قبل قرابة اثنين وسبعين ساعة من انطلاق عملية التصويت في الانتخابات الرئاسية التركية في 14 مايو/ أيار، تصاعدت حدة المنافسة والحشد بين المترشحين الأوفر حظاً والأكثر شعبية بالفوز في هذه الانتخابات، وهما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (69 عاماً) الذي تولى السلطة قبل 20 عاماً، وأبرز منافسيه كمال قليجدار أوغلو (74 عاماً) الموظف الحكومي السابق الذي حصل على مقعد في البرلمان عام 2002 ضمن نواب حزب الشعب الجمهوري، الذي أسسه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.
وكشف فريق أوغلو عن خططه وأجندته الخارجية حال فوزه بالانتخابات، والتي تدور حول تجدد دبلوماسي في التعامل مع أوروبا وحلف شمال الأطلسي وسوريا وملف المهاجرين واللاجئين وصفقة المقاتلات الأمريكية إف-35.
أما المرشح الثالث الذي مازال موجوداً في سباق الرئاسة إلى جانب أردوغان وأوغلو، فهو الأكاديمي السابق مؤسس مركز توركسام للأبحاث سنان أوغان (55 عاماً) فليس لديه فرصة تذكر في الفوز. وكان قد دخل البرلمان عام 2011 نائباً لحزب الحركة القومية اليميني، وحاول الوصول إلى زعامة الحزب عام 2015، لكنه لم ينجح في ذلك.
وانحصرت المنافسة بين المرشحين الثلاثة السالف ذكرهم بعد انسحاب زعيم حزب الوطن محرم إنجه (58 عاماً)، مدرس الفيزياء ومدير المدرسة السابق، الذي لم تكن لديه سوى فرصة ضئيلة في الفوز بالرئاسة، وقد لمع نجمه خلال 16 عاماً له في البرلمان بسبب تعليقات تتحدى أردوغان، كما خاض انتخابات الرئاسة عام 2018 عندما كان المرشح الأول للمعارضة، وحصل على 30.6% من الأصوات، مقابل 52.6% لأردوغان.
- الليرة والتضخم والزلزال
أظهر استطلاع أجرته شركة كوندا للأبحاث والاستشارات، التي تحظى بمتابعة دقيقة، الخميس أن الرئيس التركي أردوغان يتخلف عن منافسه الرئيسي كمال قليجدار أوغلو بأكثر من خمس نقاط مئوية قبل الانتخابات الرئاسية التي تجرى الأحد.
وبحسب استطلاع الرأي، بلغت نسبة تأييد أردوغان 43.7 في المئة مقابل 49.3 في المئة لقليجدار أوغلو، مما يعني أن الرئيس التركي يفتقر إلى الأغلبية المطلوبة للفوز في الجولة الأولى، ويشير إلى أن الانتخابات ستشهد جولة إعادة بين الاثنين في 28 مايو/ أيار.
وتعزز النتائج الانطباع بأن أردوغان يواجه في الانتخابات المرتقبة أكبر تحدٍّ في فترة حكمه التي استمرت عقدين. وتتفق إلى حد كبير مع بعض استطلاعات الرأي الأخرى التي أشارت إلى تقدم قليجدار أوغلو، مرشح المعارضة الرئيسي.
وتعقدت مهمة أردوغان بسبب أزمة تكاليف المعيشة التي نجمت عن تراجع الليرة وارتفاع التضخم والزلزال المدمر في فبراير/ شباط الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في تركيا وترك الملايين بلا مأوى «بحسب رويترز».
وقدّر الاستطلاع الذي أُجري في السادس والسابع من مايو/ أيار أن نسبة التأييد للمرشحين الآخرين بلغت 4.8 في المئة لسنان أوغان و 2.2 في المئة لمحرم إنجه (المنسحب). وقالت كوندا إن غالبية ناخبيهما يميلون إلى التصويت لصالح قليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي في جولة ثانية.
كما أظهر استطلاع أجرته شركة متروبول أن الانتخابات ستشهد جولة ثانية، ولفت إلى أن قليجدار أوغلو سيحصل على 49.1 في المئة وأردوغان 46.9 في المئة. وفي جولة الإعادة، أظهر استطلاع الرأي فوز قليجدار أوغلو بنسبة 51.3 في المئة.
وبالنسبة للانتخابات البرلمانية أظهر استطلاع كوندا أن نسبة تأييد تحالف أردوغان الحاكم ستبلغ 44 في المئة مقابل 39.9 في المئة لتحالف المعارضة الرئيسي.
ومن المتوقع أن يلعب حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، والذي يدعم قليجدار أوغلو، دوراً في هذه الانتخابات حسبما ذكرت «رويترز».
أجندة المعارضة حال الفوز
وفي سياق متصل وعدت المعارضة التركية بقيادة كمال كيليتشدار أوغلو في حال فوزها في الانتخابات الأحد بالعودة إلى دبلوماسية هادئة مع أوروبا وحلفائها الغربيين وإعادة العلاقات مع سوريا المجاورة، وذلك حسبما ذكر أحمد اونال تشفيكوز المستشار الخاص لأوغلو لوكالة «فرانس برس»، التي أضافت أن تركيا، القوة الإقليمية التي تعدّ 85 مليون نسمة والعضو في حلف شمال الأطلسي الذي تتولى حماية ضفته الشرقية، والواقعة استراتيجياً بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، ابتعدت تدريجياً عن روابطها بالغرب في ظل رئاسة أردوغان.
وقد أعلن مرشح المعارضة كأولوية حزبه «حزب الشعب الجمهوري» والتحالف الذي يدعمه، باستئناف عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، والمجمدة منذ نحو 15 عاماً بسبب تردد بعض الدول الأوروبية.
ويرغب تشفيكوز في الحفاظ على الاتفاق المبرم مع الاتحاد الأوروبي عام 2016 والذي ينص على أن تبقي تركيا المهاجرين، معظمهم من السوريين، على أراضيها مقابل ستة مليارات يورو، قائلاً: «يجب تنشيط هذا الاتفاق وحتى إعادة النظر به لتعزيز فاعليته».
وتابع: «المشكلة تتعلق بأوروبا بقدر ما تتعلق بتركيا، وهي بلد يقصده المهاجرون ويعبرون من خلاله. لكن الاتحاد الأوروبي ليس لديه سياسة هجرة».
إف 35 وحلف الناتو
وشدد على أن «الأمر الأكثر أهمية هو أن يطور سياسة هجرة وأن ينسق الاستراتيجيات الوطنية للدول الأعضاء فيه».
وتستقبل تركيا نحو خمسة ملايين لاجئ بينهم 3.7 مليون سوري على الأقل وقد وعد حزب الشعب الجمهوري بإعادتهم في غضون عامين «على أساس طوعي وبكرامة».
وأشار تشفيكوز إلى أن المعارضة تعتزم أن تلعب دوراً كاملاً داخل حلف شمال الأطلسي الذي تنتمي إليه تركيا منذ 70 عاماً، موضحاً أن الدفاع التركي تعزز كثيراً من خلال العضوية في حلف الأطلسي، الذي يعلق عليه أهمية كبرى خصوصاً بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، مندداً بقيام أردوغان بشراء نظام الدفاع المضاد للصواريخ الروسي أس-400 معتبراً أنه «خطأ».
وأضاف: «لقد كلفنا غالياً واستبعدنا عن برنامج المقاتلات الأمريكية إف-35 الذي تأمل تركيا في الانضمام إليه مجدداً».
وأكد أهمية الحفاظ على توازن بين حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي وجارتها روسيا المطلة مثل تركيا على البحر الأسود.
وقال: «سيحل زمن السلام وسيكون من الضروري إعادة التعامل بشكل سلمي وبناء مع روسيا من أجل مستقبل الأمن في أوروبا»، مؤكداً أنه يشاطر بذلك رأي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.
الحوار مع سوريا
وتحدث تشفيكوز عن الأولوية الأخرى لمنافس أردوغان وهي إعادة الحوار مع سوريا في أسرع وقت ممكن، بعد أن قطعت العلاقات بين أنقرة ودمشق منذ بدء الحرب في 2011. لافتاً إلى أن حزب أوغلو يريد استئناف حوار غير مشروط مع سوريا.
وختم حديثه قائلاً: «العودة الموعودة لسيادة القانون والفصل بين السلطات سيغيران على الفور صورة تركيا التي ستصبح مجدداً شريكاً فعلياً».