تقضي عائلات سودانية أياماً بائسة في توفير المال والوقود، وساعات من القيادة في ليل حالك الظلام مروراً بعشرات نقاط التفتيش، من أجل القيام برحلة طولها ألف كلم إلى الحدود المصرية، هرباً من ويلات الحرب في الخرطوم.
لمدة 24 ساعة ظل الشاب السوداني عمر، الذي تحدث لوكالة الصحافة الفرنسية، حبيساً بين جدران منزله، فيما أصوات الرصاص والانفجارات تهز أرجاء الخرطوم، يحضر كل شيء لرحيله مع عائلته خارج العاصمة.
وقال عمر إن أخطر مرحلة واجهتهم كانت مغادرة الحي: «عبرنا 25 نقطة تفتيش للوصول إلى محطة الحافلات على أطراف الخرطوم».
وفي المحطة، كان عليهم الانتظار حتى يكتمل عقد الركاب في حافلتهم التي تتسع ل45 شخصاً. وأوضح أن سعر التذكرة كان 115 دولاراً للشخص الواحد.
ولكن مع تدفق مئات العائلات اليائسة للفرار من القتال، ارتفع المبلغ إلى 400 دولار، وهو ما يعادل الراتب الشهري للموظف المدني. وأضاف عمر، أنه حتى بعد شراء التذكرة، «قد تنتظر بعض الحافلات يوماً كاملاً»، بينما يتدافع السائقون للعثور على الوقود الذي تضاعف سعره «ثماني مرات» في الأيام العشرة التي انقضت منذ بدء القتال.
رحلة مظلمة
وفي 15 إبريل اندلع القتال في الخرطوم وعدد من الولايات بين الجيش وقوات الدعم السريع وإثر هدنة نسبية، بدأ سكان الخرطوم من سودانيين وأجانب يفرّون إلى أمكنة أكثر أماناً، كما باشرت دول عربية وأجنبية إجلاء مواطنيها.
ووصلت طالبة الطب نون عبد الباسط البالغة 21 عاماً، إلى القاهرة، الأحد، بعد يومين من مغادرتها الخرطوم مع عشرة أشخاص من أقاربها تراوح أعمارهم بين 4 و 70 عاماً.
في طريقهم للخروج من الخرطوم أوقفت حافلتهم، على ما أفادت عبد الباسط، مرتين من قبل الجيش ومرة من قبل قوات الدعم السريع. وقالت: «كنا قلقين من أن يصعدوا بأسلحتهم أو يؤذوا أي شخص»، لكنها شعرت بالارتياح عندما «تأكدوا فقط من الركاب وطرحوا بضعة أسئلة».
ويلتقط الركاب أنفاسهم بمجرد الخروج من العاصمة ويبقون في الحافلات حتى الوصول إلى معبر أرقين الحدودي مع مصر. وأضافت عبد الباسط، أنه لم تكن هناك نقطة تفتيش واحدة طوال 13 ساعة من القيادة. كذلك لا مكان يتزودون منه الطعام والماء. فقط «طريق أسود ولا شيء إلى اليمين أو اليسار».
ويساعد الطالب السوداني مصعب الهادي البالغ 22 عاماً الفارين من القتال في التخطيط لفرارهم خارج العاصمة ومن بعدها البلاد. وقال: «عندما نتلقى اتصالاً ممن يحاولون العثور على ممر آمن إلى مصر، فإن أول أمر نسأل عنه ما إذا كان لديهم ما يكفي من الطعام والماء لهذه الرحلة». حتى أولئك الذين وصلوا بالفعل إلى الحدود المصرية، اضطر بعض منهم ليلاً إلى الانتظار ساعات لفتح المعبر.
دعوات إلى إلغاء التأشيرة
في الظروف العادية، يسمح فقط للنساء والأطفال والرجال السودانيين الذين تزيد أعمارهم على 50 عاماً بدخول مصر، حيث يعيش أربعة ملايين سوداني بحسب الأمم المتحدة، بدون تأشيرة مسبقة. ويتعين على من هم رجال دون الخمسين الحصول على تأشيرة دخول من القنصلية المصرية في وادي حلفا أقصى شمالي البلاد.
ولكن في الأيام الماضية، طالب العديد من المستخدمين المصريين لمنصات التواصل الاجتماعي، سلطات بلادهم بالسماح للسودانيين الوافدين بسبب الحرب بالدخول من دون تأشيرات، مستخدمين وسم «مصر هي بيتك الثاني».
وحتى بعد عبور الحدود، يظل الطريق طويلاً إلى القاهرة؛ إذ تعتبر أسوان في أقصى جنوب مصر أقرب مدينة كبرى وتقع على بعد 300 كلم شمالي المعبر.
(أ ف ب)