د. أميرة محمد عبدالحليم *
ربما يمثل الاتفاق على هدنة جديدة لمدة أسبوع والذي وقعه طرفا الصراع في السودان في جدة يوم السبت 20 مايو/أيار برعاية سعودية- أمريكية بداية حقيقية لتسوية الصراع الذي بدأ في 15 إبريل/نيسان 2023، وعصف في طريقه بالكثير من عوامل الاستقرار في السودان، في ظل تحول العاصمة الخرطوم إلى ساحة للمعارك والعمليات العسكرية بين الجيش الوطني وقوات الدعم السريع واستخدام كل منهما للأسلحة الثقيلة لتدمير ما يمتلكه الطرف الآخر.
إن مدى الأسلحة الثقيلة المستخدمة في الصراع تجاوز الأهداف في كل عملياتها ووصل إلى تدمير مؤسسات وممتلكات عامة وخاصة وتسبب بقتل الأبرياء ما أجبر الكثير من سكان العاصمة ومحيطها على الفرار من منازلهم خوفاً من المعارك وما صاحبها من نقص حاد في السلع وارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية، ونقص الخدمات الصحية والتعليمية والمصرفية.
ووفقاً للبيان المشترك الصادر عن كل من الرياض وواشنطن، فإن طرفي الصراع، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وقعا على اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة 7 أيام، يبدأ الاثنين 22 مايو/أيار، ويتضمن الاتفاق بجانب وقف إطلاق النار، الاستمرار في تنفيذ الالتزامات الإنسانية، كما أشار البيان السعودي- الأمريكي إلى أن وقف إطلاق النار «يمكن تمديده بموافقة الطرفين». وأن طرفي الصراع اتفقا أيضاً على «إيصال وتوزيع المساعدات الإنسانية، واستعادة الخدمات الأساسية، وسحب القوات من المستشفيات والمرافق العامة الأساسية».
وضع كارثي
يبدو أن طرفي الصراع لم يدركا حتى الآن الوضع الكارثي الذي أصبح عليه السودان بعد اندلاع المواجهات المسلحة بينهما أو ربما يعتبران أن ما يحدث من مواجهات مسلحة هو عملية تصحيحية تستلزم تقديم التضحيات من الشعب السوداني الذي يدفع فاتورة هذا الصراع؛ حيث يصّر الطرفان على الحسم العسكري للمعارك، ويطلق كل طرف على الطرف الآخر مسميات مختلفة، فيطلق الفريق عبدالفتاح البرهان، على قوات الدعم السريع بأنها «قوات تمرد»، في حين يشير الفريق محمد حمدان دقلو، على عمليات الجيش أنها «انقلاب للجيش»، وسط خروق متتالية للهدنة يتهم كل طرف الطرف الآخر بخرقها؛ حيث تستمر آلة الحرب في العمل، وهذا الوضع لا يقتصر فقط على العاصمة ومحيطها؛ بل وصلت آثار الأزمة إلى جميع ولايات ومدن السودان؛ حيث استقبلت العديد من المدن السكان الفارين من الصراع، في الوقت الذي يطرح الصراع في البلاد آثاره المتعددة (الاقتصادية والأمنية والسياسية) على مختلف أنحاء الدولة، ما يثير تساؤلات حول آفاق تسوية الصراع في السودان وما تتضمنه من أدوار محتملة لقوى خارجية مختلفة، ومدى قدرة السياسيين أو القوى المدنية وغيرها من مكونات المجتمع السوداني على الدفع بالتسوية وتحقيق السلام في البلاد.
احتمالات التدخل الخارجي
مع استمرار المعارك بين طرفي الصراع يظل مستقبل الاستقرار في السودان مجهولاً؛ حيث يخشى الكثيرون من أن تواصل خرق طرفي الصراع لاتفاقيات وقف إطلاق النار أو الهدنة الإنسانية، سيدفع في اتجاه التدخل الدولي أو الإقليمي لوقف إطلاق النار، خاصة في ظل التداعيات الإنسانية للصراع من ناحية، والتأثيرات السلبية في الدول المجاورة للسودان التي لا تخلو من الأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية؛ حيث يتوقع البعض أن يؤدى استمرار المعارك إلى نشر مراقبين دوليين، بدعم من قوات حفظ السلام تابعة للأمم المتحدة، كما يمكن لقوات إفريقية تابعة لمجلس السلم والأمن التدخل لمنع تفاقم الصراع بعد موافقة الأمم المتحدة، واستخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. فقد نص اتفاق الهدنة الجديد الموقع في جدة بين طرفي الصراع في السودان على مراقبة الهدنة عبر آلية مشتركة بين طرفي الصراع والوسطاء، إضافة إلى الصليب الأحمر الدولي؛ حيث تأتي هذه الخطوة لتشير إلى رعاية القادة الإقليميين والمجتمع الدولي لاتفاق الهدنة، والانتقال إلى تبني خطوات جدية أكبر لحماية المدنيين والحد من انتشار العنف، عبر التدخل الإنساني أو لحفظ السلام في السودان.
إلا أن الاتجاه إلى التدخل الدولي أو الإقليمي سوف ينقل السودان إلى مرحلة جديدة من الأزمة؛ حيث لا تنجح التدخلات في كثير من الأحيان في وقف الاقتتال أو استعادة الاستقرار؛ بل تستخدمها بعض أطراف الصراع أو أطراف أخرى كذريعة لاستقطاب تعزيزات من قوى إقليمية أو مرتزقة أو ميليشيات مسلحة؛ بل إن الخطورة الأكبر في استغلال تنظيمات الجريمة المنظمة والتنظيمات الإرهابية لوجود قوات أجنبية في البلاد، في تحقيق بعض أهدافها واستهداف هذه القوات، أو الدخول على خط الأزمة لمساندة أطراف داخلية على حساب أطراف أخرى بما يفاقم من تداعيات الصراع، وتزخر القارة الإفريقية بتجارب التدخل الخارجي في الصراعات، التي لم تسفر إلا عن مزيد من الأزمات.
أدوار مرتقبة للقوى المدنية
وعلى الجانب الآخر، لا تزال القوى المدنية السودانية تنتظر انتهاء المعارك وعودة الاستقرار، لاستكمال طموحات الثورة وترتيبات المرحلة الانتقالية، والوصول إلى حكم مدني في البلاد، تشارك فيه كافة مكونات الشعب السوداني دون إقصاء، إلا أن تحقيق هذه الآمال على الأرض يبدو بعيدا، في ظل الصراع الراهن، ومع تصاعد المخاوف من اتجاه فلول نظام البشير وعناصر «الإخوان المسلمين» لإذكاء نار الصراع وإثارة الفتنة بين الجيش الوطني وقوات الدعم السريع؛ حيث لم تتوقف محاولات هذا الفصيل في تخريب عملية الانتقال الديمقراطي في السودان ومنع تحقيق الشعب السوداني لطموحاته.
وللعودة إلى مسار العملية السياسية يتطلب الأمر مزيداً من الدعم الإقليمي والدولي لطموحات الشعب السوداني، بمشاركة مكونات القوى المدنية في كافة خطوات تسوية الصراع في السودان مع إلحاق بعض الأدوار بهذه القوى، للتأكيد على أنها طرف رئيسي في الحكم في السودان، كما أنها الأجدر على فهم التفاعلات بين كافة مكونات الشعب السوداني وطوائفه المختلفة، كما يمكن للقوى المدنية المشاركة في تقريب وجهات النظر بين طرفي الصراع بما يسمح بتسوية الصراع عبر مسار الوسطاء الدوليين والإقليميين وبعيداً عن التدخلات الخارجية التي لا يحمد عقباها.