سيكون من القضايا التي تحتل مكاناً بارزاً بصورة خاصة، وأن التحسن المتوقع في العلاقات العربية الإيرانية سيتيح مناخاً مواتياً أكثر لبحث قضية التسوية في اليمن.
عودة سوريا إلى الجامعة العربية
العودة السورية إلى جامعة الدول العربية واحدة من أهم نقاط أجندة قمة الرياض، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، وقد اكتسبت هذه القضية ما يشبه الإجماع العربي. وكان للإمارات بصورة خاصة، ثم للأردن والجزائر الدور الأكبر في هذا الصدد، غير أن معارضة بعض الدول أحبطت هذه المساعي في قمة الجزائر (نوفمبر/ تشرين الثاني 2022)، ثم جاء زلزال (6 فبراير/ شباط) ليسلط ضوءاً ساطعاً على المأساة الإنسانية الكارثية في سوريا. ويمثل التضامن العربي الواسع مع سوريا ضغطاً كبيراً على الموقف المعارض لعودتها العاجلة إلى حاضنتها العربية. كما نقلت زيارة الرئيس الأسد لأبوظبي ومسقط، ومحادثات الرؤساء العرب الهاتفية معه، وزيارات وزراء الخارجية إلى دمشق، مظاهر انفتاح عربي عليها يصعب تجاهلها، فأعلن وزير الخارجية السعودية أنه سيزور دمشق قريباً. ثم جاءت زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى مصر مؤخراً، والإعلان عن زيارة الرئيس الأسد إلى القاهرة قريباً، لتمثل خطوة أخرى في اتجاه العودة للجامعة.
إصلاح خطأ قديم
على أية حال، فإن تحسن العلاقات بين السعودية وإيران بعد الاتفاق الأخير يفتح الباب لتليين المواقف العربية تجاه دمشق، بحيث يتزايد بقوة احتمال عودتها للجامعة وحضورها لقمة الرياض، وفي هذه الحالة فإن المطروح على أجندة القمة لن يكون عودة سوريا فقط، وإنما البدء بإعادة إعمارها، وهي مهمة ضخمة جداً تبلغ كلفتها (450 مليار دولار)، حسب أرقام لجنة جنوب غرب آسيا «الأسكوا» التابعة للأمم المحتدة، تضاف إليها (50 مليار دولار) أخرى لمواجهة آثار الزلزال المدمر الأخير، حسب تصريحات الرئيس الأسد (RT- سبوتنيك- 16 مارس).. أي خمسمئة مليار دولار لإنهاض الاقتصاد السوري المدمر، عدا المساعدات العاجلة المطلوبة لجهود الإغاثة الإنسانية، ومواجهة النقص الفادح في المواد الغذائية وإمدادات الطاقة.
عودة سوريا للحضن العربي ستمثل إصلاحاً لخطأ قديم، ودعماً لإمكانية إعادة بناء منظومة الأمن القومي العربي التي انهارت منذ سنوات «الربيع العربي» كما تقدم إمكانية لبدء تحرك جماعي لرفع العقوبات الأمريكية والغربية عن الشعب السوري، وحشد الجهود لإعادة الإعمار وعودة ملايين اللاجئين.
فلسطين ولبنان وليبيا
وإضافة إلى ما سبق، فإن أجندة القمة لا بد أن تتضمن القضايا العربية الساخنة الأخرى، وفي مقدمتها مواجهة الهجمة العنصرية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني ومقدساته، ومعالجة الأزمة المتفاقمة في لبنان وضرورة انتخاب رئيس للبلاد، وتعزيز العلاقات العراقية مع الأشقاء العرب، وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وحلّ الميليشيات تمهيداً للتسوية والانتخابات، وتقديم دعم اقتصادي عاجل لكل من مصر وتونس ولبنان (فضلاً عن سوريا واليمن) وتصفية الخلافات بين الأشقاء المغاربيين..
كل هذه القضايا لا بد من معالجتها إذا كانت هناك إرادة لترميم وإعادة بناء نظام الأمن القومي العربي في مواجهة المتغيرات العاصفة التي يشهدها العالم هذه الأيام، وتحديد مواقف متماسكة للعرب في مواجهة هذه المتغيرات، مواقف تحقق المصالح القومية العربية، وإلا فإن التاريخ لن يرحمنا، لأنه لا يرحم الضعفاء والغافلين.. ولا يقبل أعذارهم.
* كاتب مصري