كتب: المحرر السياسي

تزيد أوكرانيا من جهودها لحشد الدعم لرؤيتها المتمثلة بإنهاء الحرب مع روسيا، من خلال التخطيط لعقد قمة سلام مع قادة العالم هذا الصيف، حسبما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» في تقرير حديث. وتلقت كييف دعماً قوياً من الولايات المتحدة وأوروبا منذ بدء الحرب، لكن قادتها بدأوا مؤخراً في الانخراط بشكل أكبر مع الدول التي ظلت حتى الآن محايدة بشأن الصراع.

بعد مشاركة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في القمة العربية ورحلة وزير خارجيته إلى إفريقيا الشهر الماضي، تتطلع أوكرانيا الآن إلى القوى الناشئة التي أعربت عن اهتمامها بلعب دور الوساطة بين كييف وموسكو، وهي البرازيل والهند والصين. وقال أندري يرماك، أحد كبار مستشاري زيلينسكي، للصحيفة الأمريكية: «العملية غير ممكنة من دون العالم بأسره، بما في ذلك قادة جنوب الكرة الأرضية».

وكان تصوّر أوكرانيا للتسوية حتى الآن هي خطة زيلينسكي المكونة من 10 نقاط، والتي تدعو، من بين أمور أخرى، إلى استعادة سيطرة أوكرانيا على كامل أراضيها، وإعادة أسرى الحرب، ومحاكمة روسيا. وقال مسؤولون أوروبيون للصحيفة إنهم يعملون مع كييف على نسخة معدلة من الخطة يمكن أن تحصل على دعم واسع النطاق.

وعلى الرغم من أنه يصعب تسمية الاجتماع بقمة «سلام» بسبب الغياب الملحوظ لروسيا، إلا أنه لا يزال بإمكانه أن يكون بمثابة إشارة ذات مغزى.

وتقول «وول ستريت جورنال» إن توقيت المؤتمر قبل اجتماع الناتو في 11 يوليو/ تموز المقبل في فيلنيوس (ليتوانيا) سيرسل إشارة إلى بقية العالم بأنه بينما ستواصل أوروبا والولايات المتحدة دعم أوكرانيا بالأسلحة، فإنهما يسعيان أيضاً إلى وضع حلول دبلوماسية للصراع الذي أضرت تداعياته الاقتصادية الكثير من الدول النامية.

وفي مارس/ آذار الماضي، أوضح الدبلوماسي الأمريكي السابق توم بيكرينغ أن الخطوة الأولى لأي مفاوضات جادة هي مرحلة الاستعدادات المسبقة، حيث تقوم الأطراف المختلفة بحل الخلافات الداخلية والبدء في تطوير استراتيجية.

وعلى الرغم من أن غياب روسيا يجعل احتمال حدوث اختراق كبير في القضية أمراً مستحيلاً، إلا أن زاكاري بايكين، الباحث في مركز دراسات السياسة الأوروبية، جادل على «تويتر» بأنه من المهم رغم ذلك أننا نشهد زخماً نحو نتيجة دبلوماسية، وأن تبدأ القوى الغربية في التعامل معها وفق جهات نظر «الجنوب العالمي».

وبحسب ما ورد، لعب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دوراً مهماً في هذه المبادرة، حيث دفع نظيره الأوكراني للاعتراف بأن هذه الحرب ستتطلب في النهاية تسوية سياسية، ومساعدة كييف في التواصل مع الرئيس الصيني شي جين بينغ وقادة العالم الآخرين، وعرض استضافة المؤتمر، في حين قال وزير الخارجية الدنماركي إن بلاده مستعدة أيضاً لاستضافة قمة مماثلة إذا كان الوقت مناسباً. ويأمل المسؤولون الأوروبيون أن يتم عقد الاجتماع قبل وقت قصير من القمة السنوية لحلف «الناتو».

الميدان

من جهة أخرى تمر حرب روسيا مع أوكرانيا الآن عند نقطة تحول حرجة، إذ قد تبدو الضربات الصاروخية والهجمات بالطائرات بدون طيار على العاصمة كييف علامة على القوة.

ويُعدّ الهجوم الروسي محاولة لإضعاف الدفاعات الجوية لكييف قبل الهجوم المضاد الأوكراني الذي طال انتظاره ضد القوات الروسية في أوكرانيا. وفي وقت سابق، تسبب هجوم يشتبه في أنه بطائرة مسيّرة أوكرانية في إلحاق أضرار بمبنيين سكنيين في موسكو. وركزت روسيا ضرباتها بشكل متزايد على العاصمة كييف، إذ استهدفت العاصمة الأوكرانية ب 17 من أصل 21 هجوماً روسيّاً تم الإبلاغ عنه على أوكرانيا في مايو/أيار، مقارنة بضربتين على كييف من أصل 7 ضربات في المجمل على أوكرانيا في إبريل/ نيسان.

وقال غريغ باغويل، رئيس جمعية الطاقة الجوية والفضائية في بريطانيا، والقائد السابق لسلاح الجو الملكي البريطاني، ل«بي بي سي» إن كييف تبدو هدفاً «استراتيجياً» أكثر من كونه «عسكرياً».

ويضيف «كييف هي مركز الحكومة. إنها توافق فكرة أن روسيا تحاول حقاً خلق شعور رمزي بالنصر. والأمر يتعلق بالرمزية أكثر من التأثير العسكري الفعلي».

والقلق الواضح الآن هو أن الحرب تتصاعد، ويبدو أن تداعياتها ستؤثر في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وكذلك العلاقات بين أستراليا ونيوزيلندا وجنوب المحيط الهادئ.

العلاقات بين موسكو وبكين

وقد أدت الحرب الروسية مع أوكرانيا إلى تصعيد التوترات القائمة في علاقة الولايات المتحدة بالصين. وإذا كانت هذه العلاقة عدائية قبل حرب أوكرانيا، فهي أكثر من ذلك بكثير الآن، إذ أثارت الحرب نظرة بكين للتوسع الأمريكي، وشعور الولايات المتحدة بضرورة التدخل للضغط على منافسيها الصينيين والروس. وتشير الدلائل إلى أن بكين ستفعل كل ما في وسعها لضمان بقاء بوتين.

ولا تزال الصين الحليف الأكبر لروسيا، فبعد الحرب في أوكرانيا، فرضت الدول الغربية عقوبات صارمة على موسكو، فقد حظرت واردات النفط وصادرات المنتجات عالية التقنية.

وقطعت العديد من الشركات الغربية علاقاتها مع روسيا بشكل كامل، وتراجعت تجارتها مع الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي على مدار عام 2022. ومع ذلك، سجّل إجمالي التجارة الصينية مع روسيا مستوى قياسياً مرتفعاً بلغ 190 مليار دولار في عام 2022، بزيادة قدرها 30% عن العام السابق.

وزادت الواردات الروسية من الصين بنسبة 13% لتصل إلى 76 مليار دولار، وارتفعت صادراتها إلى الصين بنسبة 43% لتصل إلى 140 مليار دولار. ومع انخفاض تجارة روسيا مع الدول الغربية في عام 2022، أصبحت الصين إلى حد بعيد، أهم شريك تجاري لها.

وصدّرت روسيا ضعف كمية غاز البترول المسال إلى الصين في عام 2022 مقارنة بالعام السابق، كما قامت بتسليم كمية من الغاز الطبيعي تزيد بمقدار 50% عبر خط أنابيب «باور أوف سيبيريا»، وكمية من النفط الخام تزيد بنسبة 10%.

وحاولت مجموعة الدول السبع المتقدمة اقتصادياً، جنباً إلى جنب مع الاتحاد الأوروبي وأستراليا، فرض سقف عالمي على سعر النفط الروسي المنقول بحراً، لكن الصين رفضت الامتثال، وتشتري الخام الروسي بسعر السوق.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version