قطعت مئات الشركات متعددة الجنسيات العلاقات مع روسيا مع اشتداد هجومها العسكري على أوكرانيا، مما عزز آثار العقوبات الاقتصادية الغربية وأعاد توجيه عملياتها لخدمة اللاجئين الأوكرانيين اليائسين.لكن بالنسبة لعشرات الشركات التي لا تزال في روسيا، تزداد صعوبة المغادرة، وفقاً للخبراء.وعبر المستهلكون عن رفضهم للشركات التي لا تزال تواصل العمل في روسيا، وتعهدوا بالمقاطعة على وسائل التواصل الاجتماعي. لكن الخبراء يرون أن الشركات المتبقية فوتت فرصتها للنجاة باسمها من هذه الأزمة الأخلاقية، إذ لم يعد يجدي خروجها الآن، بما أنها فضلت الأرباح على الموقف الإنساني.
ويطابق موقف الخبراء، مقولة الأديب القبرصي الشهير، ومؤلف “الكوميديا الإلهية”، دانتي إليغري: “أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة”، كوصف موجز لسياسات الشركات تجاه أصولها في روسيا.من جانبه، قال أستاذ الإدارة في كلية ميندوزا للأعمال بجامعة نوتردام، جيمس أورورك: “أود أن أقول لأي مسؤول تنفيذي في الشركات، عليك أن تفعل ما تعتقد أنه صائب. في النهاية، ليس لديك سيطرة على ما سيفعله الرئيس فلاديمير بوتين أو الحكومة المركزية، ولكن إذا كنت ترغب في الاستمرار في ممارسة الأعمال التجارية في بقية العالم الحر، فعليك الانتباه إلى ما يفكرون به [بقية العالم الحر]”، وفقاً لما ذكرته “واشنطن بوست”، واطلعت عليه “العربية.نت”.وأضاف: “قد تكون هذه إحدى اللحظات في التاريخ التي يكون فيها سحب الاستثمار الاستباقي هو الخيار الأفضل. أنت مستثمر هناك الآن وتأمل في أن تظل هذه دولة مستقرة بحيث يمكن التنبؤ بمستقبل الأعمال، ولكن ما سأقوله لأي شخص لا يزال يمارس الأعمال التجارية في روسيا في الوقت الحالي هو أن الأمر صعب حقاً. إذا لم تتمكن من نقل الأموال من وإلى روسيا بعملة قابلة للتحويل، فما الفائدة من التواجد هناك؟”.ووفقاً لبحث أجراه الأستاذ في جامعة ييل، جيفري سونينفيلد، وفريقه البحثي، فإن ما يقرب من 35 شركة لم تصدر أي بيان عام يشير إلى أي نية لمغادرة البلاد. وحتى أولئك الذين التزموا بالمغادرة لديهم روابط جزئية مع روسيا سيكون من الصعب قطعها.يؤكد منتجو المواد الغذائية، مثل بيبسيكو وMondelez المنتجة لمنتج البسكويت الشهير أوريو، أنهم لا يريدون حجب المواد الغذائية والمشروبات الأساسية عن المواطنين الروس. فيما قال غولدمان ساكس، وجي بي مورغان، ودويتشه بنك، إنهم يريدون إنهاء العمليات، لكنهم ملزمون بعلاقات معقدة مع العملاء.فيما كان آخرون مثل برغر كنغ وماريوت مقيدين باتفاقيات قانونية معقدة ويكافحون من أجل التوفيق بين نظامين قانونيين متضاربين.ويرى الخبراء أن الشركات الصناعية تواجه آفاقاً مخيفة إذا انسحبت من روسيا، خاصة بعد أن هدد الكرملين بتأميم أصول الشركات التي تغادر البلاد بسبب هجومها على أوكرانيا.
برغر كينغ
فيما يواجه مصنعو السلع الاستهلاكية تحدياً أكثر حدة، فحتى بعد إغلاقهم المصانع، قد يستمر تجار التجزئة في بيع بضاعتهم، ما يترك تلك الشركات مفتوحة أمام استمرار الإضرار بسمعتها مع خسارة الأرباح والمخاطرة بأصولها عالية السعر.يأتي ذلك، فيما أعلنت شركة هيونداي الكورية لصناعة السيارات يوم الجمعة، أنها علقت عملياتها في مصنعها في سان بطرسبرغ، لكن المبيعات قد تستمر لدى الوكلاء المستقلين في روسيا.بدورها، قالت شركة إل جي إلكترونيكس LG Electronics في بيان: “إنها تشعر بقلق بالغ على صحة وسلامة جميع الأشخاص الذين يعانون خلال فترة الصراع هذه”، لكنها لم تذكر ما إذا كانت الشركة ستغير ممارساتها التجارية في روسيا.وقال سونينفيلد إنه يمثل وضعاً مشابهاً لمطاعم الوجبات السريعة، والتي غالباً ما يديرها أصحاب الامتياز.ويرى الخبراء أن الافتقار إلى السيطرة يوفر حافزاً أكبر للشركات لقطع العلاقات مع روسيا. كما تشكل تهديدات بوتين تجاه الشركات حجة قوية مفادها أن المديرين التنفيذيين لا يمكنهم الوثوق في الكرملين لدعم الاقتصاد الروسي أو لحماية حقوق الملكية الخاصة.يأتي ذلك، فيما أعلنت العديد من البنوك الكبرى عن خطط لسحب أعمالها في روسيا، مستشهدة بأولويات الاستثمار والواجب الأخلاقي. لكن الخبراء يقولون إن مسؤوليتهم الائتمانية تجاه العملاء قد تمنعهم من قطع العلاقات تماماً، ولم يقدم أي منهم تاريخاً محدداً للمغادرة.وصرح متحدث باسم دويتشه بنك لصحيفة واشنطن بوست يوم الجمعة، أنه “في طور إنهاء” أعماله المتبقية في روسيا بينما يساعد العملاء الدوليين على تقليل استثماراتهم في البلاد. كما أكد المتحدث: “أنه لن يكون هناك أي عمل تجاري جديد في روسيا”.وعلى الرغم من تعهد بنك غولدمان ساكس بإنهاء أعماله في روسيا، إلا أن بيانه الذي أعلن عن الانسحاب ترك الباب مفتوحاً أمام احتمال أن يختار بعض العملاء “إدارة” التزاماتهم الموجودة مسبقاً هناك بدلاً من إغلاقها.
جي بي مورغان
وقالت متحدثة باسم غولدمان ساكس: “نحن نركز على دعم عملائنا في جميع أنحاء العالم في إدارة أو إنهاء الالتزامات الموجودة مسبقاً في السوق [الروسية] وضمان رفاهية شعبنا”.بدوره، قال متحدث باسم جي بي مورغان إن البنك يعمل بنشاط على تفكيك أعماله في روسيا وعدم متابعة أي أعمال جديدة هناك، لكنه يظل منخرطا في مساعدة العملاء على “معالجة الالتزامات الموجودة مسبقاً وإنهائها” وإدارة المخاطر المتعلقة بروسيا و”العمل كوصي” للعملاء الذين لديهم أعمال هناك.من جانبه، صادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس، على خطة لتأميم الشركات المملوكة لأجانب والتي تركت بسبب الغزو.ونفت شركتي Subway وبرغر كينغ، امتلاكهما فعلياً لأي من متاجرهما الروسية، التي يملكها ويديرها أصحاب الامتياز المحليون.وتعهدت PepsiCo وMondelez بالتوقف عن صنع وتوزيع بعض العناصر الكمالية في روسيا، بما في ذلك المشروبات الغازية والبسكويت والحلوى.
ماكدونالز
وفي رسالة إلى موظفي PepsiCo، كتب الرئيس التنفيذي، رامون لاغوارتا، أن “الحرب تعني أنه يجب أن نبقى صادقين مع الجانب الإنساني لأعمالنا”، مشيراً إلى أن وقف عمليات الشركة لبعض العناصر مثل أغذية الأطفال والحليب ومنتجات الألبان من شأنه أن يخلق صعوبات لا داعي لها للروس العاديين.كما قال الرئيس التنفيذي لشركة مونديليز، ديرك فان دي بوت، إن شركته ستساعد في “الحفاظ على استمرارية الإمدادات الغذائية خلال الأوقات الصعبة المقبلة”. إذ تصنع الشركة أيضاً قطرات السعال ومجموعة من المخبوزات.وقوبلت التصريحات إلى حد كبير بالموافقة على وسائل التواصل الاجتماعي، وقال بعض الخبراء إن المواقف كانت أرضية وسطى مستقرة: فهي يمكن أن تحمي العلامات التجارية من رد فعل المستهلك، وتمنع الروس العاديين من المعاناة من عواقب الحرب وحماية العمال الروس من فقدان الأجور.وقال أورورك: “في الوقت الحالي، يبدو هذا نبيلاً.. إذا كانوا يريدون الظهور بمظهر النبلاء بالكامل، فيمكنهم التبرع بالأرباح الزائدة من خطوط الأعمال هذه للقضايا الإنسانية في أوكرانيا”.لكن هذه المواقف تخاطر أيضاً بإضعاف فعالية العقوبات الغربية، التي تهدف إلى عزل موسكو وجعل الجمهور الروسي يشعر بآثار الغزو. وقال سونينفيلد إن الهدف هو خلق فوضى مالية كافية في روسيا تجعل الجمهور يحاسب زعماء الأمة.