كتب- بنيمين زرزور:
السؤال الذي يتكرر على ألسنة متابعي الانتخابات الرئاسية الأمريكية، هو نفسه الذي يحيّر الناخبين الأمريكيين الذين يتساءلون عن شحّ المرشحين الشباب، واعتماد الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، على زعامات شاخت وأفلست، سياسياً وإدارياً، بينما استمر تفاقم المشاكل التي يعاني منها أولئك الناخبون.
تعمقت مشاعر الإحباط بعد تأكيد الرئيس الأمريكي الكهل، جو بايدن، ترشحه لانتخابات عام 2024، وأضفى على معركة الرئاسة النكهة نفسها التي ذاقها الشعب الأمريكي في دورة 2020، لكنها تبدو هذه المرة أكثر تركيزاً، حيث يلعب عنصر السّن لدى الرجلين (بايدن وترامب)،الدور الأهم في صياغة خطط الهجمات المتبادلة، حتى أن صحيفة «فاينانشل تايمز» اعتبرت المرشحَين «أصلعين يتنافسان على مشط».
ويفترض الكثيرون، بشيء من التسرع، أن بايدن يمكنه التغلب على ترامب بسهولة، وهي على ما يبدو حقيقة راسخة في ذهن بايدن نفسه. فهو يعتقد جازماً، أنه لو خاض المنافسة ضده مرشحاً عن الحزب الديمقراطي بدلاً من هيلاري كلينتون عام 2016، لما سنحت لترامب فرصة الوصول إلى البيت الأبيض أساساً.
ومرة أخرى سيكون السّن عاملاً حاسماً في الحكم على بايدن الذي تكرر سقوطه، وزلاته الناتجة عن ضعف التركيز، ما استدعى تكليف مجموعة خاصة من البيت الأبيض لمتابعة تلك العثرات. وهذا يعني أن الناخبين الأمريكيين متفقون، بشدة، على أن قدرات بايدن المتضائلة كافية لاستبعاده من الفوز بالمنصب. ففي كل مرة يركض فيها بايدن إلى المنصة، أو يتخطى درجات سلم الطائرة، تكون قلوب مساعديه في أفواههم.
الركود الاقتصادي
وبالتالي، فإن الجمهوريين سوف يصلون إلى النقطة التي مفادها أن التصويت لبايدن من شأنه أن يسلم البيت الأبيض إلى نائبته، كامالا هاريس، التي على الرغم من خلو ملفها من الحوادث والإنجازات على حد سواء، فإن معدلات قبولها ليست عالية.
ويشير المحللون إلى الخطر الكبير الذي يمثله حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة في الأشهر المقبلة، على حظوظ بايدن. فقد كانت آخر مرة فاز فيها رئيس بإعادة انتخابه على الرغم من الركود الاقتصادي عندما فاز ويليام ماكينلي في عام 1900. أما في الحالات الأخرى فقد أدى الركود إلى الهزيمة. وبما أن تحفيز النمو يبقى في أيدي مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي سيواصل رفع أسعار الفائدة، فلا يوجد الكثير مما يمكن لبايدن فعله حيال تخفيف تأثير الركود في حظوظه.
لكن ما يراهن عليه الديمقراطيون ربما يتركز في هشاشة موقف منافسه دونالد ترامب، بعد أن وجهت إليه لائحة اتهام في نيويورك، الشهر الماضي، بالتزوير ودفع أموال لممثلة إباحية، ولا تزال احتمالات توجيه تهمة، أو اثنتين إضافيتين بحلول موعد بدء موسم الانتخابات، مرتفعة.
ولا يزال شغبه ماثلاً في الأذهان، حيث خسر لكنه رفض التنازل، وادعى أن الانتخابات سُرقت منه، ثم دفع مسؤولي الولاية لتغيير حساباتهم، ودبّر مؤامرة لتسمية ناخبين مزيفين، واستدعى مؤيديه إلى واشنطن في اليوم الذي تم فيه فرز الأصوات الانتخابية، وحثهم على السير في مبنى الكابيتول الأمريكي، حيث قاموا بأعمال شغب.
دور المال
كشف استطلاع جديد أجرته شبكة «إن بي سي نيوز»، أن 5 في المئة فقط، من الناخبين الأمريكيين يرغبون في رؤية كل من جو بايدن ودونالد ترامب، يتنافسان على الرئاسة في عام 2024.
وتبدو المنافسة بين الرجلين حتمية في الوقت الحالي، حيث يتفوق ترامب بشكل كبير على جميع منافسيه من الحزب الجمهوري، ولا توجد شخصية ديمقراطية كبيرة تتقدم لتحدي بايدن.
ويتعلق الكثير من ذلك بحقيقة أنه بينما يقول الناخبون دائماً إنهم يريدون التغيير، فإنهم أيضاً يقاومونه. هناك أيضاً حقيقة لا تخفى، وهي أن المال قوة فاعلة في الانتخابات الوطنية الأمريكية، ما يحول دون بروز عناصر شابة جديدة. ففي دورة عام 2020، انسحب 13 مرشحاً ديمقراطياً من السباق على منصب الرئاسة قبل جولات التصويت الأولية، أو الحزبية، لأسباب تتعلق بشحّ التمويل.
ومن الواضح أن دعم الديمقراطيين لترشيح بايدن تراجع إلى مستويات متدنية. وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» بعد ثمانية استطلاعات أجرتها، أن 38 في المئة فقط، من الديمقراطيين يؤيدون بايدن كمرشح رئاسي للحزب لعام 2024، ما يقرب من نصف الدعم الديمقراطي الذي حصل عليه باراك أوباما في حملته لإعادة انتخابه عام 2012. ومع ذلك لا يجرؤ أي زعيم ديمقراطي جاد على شق صفوف الحزب من خلال تحدي الرجل الذي هزم ترامب قبل عامين ونصف العام.
وعلى عكس بايدن، لم يفتقر ترامب الذي يواجه تحديات أخلاقية، إلى الدعم الحماسي في حزبه. كما أنه يحرض على معارضة شاملة للنظام القائم على الهيمنة، ما منحه تأييداً غير مسبوق من الأشخاص الذين صوتوا لمصلحته في عام 2020.
ويستطيع بايدن الرهان على سلسلة نادرة من الانتصارات التشريعية في ولايته الأولى، شملت حزمة تحفيز فيدرالية ضخمة، ومشروع قانون بنية تحتية رائداً، وإصلاحاً متواضعاً لكنه تاريخي، لقوانين حيازة الأسلحة، وتشريعات خاصة بتغير المناخ، وتعزيز صناعة الرقائق الدقيقة في الولايات المتحدة.
لهذا تركز هجمات الجمهوريين ضد بايدن على مسألتين: الارتفاع المفاجئ في عدد المهاجرين القادمين إلى الحدود الجنوبية، ومعدل التضخم المرتفع في البلاد. لكن هاتين المشكلتين أصبحتا أقل حدة في الأشهر الأخيرة.
وتبقى المشكلة الأهم التي لا يستطيع بايدن فعل أي شيء حيالها، هي أن الناخبين الأمريكيين قلقون بشأن إعادة انتخاب شخص يبلغ من العمر 86 عاماً في نهاية ولايته الثانية. (وسوف يبلغ ترمب نفسه 82 في نهاية تلك الفترة). في المقابل يعتبر الكثير من الناخبين أن مشكلة ترامب أيضاً لا حل لها، فهو غير لائق سلوكياً للمنصب، مهما كانت سنه.
وفي حال اقتصرت المنافسة على الرئيس الحالي، وسلفه، فلا بد أن يصوت الناخبون على رئيس لا يرقى إلى مستويات طموحاتهم.