د. أيمن سمير
وجه جديد للحزب الجمهوري، يراهن عليه المستقلون وحزب «الكنبة» والكتلة المتأرجحة، بأن يكون الحل «للثنائية الحادة» و«الاستقطاب غير المسبوق» الذي كان عنوانه «بايدن – ترامب» طوال السنوات الماضية، هو جمهوري بامتياز، لكنه يختلف عن الرئيس السابق دونالد ترامب في استخدام لغة ومنهج غير تصادمي سواء مع المختلفين معه في الحزب الجمهوري أو تجاه الغريم السياسي التقليدي؛ وهو الحزب الديمقراطي، يحتاج إلى خبرة في العلاقات الدولية والشؤون الخارجية، لكنه يستطيع أن يعوضهما باختيار نائب للرئيس تكون له خبرة في الملفات الخارجية أو أن يقوم هو نفسه بسلسلة من الزيارات الخارجية قبل 20 يناير/ كانون الثاني 2025 موعد دخول الرئيس الجديد للبيت الأبيض.
إنه نجم الجمهوريين الجديد الذي نجح لأول مرة منذ 40 عاماً في تحويل ولاية فلوريدا من ولاية متأرجحة إلى «ولاية حمراء» بامتياز عندما قاد الموجة الحمراء في انتخابات التجديد النصفية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بعد أن نجح ليس فقط في الفوز بمنصب حاكم ولاية فلوريدا بفارق يزيد على 1.3 مليون صوت على منافسه الديمقراطي؛ بل كان السبب الوحيد في انتزاع الجمهوريين ل4 مقاعد جديدة في مجلس نواب الولاية.
إنه رونالد ديون ديسانتيس التي يطلق عليه «رون دي سانتس» حاكم ولاية فلوريدا، والمرشح المحتمل عن الحزب الجمهوري الأمريكي للانتخابات الرئاسية عام 2024، و الذي يتميز في وجهة نظر الكثير من الأمريكيين بمزايا كثيرة على كل من بايدن وترامب، فهو لم يتجاوز حتى الآن 50 عاماً؛ حيث إنه من مواليد عام 1978، وبهذا يشكل خروجاً من الأزمة التي تعانيها النخبة السياسية الأمريكية الحالية من سيطرة القيادات التي تجاوزت سن السبعين عاماً، والحديث هنا ليس فقط عن بايدن وترامب؛ بل عن باقي من يتصدرون المشهد السياسي، فهم الأكبر في السن مثل السيناتور ميتش ماكنويل زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، والسيناتور كيفن مكارثي زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب، ناهيك عن قيادات حزبية أخرى أمثال نانسي بيلوسي وبيرني ساندرز، كما أن رون دي سانتوس أصغر سناً من جميع المرشحين الجمهوريين المحتملين بداية من دونالد ترامب ومايك بنس مروراً بمايك بومبيو، ووصولاً إلى نيكي هايلي التي تكبره ب5 سنوات كاملة؛ حيث إنها من مواليد عام 1972، لكن يعيب دي سانتوس أنه لم يتول مناصب كبيرة على المستوى الوطني، فعلى الرغم من أنه حاصل على الدكتوراه في القانون من جامعة هارفارد المرموقة، وخدم رائداً في البحرية الأمريكية، وعمل لفترة قاضياً، فإن كل خبرته كانت فقط في ولاية فلوريدا التي تعد من الولايات الكبري في المجمع الانتخابي ب29 صوتاً، فهو حصل على كل خبرته من العضوية في مجلس نواب الولاية لمدة 5 سنوات من 2013 وحتى 2018، لكن سبب شهرته على المستوى الوطني هو نجاحه في هزيمة شخصية ديمقراطية شهيرة هو اندرو جيليوم عندما تنافسا معاً على منصب حاكم ولاية فلوريدا عام 2018.
سوف تشكل الانتخابات التمهيدية في الحزب الجمهوري التحدي الأول والأكبر لرون دي سانتوس، فهناك شعور عام في الحزب الجمهوري بأن ترشح أي شخص بعيداً عن ترامب والذين شاركوه الولاية الأولى من يناير 2017 حتى يناير 2021 يمكن أن يشكل فرصة مهمة لفوز الجمهوريين بانتخابات نوفمبر 2024، لكن المشكلة التي تواجهه دي سانتوس أنه حتى الآن لا يزال في المرتبة الثانية في مجموع تفضيلات أعضاء الحزب الجمهوري بعد الرئيس السابق دونالد ترامب وفق جميع استطلاعات الرأي، وعلى الرغم من أنه حتى اليوم لم يترشح رسمياً عن الحزب فإن المقربين منه والمتحمسين له يعتقدون أن ترامب يمكن أن يتعرض لنكسة سياسية أو قانونية، بسبب مشاكله التي لا تنتهي مع القضاء، وباستثناء ترامب يحظى دي سانتوس بتأييد أكبر من كل المرشحين الجمهوريين المحتملين أمثال نائب الرئيس السابق مايك بنس، ووزير الخارجية الأسبق مايك بومبيو، وحاكمة ساوث كارولينا السابقة نيكي هايلي.
يرد رون دي سانتوس على من يتهمونه بعدم الخبرة الدولية بأنه شارك في حرب العراق، وحصل على ميدالية الخدمة في العراق إضافة إلي ميدالية خدمة الدفاع الوطني، كما بدأ في برنامج زيارات خارجية افتتحها بجوله قادته إلى 4 دول؛ هي: اليابان وكوريا الجنوبية وبريطانيا وإسرائيل، كما أنه يريد أن يبلور رؤية خارجية تختلف عن رؤية ترامب، تقوم على دعم الشركاء والحلفاء الدوليين للولايات المتحدة الأمريكية، فعندما زار اليابان شدد على أهمية الخطوات اليابانية الجديدة في شراء السلاح الأمريكي، وتعزيز الدفاعات اليابانية بميزانية عسكرية قياسية، وهو أمر يختلف به عن الرئيس ترامب الذي طالب ذات يوم كلاً من اليابان وكوريا الجنوبية بدفع مزيد من الأموال للولايات المتحدة نظير وجود 36 ألف جندي أمريكي في اليابان، ونحو 30 ألف جندي في كوريا الجنوبية، كما سعى ترامب لنفس السبب إلى سحب 9500 جندي أمريكي من ألمانيا عام 2019.
يحاول الديمقراطيون تصوير دي سانتوس على أنه «نسخة من ترامب»، لكن زيارة واحدة لولاية فلوريدا تكشف لك أن هناك فارقاً في الرؤية والشخصية بين الرجلين، دي سانتوس يؤمن بثلاثية «الأسرة والإيمان والاقتصاد»، وهي مقاربة يتفق عليها معظم الجمهوريين، كما أن دي سانتوس صاغ مقاربة وقت جائحة كورنا كانت ناجحة بامتياز تقوم على تعزيز الحريات الشخصية في القرارات الخاصة بالجائحة، فلم يتخذ قرارات بالإغلاق التام، لكنه استفاد من كل إمكانات الولاية والحكومة الفيدرالية، للتغلب على الجائحة، لهذا كان اقتصاد ولاية فلوريدا من أقل الولايات تأثراً بجائحة «كورونا»، ومن منطلق كل ذلك يمكن القول إنه في الوقت التي ساهمت الجائحة في خسارة ترامب لانتخابات 2020 إلا أنها عززت حضور وزخم رون دي سانتوس في فلوريدا، وعلى المستوى الوطني.
لو نجح دي سانتوس في التغلب على ترامب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، يمكن أن يستفيد من الأخطاء الكثيرة التي وقع فيها الديمقراطيون، ومن أبرزها التضخم الشديد، والتباطؤ الاقتصادي وعدم السيطرة على السلاح الشخصي وقضية الهجرة والحدود الأمريكية المكسيكية، كما يمكن لرون دي سانتوس أن يستفيد من الإنفاق المفرط للديمقراطيين في الميزانية والذي يعطل الاتفاق حتى الآن على سقف الديون بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وكلها عوامل سوف تساعده في مواجهة الرئيس جو بايدن في انتحابات 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.