الخليج – متابعات
تصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة التصريحات الأوكرانية بشأن انتهاء التحضيرات اللازمة لبدء ما أسمته «الهجوم المضاد» على روسيا، دون أن تحدد كييف موعد بدء هذا الهجوم، وفي المقابل لا يوجد رد روسي مباشر على هذه التصريحات، فيما يبدو أن موسكو تتعامل مع هذه الفترة من الحرب الروسية الأوكرانية بسرية شديدة وتعمل في صمت.
وهناك عدة سيناريوهات للضربة الأوكرانية الأولى المحتملة ل «الهجوم المضاد» وتوقيته، وفي المقابل يقف العديد من العقبات حجر عثرة أمام نجاح الهجوم الأوكراني، ومن أبرزها انخفاض الروح المعنوية لجنود كييف بعد خسارتهم معركة «باخموت»، فضلاً عن أنه يلزم الجنود الأوكرانيين عبور حقول الألغام التي زرعوها بأنفسهم، والتي من الصعب إزالتها. كما أنه في حال نجاح هذا العبور ستستقبلهم التحصينات الروسية المنيعة والمصممة للإيقاع بأي وحدات في فخ نيران المدفعية الروسية.
وقال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في اجتماع لمجلس الأمن الروسي، الجمعة: إن «المتآمرين» يحاولون بشكل متزايد زعزعة استقرار روسيا، ولا بد من الحيلولة دون ذلك. وأضاف: «لا بد أن نبذل كل ما في وسعنا للتأكد من أنهم لن يتمكنوا من ذلك تحت أي ظرف من الظروف».
تطورات ميدانية
وفي أحدث التطورات الميدانية ذكر فياتشيسلاف جلادكوف حاكم منطقة بيلجورود الروسية الأحد أن القوات الأوكرانية قصفت منطقة تسوق في مدينة شيبيكينو التي تبعد سبعة كيلومترات عن الحدود الأوكرانية دون وقوع إصابات.
وأضاف أن القصف تسبب في اندلاع حرائق بالقرب من سوق المدينة ومنطقة خاصة ومخزن للحبوب.
وكتب جلادكوف على تطبيق تيليغرام: «خدمات الطوارئ في الموقع».
من جهته أبدى مسؤول كبير بالحكومة الأوكرانية الأحد اندهاشه و«عدم تصديقه» لما نما إلى علمه عن أن ما يقرب من نصف ملاجئ الحماية من القنابل التي جرى تفقدها خلال معاينة أولية في كييف إما مغلقة أو لا تصلح للاستخدام.
وأمر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمعاينة جميع الملاجئ الأوكرانية الجمعة، وذلك بعد يوم من مقتل طفلة وأمها وامرأة أخرى في كييف بعدما عجزن عن الدخول إلى أحد الملاجئ خلال غارة جوية روسية.
وقال أولكسندر كاميشين وزير الصناعات الاستراتيجية في أوكرانيا إن من بين 1078 ملجأً عاينتها السلطات في اليوم الأول، تبين أن 359 منها غير مجهزة و122 أخرى مغلقة، بينما تبين أن 597 منها صالحة للاستخدام.
وكتب عبر تطبيق تيليغرام «تلقيت بقدر من عدم التصديق حقيقة أن نصفها (فقط) كان مفتوحاً ويعد جاهزا».
وأضاف «أمس، حينما تفقدنا ملاجئ مختارة في منطقة أوبولون مع حاكم المنطقة، كانت الأغلبية المطلقة من الملاجئ مغلقة».
وقال كاميشين إن معاينة الملاجئ ستتواصل. وتجري هذه المعاينات في ظل استمرار الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا منذ 17 شهراً.
انخفاض الروح المعنوية
ذكرت تقارير غربية أن الروح المعنوية لدي الجيش الأوكراني انخفضت بشدة بسبب خسارة باخموت بعد صراع طويل مع قوات فاغنر، لافتة إلى أن كييف بحاجة إلى رد فعل قوي وتحقيق نصر قريب من خلال «هجوم مضاد» لرفع الروح المعنوية لجنودها ومواصلة القتال واستمرار قدرتها على المواجهة.
وقد وضعت صحيفة «إكسبريس» البريطانية خيارات كييف لبدء الهجمات والأماكن المحتملة لوقوع الضربة الأولى. منوهة بأن هناك اعتقاداً أوكرانياً كبيراً بأنها ستنجح في هذه المهمة وأنها ستغير مسار الحرب التي دقت طبولها في فبراير/ شباط 2022 أي قبل نحو 15 شهراً.
سيناريوهات الهجوم وتوقيته
حدد الكولونيل السابق بالجيش البريطاني ستيوارت كروفورد أفضل ثلاثة خيارات مممكنة للهجوم الأوكراني المضاد ومواقعها، بحسب صحيفة «إكسبريس». مشيراً إلى أن أفضل سيناريو محتمل للضربة الأولى، هو أن يبدأ الأوكرانيون جنوباً من المنطقة المحيطة بزابوريجيا باتجاه ميليتوبول ثم إلى الشواطئ الشمالية لبحر آزوف.
وأضاف أنه إذا نجح ذلك سيتم قطع الجسر البري بين روسيا وشبه جزيرة القرم، وسيؤدي إلى تشريد القوات الروسية في جنوب أوكرانيا، وبذلك تبدأ القوات الروسية بالتحول غرباً وتجميع أنفسهم في خيرسون وتهديد شبه جزيرة القرم.
وتابع كروفورد أنه: «من الممكن تشتيت الروس وخداعهم من خلال شن هجمات بعيدة المدى على وسط دونباس وحول باخموت، وهنا قد يتم تطويقهم ويستعيد الأوكرانيون بعض الأراضي».
وأردف: «من الممكن أن تستغل القوات الأوكرانية التوغل الأخير للحدود الروسية عبر الاتجاه يساراً بضرب منطقة بيلغورود ثم جنوباً حيث يحيطون بخط ماجينو الروسي، كما فعل الألمان مع الحلفاء عبر آردين في عام 1940 أثناء الحرب العالمية الثانية».
وعن توقيت الهجوم المضاد ذكر وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف أن بلاده تملك فرصاً جدية لتحقيق اختراق خلال فصل الصيف.
وعن أهداف الهجوم قال ريزنيكوف خلال مقابلة مع صحيفة «ويست فرانس» الفرنسية: «هدفنا كسر عزيمة الروس على الانتصار في هذه الحرب.. والعودة إلى حدود 1991 المعترف بها دوليا لأوكرانيا بما يشمل شبه جزيرة القرم».
وتوقع الوزير الأوكراني أن يؤدي الهجوم المضاد الواسع هذا إلى حركة تراجع جديدة للروس، وقال: «لقد قاموا بعملية تعبئة جديدة، إلا أن الكثير من الجنود من المبتدئين لا خبرة لديهم ولا يحسنون استخدام الأسلحة بشكل جيد».
وأضاف أن: «مجموعة فاغنر استعانت بسجناء.. وفي حصار باخموت على مدى ثمانية شهور قتل 60 ألف عنصر أو جرحوا خلال القتال»، من دون أن يوضح ما إذا كانت هذه الحصيلة تشمل المعسكرين.
في المقابلة، شدد ريزنيكوف أيضاً على الضرورة الملحة لتسليم أوكرانيا أسلحة وعدتها بها الدول الغربية، وعلق على الضوء الأخضر الأمريكي الأخير للسماح للدول الحليفة بتسليم كييف مقاتلات من طراز «إف-16» أمريكية الصنع.
وتمنى الوزير أن تحصل عمليات التسليم هذه «بحلول نهاية السنة» الحالية، موضحاً أن الطيارين الأوكرانيين سيخضعون على مدى أشهر عدة لتدريبات على قيادتها.
وتابع: في الأثناء علينا تحضير المطارات في أوكرانيا وأجهزة الرادار وأنظمة الملاحة والمراقبين الجويين…إنها منظومة معقدة.
وأكد الوزير أن بلاده تحتاج إلى أسطول من طائرات «إف-16» يضم «أكثر من مئة طائرة» لمواجهة قوة الروس الجوية وضرب الخطوط الخلفية لقوات موسكو.
عقبات تنتظر كييف
أشارت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية إلى أن هناك عدة عقبات تنتظر الهجوم المضاد، بينها ما سببها الأوكرانيون لأنفسهم، حيث سيتعين عليهم عبور حقول الألغام، التي زرعوها، والتي من الصعب إزالتها. لافتة إلى أنه في حال نجاح هذا العبور ستستقبلهم التحصينات الروسية المنيعة والمصممة للإيقاع بأي وحدات في فخ نيران المدفعية الروسية، ما قد يمنع الهجوم المضاد قبل أن يبدأ.
وفي هذا السياق ذكر مارك كانسيان، الضابط البحري والخبير الدفاعي لواشنطن بوست أنه «إذا نجح اجتياز التحصينات الروسية، فسيكون ذلك حمام دم مشابه جداً للحرب العالمية الأولى».
وفي سياق متصل أوردت مجلة «ناشيونال ريفيو» الأمريكية أن انخفاض معنويات الأوكرانيين يمكن أن يعطل الهجوم، وأن هناك مزاجاً متشائماً في أوكرانيا نشأ جراء فقدان باخموت. لافتة إلى أن الغرب يجبر كييف على شن الهجوم ما يضع زيلينسكي في موقف صعب.
وأكد المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي الجمعة أن واشنطن واثقة من أنها لبّت احتياجات كييف للهجوم المضاد، وقال: «قمنا بتلبية جميع احتياجات أوكرانيا لشن الهجوم. لكن تحديد وقت الهجوم متروك للأوكرانيين». مضيفا أن الولايات المتحدة وحلفاءها فعلوا الكثير ومستعدون لعمل الكثير في الأسابيع والأشهر المقبلة.
من جهته قال الخبير العسكري الروسي فلاديمير إيغور إن أمام كييف عدة عقبات لتنفيذ هذا الهجوم، منوها بأن الضربات الجوية الروسية أبعدت كبار القادة العسكريين من الخدمة، كما أن القوات الجوفضائية الروسية دمرت غالبية مستودعات الأسلحة ومخازن العتاد الغربية.
وأضاف أن أوكرانيا تعاني نقص الكوادر المهنية العسكرية، وأن الخطوط الدفاعية الروسية المنيعة بالمدن التي سيطرت عليها روسيا شرقي أوكرانيا يمكنها التصدي لأي هجوم.
لكن الخبير العسكري الأوكراني أوليه دانيلوف، نفى ل«سكاي نيوز عربية» ما تردد في التقارير الغربية عن انخفاض معنويات الجنود الأوكرانيين. وقال: «زمام المبادرة الآن بيد أوكرانيا.. موسكو تواجه الهجوم المضاد، وهي مثقلة بنقاط ضعف كبيرة، فهي ليست النقص في إمدادات الأسلحة والذخيرة بجبهات القتال، بل معنويات قواتها ومستوى تدريبها وأدائها المهني».
وتابع:«أداء الأوكرانيين القوي في حرب المعلومات، سيسهم في تدهور معنويات القوات الروسية. والمعنويات مرتفعة لاستعادة الأراضي، والهجوم المضاد سيكشف نقاط الضعف العسكرية الروسية».
دعم عسكري غربي
أسفرت حصيلة زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لدول أوروبا الغربية لكل من إيطاليا وبرلين وباريس وبريطانيا على الترتيب، في مايو الماضي، عن تعهدات هذه الدول بتقديم دعم عسكري كثيف لكييف، يتمثل في الصواريخ الدفاعية والمسيرات الهجومية بعيدة المدى، وفتح الباب أمام تدريب طيارين أوكرانيين. لكن زيلينسكي لم ينجح في تلقي الرد الحاسم على طلبه الملح بالحصول على طائرات مقاتلة.
تعهّدت الحكومة البريطانية خلال هذه الزيارة بإمداد كييف ب«مئات» الصواريخ الدفاعية أرض- جو «في الأشهر المقبلة»، والمسيّرات الهجومية بعيدة المدى (200 كيلومتر). وتضاف هذه المعدات إلى صواريخ كروز من طراز «ستورم شادو».
وفي المقابل حذّر الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف من أن: «زيادة المساعدات البريطانية ستتسبب في مزيد من الدمار، لكن لن يكون لها تأثير كبير في مسار الصراع».
لكن سوناك، أكد أن المساعدة البريطانية طويلة المدى، مشيراً إلى أن لندن ستؤدي دوراً رئيسياً في التحالف الذي تسعى كييف إليه لتسليمها طائرات مقاتلة.
وقال الرئيس الأكراني زيلينسكي: «أظن أن ذلك سيحصل في القريب العاجل، وستعلمون بقرارات أعتقد بأنها مهمة للغاية»، مضيفا أنه «متفائل للغاية».
كما أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون أنه فتح الباب أمام تدريب طيارين أوكرانيين، وذلك غداة لقائه نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في باريس.
وقال المستشار الألماني أولاف شولتس، الأحد، إن برامج لتدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات «إف-16» هي رسالة موجهة لروسيا حتى لا تتوقع نجاح حربها على أوكرانيا حتى لو طال أمده.
ولم تحصل كييف على تعهدات بإمدادها بهذه المقاتلات، لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن وكبار المسؤولين الأمريكيين أبلغوا قادة مجموعة الدول السبع الجمعة بأن واشنطن تدعم برامج التدريب المشتركة للطيارين الأوكرانيين على طائرات إف-16.
وتمثل مسألة حصول أوكرانيا على المقاتلات الحديثة، واستخدامها تحدياً لمجموعة السبع، التي تكثف تدريجياً من دعمها لكييف في الحرب الدائرة منذ 15 شهراً، لكنها تخشى الذهاب بعيداً في استفزاز موسكو.
وكان سفير روسيا لدى الولايات المتحدة الأمريكية أناتولي أنتونوف، قد ذكر في تصريحات سابقة: إن إرسال مقاتلات إف-16 إلى أوكرانيا سيثير تساؤلات عن ضلوع حلف شمال الأطلسي في الصراع.
وأضاف في التصريحات التي نشرت على قناة السفارة على تطبيق تيليغرام: «لا توجد بنية تحتية لتشغيل مقاتلات إف-16 في أوكرانيا، كما أن العدد المطلوب من الطيارين وأفراد الصيانة غير موجود أيضاً».
وتابع «ماذا سيحدث إذا أقلعت المقاتلات الأمريكية من قواعد جوية لحلف شمال الأطلسي يسيطر عليها متطوعون أجانب؟».