د أيمن سمير
يستعد الحزبان الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة لصيف ساخن ليس فقط بسبب الخلافات حول سقف الديون، وطريقة التعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية، وكيفية تجنب مزيد من التضخم والركود الاقتصادي؛ بل بسبب قضية كانت على الدوام مصدراً للخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين؛ وهي أزمة اللاجئين غير القانونيين على الحدود الأمريكية المكسيكية، وسبب هذه التخوفات يعود إلى إلغاء المادة «42» الشهر الماضي، التي منعت نحو 2.5 مليون لاجئ غير قانوني من دخول الولايات المتحدة في الفترة من 20 مارس/ آذار 2020 حتى 22 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عندما مددت المحكمة العليا الأمريكية العمل بهذه المادة حتى 11 مايو/ أيار 2023، وهو نفس اليوم الذي تم إنهاء حالة الطوارئ التي صاحبت جائحة «كورونا».
على الرغم من تهديد 19 ولاية أمريكية يحكمها جمهوريون باتخاذ إجراءات خاصة بولاياتهم، لمنع تدفق المهاجرين على الحدود المكسيكية الأمريكية، فإن إلغاء المادة (42) لا يترك خياراً أمام حكام هذه الولايات لكسر القانون الأمريكي الذي يسمح في الظروف العادية للاجئ غير القانوني بتقديم طلب اللجوء لسلطات الجمارك والحدود فور عبوره للأراضي الأمريكية، ويتعين على الحكومة الأمريكية وقتها فحص طلبه، ومساعدته على المعيشة حتى يتم البت في تلك الطلبات التي قد يستغرق البث فيها سنوات طويلة، ويعيش في الولايات المتحدة أكثر من 11 مليوناً قدموا إلى الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية من دون أن يتم البت في طلاباتهم حتى اليوم، ووعد الرئيس الأمريكي جو بايدن في برنامجه الانتخابي لعام 2020 أن يمنحهم الجنسية الأمريكية، وفق مسار واضح وسهل، لكن حتى الآن لم يتحقق هذا الوعد.
هذه الحالة على الحدود المكسيكية الأمريكية والتي يصل طولها إلى 3145 كلم، أثارت الخلافات ليس فقط بين الجمهوريين والديمقراطيين؛ بل داخل الديمقراطيين أنفسهم بين «الكتلة الليبرالية التقدمية» التي تريد التسامح أكثر مع الهجرة غير الشرعية، وباقي قيادات وأجنحة الحزب التي تخشى من خسارة الولايات الجنوبية في انتخابات 2024، وهي الولايات الأكثر تضرراً من ظاهرة الهجرة غير الشرعية من الحدود المكسيكية الأمريكية، خاصة في ظل عودة الحديث عن استكمال الجدار الفاصل بين أمريكا والمكسيك، وهو الجدار الذي أقامه الرئيس السابق دونالد ترامب، فما خيارات الرئيس بايدن والحزب الديمقراطي للتعامل مع هذه الأزمة؟ وكيف يخطط الجمهوريون للاستفادة والترويج بأن مقاربتهم للتعامل مع الهجرة غير الشرعية عبر الحدود المكسيكية هي الصحيحة؟
ما المادة «42»؟
على الرغم من أن الولايات المتحدة، دولة تعتمد على المهاجرين، وعلى الرغم من اتفاق الحزبين الجمهوري والديمقراطي على أهمية الهجرة للاقتصاد الأمريكي، وكبح التضخم من خلال توفير العمالة، وتخفيض الأجور، فإن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، اتخذ قراراً هو الأول في العقدين الماضيين، وهي المادة (42) التي أصدرها في 20 مارس/ آذار 2020، وكان يفترض أن تنتهي في مارس 2022 إلا أنه جرى تمديدها عن طريق المحكمة العليا حتى 11مارس 2023 بالتزامن مع الإعلان عن نهاية جائحة «كورونا»؛ حيث تشير التوقعات إلى أن ما بين 900 ألف و1.1 مليون شخص قد يتوجهون للحدود المكسيكية الأمريكية عقب نهاية العمل بالمادة «42».
وتنص هذه المادة بصراحة على طرد أي مهاجر غير قانوني يأتي إلى الحدود الأمريكية من الجانب المكسيكي، واعتمدت إدارة الرئيس ترامب في تمرير هذه المادة على أن المهاجرين القادمين من فنزويلا وهايتي وكوبا وكولومبيا وغيرها من دول أمريكا اللاتينية، قد يحملون معهم مزيداً من الجوائح والأمراض وقت جائحة «كورونا»، وعلى الرغم من أن التقديرات الرسمية تقول إنه تم طرد ورفض أكثر من 2.5 مليون لاجئ غير قانوني حتى ديسمبر/ كانون الأول 2022 إلا أن هناك منظمات حقوقية تنشط على الحدود الأمريكية المكسيكية قالت إنه تم طرد نحو 4.5 مليون لاجئ منذ قرار ترامب في مارس/ آذار 2020 الذي وعد بأن الحكومة الأمريكية سوف تناقش رغبات اللجوء إلى أمريكا على أن يبقى المهاجرون غير الشرعيين في المكسيك.
ومع نهاية العمل بالمادة «42» توقع الآلاف من راغبي الهجرة أن الحدود باتت مفتوحة كما كانت قبل جائحة «كورونا»، لكن الرسالة التي وصلت من الجميع سواء الحكومة الفيدرالية أو حرس الحدود والجمارك أو الجيش الأمريكي الذي أرسل نحو 2500 عنصر للحدود مع المكسيك، هي أن «الحدود غير مفتوحة»، وقامت الولايات التي يحكمها جمهوريون بإرسال عدد كبير من اللاجئين غير القانونيين بالحافلات الضخمة وأحياناً بالطائرات إلى الولايات التي يحكمها ديمقراطيون حتى يشعرونهم بحجم الضغوط الاقتصادية والإدارية التي تقع، خاصة على الولايات الحدودية مثل تكساس ولويزيانا وكالفورنيا.
مقاربة ترامب وبايدن
سعى الرئيس جو بايدن منذ اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني 2021 لحل قضية الحدود المكسيكية الأمريكية، عبر «مقاربة جديدة» تختلف عن مقاربة دونالد ترامب، لأن بايدن كان معارضاً شرساً لبناء الجدار الفاصل مع المكسيك، لكن في نهاية المطاف أبقى الديمقراطيون والرئيس بايدن على الإجراءات والقوانين التي أصدرها دونالد ترامب، بما فيها بعض القضايا والملفات التي أدت إلى فصل الأطفال عن آبائهم عام 2021، وقام الرئيس بايدن بتكليف نائبته كامالا هاريس بأول جولة خارجية لها لزيارة أمريكا الجنوبية والمكسيك في 7 يونيو/ حزيران 2021، والتي شملت المكسيك وغواتيمالا 2021، كما أن زوجته جيل بايدن قامت بزيارة لنفس الهدف استمرت 6 أيام لكل من الإكوادور، وبنما وكوستاريكا؛ بل واضطر الرئيس بايدن نفسه إلى أن يقوم بزيارة لكندا، لسد ثغرة في ملف الهجرة غير الشرعية، وقامت مقاربة بايدن على مجموعة من المحاور؛ هي:
أولاً: خلق شراكات تنموية جديدة مع دول أمريكا اللاتينية مع المساعدة على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لدول أمريكا الجنوبية حتى لا يضطر المواطنون هناك للفرار من بلادهم نحو الحدود الأمريكية، كما بدأت الولايات المتحدة تقديم مساعدات، لتحسين «الوضع الأمني»، والقضاء على تجار المخدرات، لخلق بيئة إيجابية لمواطني هذه الدول، لكن التحدي الذي يواجه إدارة الرئيس بايدن في هذا الملف أن هناك حكومات معادية للولايات المتحدة ينطلق منها آلاف المهاجرين غير الشرعيين، ولا تستطيع الولايات المتحدة التعامل مع هذه الحكومات التي تتعاون أكثر مع روسيا والصين مثل كوبا وفنزويلا.
ثانياً: فتح مكاتب إقليمية للهجرة الشرعية في دول أمريكا اللاتينية؛ بحيث يوجد أمام راغبي الهجرة في هذه الدول خيار آخر؛ وهو التقدم للهجرة من دون أن يذهبوا إلى الحدود المكسيكية الأمريكية التي يموت في الطريق إليها سنوياً المئات، وسوف تسمح مراكز المعالجة للمتقدمين الناجحين بدخول الولايات المتحدة بشكل قانوني، وتحسين فرص حصولهم على المساعدة المطلوبة؛ مثل معالجة إعادة توطين اللاجئين، ولم شمل الأسرة، وتشير توقعات دائرة الهجرة الأمريكية إلى أنه يمكن التعامل مع ما بين 5000 و6000 شخص شهرياً في تلك المكاتب الإقليمية، وبالتزامن مع ذلك بدأت الولايات المتحدة زيادة عدد رحلات الترحيل إلى بعض الدول بضعفين أو ثلاثة أضعاف، وتريد الولايات المتحدة الأمريكية من خلال هذا الأمر توصيل رسالة بأنها ترحب بالمهاجرين الشرعيين، لكنها في ذات الوقت سوف ترحل المهاجرين غير الشرعيين، ولهذا قال وزير الأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس: إن «حدودنا ليست مشرّعة والذين يعبرون حدودنا بشكل غير قانوني ومن دون أساس قانوني ليبقوا على الأراضي الأمريكية، سيتم طردهم»
ثالثاً: سوف توسع الولايات المتحدة البرامج التي تسهل عمليات «لم الشمل» لأسر المهاجرين، والذي يشمل في الوقت الحالي كوبا وهايتي، ليضم دولاً جديدة مثل هندوراس والسلفادور وكولومبيا وغواتيمالا.
رابعاً: تُلوح الولايات المتحدة باستخدام ما يُعرف باسم «المادة 8» التي تنص على ترحيل أي شخص يصل إلى الحدود بشكل غير قانوني، إضافة إلى منعه من العودة إلى الولايات المتحدة لمدة 5 سنوات على الأقل.
خامساً: اتفاق الرئيس بايدن مع رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو على إعادة المهاجرين الذين يحاولون عبور حدود أي من البلدين في اتجاه البلد الآخر، وأن الشرطة وضباط الحدود سيقومان بفرض الاتفاقية، وإعادة عابري الحدود غير الشرعيين إلى أقرب ميناء دخول مع الولايات المتحدة، كما اتفقت واشنطن وأوتاوا على أن تستقبل كندا نحو 150 ألف مهاجر شرعي سنوياً من نصف ا لكرة الغربي، أي من أمريكا اللاتينية والجنوبية.
قضية «الجدار»
ومع احتمالية أن يفوز الرئيس السابق دونالد ترامب بثقة الحزب الجمهوري ومواجهة جو بايدن من جديد في انتخابات 2024 ثارت من جديد قضية «الجدار» خاصة أن ترامب يتفاخر بأن الديمقراطيين لم يغيروا شيئاً من خطواته لتأمين الحدود مع المكسيك ومن بينها الجدار، وعلى الرغم من أن قصة الجدار تعود إلى الجدار الأول الذي حاول أن يستكمله الرئيس جورج بوش الابن عام 2006 واستمر البناء فيه حتى عام 2009، وأنفق عليه نحو 3 مليارات دولار، ويموت سنوياً عليه نحو 500 شخص في محاولات عبور الحدود المكسيكية الأمريكية، فإن استطلاعات الرأي الأخيرة باتت أكثر إيجابية تجاه الجدار من ذي قبل عندما كان دونالد ترامب في الحكم.
خلاصة النقاش الأمريكي حول الهجرة تقول إن الجميع يرحب بالهجرة الشرعية والتوسع فيها، لأنها ضرورية للاقتصاد والشركات الأمريكية، لكن يظل الخلاف حول التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين، فالموقف الجمهوري شديد التحفظ على ترك الحدود مفتوحة أمام المهاجرين، بينما شريحة كبيرة من الديمقراطيين تقول إن الأمريكيين كافة يعدون مهاجرين، ولا بد من تفهم ظروف المهاجرين غير الشرعيين، فالكثير من الأمريكيين جاؤوا بطرق غير شرعية، لكنهم استطاعوا توفيق أوضاعهم بعد ذلك.