د. أيمن سمير
هي عنوان «للتوافق وقبول الآخر»، فهي ليست بيضاء كما أنها ليست من أصحاب البشرة السوداء، بل هي من أصول هندية، عاشت وترعرعت في كارولينا الجنوبية، نصحتها أمها ليلة الترشح للانتخابات الرئاسية أن تكون بمثابة «المساحات المشتركة» في مجتمع وصل فيه الانقسام والتشظي السياسي لمرحلة أن زميلتها الجمهورية والنائبة في مجلس النواب مارجوري تايلور جرين طالبت «بالطلاق الوطني»، أي فصل الولايات التي يحكمها ديمقراطيون عن الولايات التي يحكمها جمهوريون.
شديدة الإعجاب بشجاعة وقوة إبراهام لينكولن، وثيودور روزفلت، وريتشارد نيكسون، وجيرالد فورد، شجاعتها مصدر إعجاب من الجميع، ما تفكر فيه لا تتردد أن تقوله وتعبّر عنه بشكل علني، شقت طريقها في مجتمع غلب عليه الرجال، لكنها حققت نجاحات هائلة، قبل الحديث عن ترشح هيلاري كلينتون وكامالا هاريس لمنصب الرئيس ونائب الرئيس، سبقتهم هي عندما طلب منها المرشح الرئاسي الجمهوري ميت رومني أن ترافقه على بطاقة الترشح الرئاسية كنائبة للرئيس، لكن بخبرتها السياسية، وإدراكها بأن حظوظ فوز رومني أمام باراك أوباما في انتخابات نوفمبر 2012 كانت ضعيفة، لهذا اعتذرت بدعوى أن لديها عملاً لم يكتمل في ولايتها «كارولينا الجنوبية».
هي ثاني شخصية أمريكية من أصول آسيوية تتولي منصب حاكم ولاية بعد بوبي جندال، الذي تولى منصب حاكم ولاية لويزيانا، وهي أول امرأة على الإطلاق تشغل منصب حاكم ولاية كارولينا الجنوبية، ظلت وجه الولايات المتحدة الذي يطلّ على العالم لمدة عامين من «شرفة الأمم المتحدة»، عندما اختارها الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2017 لتكون مندوبة بلادها الدائمة في المنظمة الدولية، ونتيجة لمواقفها القوية وخطاباتها الرائعة اختارتها مجلة تايم عام 2016 كواحدة من أكثر الشخصيات المؤثرة لذاك العام.
إنها نيكي هايلي المرشحة الجمهورية لمنصب الرئاسة في انتخابات عام 2024، وهي أول من تحدى الرئيس السابق دونالد ترامب على بطاقة الحزب الجمهوري، كما أنها أول الجمهوريين الذين رفضوا سلوك ترامب حول نتائج انتخابات نوفمبر 2020، وما جرى بعدها من اقتحام الكونجرس ليلة 6 يناير 2021، لكن ما يجب التوقف أمامه هو «خطابها القوي» الذي أعلنت فيه الترشح للرئاسة، والذي أثارت فيه غضب كبار السنّ في السياسة الأمريكية أمثال دونالد ترامب ومايك بنس وجو بايدن ونانسي بيلوسي وميتش ماكونيل، عندما قالت «حان الوقت لجيل جديد من الأمريكيين»، ولم تتوقف عند هذا بل دعت الحزب الجمهوري إلى التفكير العميق في الأسباب والأشخاص الذين قادوا لهزيمته في 7 انتخابات في آخر 8 انتخابات سواء كانت رئاسية أو في الكونجرس أو حكام الولايات، ورغم حلولها في المرتبة الثالثة على مستوى الجمهوريين بعد دونالد ترامب ورن دي سانتس، إلا أن هذه الصراحة والقوة والشجاعة جعلتها تتقدم في استطلاعات الرأي الأخيرة، منذ أن أعلنت ترشحها للانتخابات الرئاسية في 14 فبراير الماضي، فهي تركز على «القوام الرئيسي» للمجتمع الأمريكي القائم على التنوع والفئات غير الحزبية، بهدف حرمان الحزب الديمقراطي من أهم عوامل نجاحه والحصول على الأغلبية في الانتخابات منذ عام 2008، وهم السكان الملوّنون، وساعدها في هذا قدرتها على صياغة أجندة داخلية «بعبارات دبلوماسية»، وهي الخبرة والكلمات التي حصلت عليها من عملها في الأمم المتحدة، ففي الوقت الذي يمكن لترامب أن يُخطئ في حق النساء أو السود، دائماً ما تأتي كلمات نيكي هايلي «داعمة للأسرة والملوّنين»، للدرجة التي يمكن وصف موقعها السياسي بأنه يأتي علي «يسار» الحزب الجمهوري، لكنها في ذات الوقت تحمل «أجندة جمهورية» بامتياز، تقوم على الرفض الكامل للإجهاض، كما تدعو لدعم الشرطة في مواجهة الجريمة، وضرورة ضبط الحدود مع المكسيك، وهنا تهاجم الرئيس جو بايدن بشكل حاد، فهي ترى أن الديمقراطيين لم يلتزموا بأجندتهم التي كانت تدعو دائماً للتسامح مع المهاجرين، وفي نفس الوقت قاموا بفصل الأطفال عن الأمهات على الحدود المكسيكية الأمريكية، كما أنها تقول إن فترة احتجاز المهاجرين غير الشرعيين على الحدود في الوقت الحالي، لا تختلف كثيراً عن الفترة التي كانوا يحتجزون فيها عندما كان الحزب الجمهوري في الحكم، وتطالب بأن تعمل الولايات المتحدة أبعد من الحدود مع المكسيك عبر صياغة اتفاقيات مع دول أمريكا اللاتينية المصدرة للهجرة، بهدف منع الهجرة غير الشرعية من« المنبع».
« براجماتية كاملة»
رغم أن مواقفها السياسية سواء في القضايا الداخلية أو الخارجية تبدو أنها تنطلق من« قيم جمهورية عامة» إلا أن نيكي هايلي تتمتع ببراجماتية كاملة، فقبل نحو عامين قالت إنها لن تترشح للانتخابات الرئاسية إذا ترشح الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن بعد إجرائها « تقدير موقف» جديد، خاصة بعد الاتهامات الجنائية بحق ترامب عدلت هذه الموقف، وانقلبت عليه بنسبة 100 %، وكانت أول من يتحدى الرئيس السابق دونالد ترامب على بطاقة الحزب الجمهوري الأمريكي، وهي براجماتية يمكن أن نراها كذلك عندما قررت أن تترك منصبها في الأمم المتحدة بنهاية عام 2018، حتى تتفرغ للعمل لنفسها ومستقبلها السياسي، ويعزز من كل هذا « نهجها المستقل» داخل الحزب الجمهوري، فلا يمكن القطع بأن نيكي هايلي محسوبة على جناح ما داخل الحزب، فمغازلتها للتنوع والملوّنين تشعرك بأنها تكاد أن تكون ديمقراطية، وفي دفاعها عن قضايا الأمن والحدود والدول المتنافسة مع أمريكا على الساحة الدولية، تعطيك انطباعاً بأنها تنتمي لجناح المحافظين المتشددين.
لا تتحمل المتنمّرين
مواقفها المحافظة تتجلى وتتجسد بقوة عند حديثها عن الصين وروسيا وكوريا الشمالية، فهي التي وصفت السياسة الحالية للرئيس بايدن بأنها «سياسة ضعيفة»، وقادت إلى تراجع الولايات المتحدة على المستوى العالمي، وتقول إنها سوف تتعامل بصرامة كبيرة مع الصين خاصة في 3 ملفات رئيسية تتعلق بدعم تايوان، وعدم التسامح في ما تسميه « بسرقة الأموال» الأمريكية عبر الميزان التجاري غير العادل مع الصين، كما أنها سوف تدعم حلفاء الولايات المتحدة في آسيا للوقوف في وجه ما تسميه « التنمر الصيني والروسي»، فهي «لا تحب المتنمّرين»، بحسب المقطع المصور الذي أرفقته في إعلان ترشحها للانتخابات الرئاسية.