د. أيمن سمير

لا يقبل بأنصاف الحلول، يؤمن بأن عظمة بلاده في تاريخ الإنسانية تجعلها مؤهلة للجلوس في مقاعد الكبار، تشعر في خطاباته أنه فيلسوف يستقي الفلسفة ليس فقط من أجداده الكبار أمثال أرسطو وأفلاطون، بل لأنه «سليل» عائلة سياسية بامتياز، فوالده كان رئيساً للوزراء، كما أن شقيقته كانت وزيرة للخارجية.

يوصف في بلاده التي تضم نحو 230 ألف جزيرة مأهولة، وبها شاطئ من أطول وأجمل شواطئ العالم، بأنه «أصغر سجين سياسي في التاريخ» لأنه في وقت ولادته عام 1968 أعلن المجلس العسكري في بلاده بأن والده شخص غير مرغوب فيه، لهذا غادرت العائلة إلى تركيا عندما كان لم يتجاوز عاماً واحداً، وذهبت العائلة بعد ذلك إلى باريس، ولم تعد إلى البلاد إلا بعد عام 1974عندما انتهى حكم المجلس العسكري.

إنه كيرياكوس ميتسوتاكس، السياسي اليوناني المحافظ، ورئيس حزب «الديمقراطية الجديدة» منذ عام 2016»، والذي يستعد كما تقول استطلاعات الرأي لتحقيق نصر انتخابي جديد وتاريخي، عندما تُجرى الانتخابات المبكرة الثانية هذا العام في 25 يونيو الجاري، لكن ميتسوتاكس الذي تلقى تعليمه في أرقى جامعات العالم مثل جامعات أثينا وهارفارد وستانفورد، نجح في تحقيق إنجاز سياسي آخر أكبر بكثير من أي فوز أو أي انتخابات، فرغم أن الانتخابات التي جرت في مايو الماضي كانت انتخابات مبكرة، وسوف تجرى من جديد انتخابات مبكرة ثانية قبل نهاية الشهر الجاري، إلا أن ميتسوتاكس نجح في تخفيض درجة «الاستقطاب السياسي»، واستطاع أن يبلور برنامجاً يختلف بشكل واضح عن برامج المعارضة التي يقودها حزب «سيريزا» بزعامة رئيس الوزراء السابق ألكسيس تسيبراس، وترك ميتسوتاكس الأمر للناخب اليوناني ليقرر أي برنامج سوف يدعمه.

صعد نجم ميتسوتاكس بعد هزيمة المحافظين عام 2015، وتم اختياره ليقود «حزب الديمقراطية الجديدة» عام 2016، ورغم الظروف القاسية والمحبطة التي كانت تحيط بالمحافظين وقتها، إلا أن البعض رأى أن اختيار كيرياكوس ميتسوتاكس سوف يعيد أمجاد عائلته السياسية وحزبه «الديمقراطية الجديدة»، وتحقق ذلك عندما استطاع انتزاع الحكم من اليساريين عام 2019، وفي الوقت الحالي لا يريد «شريكاً» لحزبه في الحكم، فرغم أنه حصل على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو الماضي ب145 مقعداً من إجمالي 300 مقعد، إلا أنه طلب العودة مرة أخرى لصناديق الاقتراع والاحتكام للشعب مرة جديدة، حتى يحصل على أكثر من 150 مقعداً في البرلمان ليكون مؤهلاً وقتها لتشكيل حكومة قوية لا تخضع للمحاصصة الحزبية، فحزبه «الديمقراطية الجديدة» حصل على المركز الأول، وكان يحتاج فقط ل6 مقاعد لتشكيل الحكومة بمفرده، رغم كل ذلك طلب ميتسوتاكس تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة جديدة لثقته في شعبيته وحزبه، بالإضافة إلى ثقته الكاملة أنه سوف يستفيد من القاعدة الدستورية التي تقول إن من سيحصل على أعلى الأصوات في الانتخابات المبكرة الثانية سوف يضاف إليه نحو 50 مقعداً.

ويفخر ميتسوتاكس بتاريخه السياسي ليس فقط لأنه ابن السياسي اليوناني العظيم قسطنطين ميتسوتاكس، وشقيق دورا باكويانس وزيرة الخارجية اليونانية السابقة، والتي كانت عمدة أثينا عندما استضافت العاصمة اليونانية أولمبياد عام 2004، بل لأنه نجح في وضع الاقتصاد اليوناني على الطريق الصحيح بعد سنوات عجاف طويلة، فرغم التداعيات السلبية لجائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية إلا أن ميتسوتاكس تعهد بأنه سوف يقدم لكل مواطن يوناني نحو 230 يورو كدعم من الدولة لكل فرد، ونحو 1000 يورو لكل أسرة لمدة 6 أشهر للتغلب على التضخم الذي أصاب أسعار الغذاء في البلاد، ورغم أنه محافظ ويدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة ظل يدعم الطاقة والمحروقات للمواطن اليوناني بأكثر من 8 مليارات يورور في الميزانية الجديدة، ورغم أن ديون البلاد تصل لنحو 170% من الناتج القومي، وكان التضخم قرب 10% العام الماضي إلا أن ميتسوتاكس نجح في تخفيض معدل البطالة إلى أدنى مستوى له، وتسجيل نمو بنحو 6% العام الماضي، كما عادت الاستثمارات وحدثت طفرة غير مسبوقة في السياحة بعد سنوات من الأزمة الحادة وخطط الإنقاذ الأوروبية، وهو ما يقول إن ميتسوتاكس بات قريباً من الهدف الذي حدده لنفسه، وهو أن تكون اليونان بلداً قوياً وعظيماً ولها دور مهم في القارة الأوربية.

مكانة دولية

ويحظى ميتسوتاكس بمكانة عالمية لأسباب كثيرة، أبرزها حنكته السياسية في التفاوض مع المؤسسات المالية للاتحاد الأوربي، وهو مسار شائك وقاسٍ نجح فيه ميتسوتاكس بامتياز، عندما نجح في الاستجابة لمطالب الأوروبيين دون أن يقسو على المواطن في الداخل، كما أن مقاربته الاقتصادية القائمة على تخفيض الضرائب ودعم الشركات، وتعزيز قدرات البلاد التنافسية ساهمت كلها في تعزيز قوام وهيكل الاقتصاد اليوناني.

كما نجح ميتسوتاكس في نسج وحياكة أفضل العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول العربية، حيث زار الإمارات ومصر والسعودية أكثر من مرة، ونظراً لأن كلمة « فيليا» في اليونانية تعني الصداقة، دعا رئيس الوزراء ميتسوتاكس 5 دول عربية للمشاركة في مؤتمر« فيليا الأول»، في 11 فبراير عام 2021، هي الإمارات والأردن ومصر والسعودية والبحرين تحت عنوان «بناء الصداقة والسلام والازدهار من البحر المتوسط إلى الخليج»، واتفقت فيه اليونان مع الدول العربية على زيادة مساحة التنسيق المشترك من أجل مواجهة التحديات المشتركة، واكتشاف الفرص الهائلة التي تنتظر الدول العربية واليونان الدولة العضو في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وخير دليل على ما يحمله كيرياكوس ميتسوتاكس من احترام وتقدير للدول العربية هو موافقته في سبتمبر2021 على إرسال منظومة دفاع جوي يونانية من طراز باتريوت الى المملكة العربية السعودية، وذلك تنفيذاً لقرار بين البلدين تم توقيعه في إبريل 2021، لكن أكثر ما اتسمت به العلاقات العربية اليونانية في عهد ميتسوتاكس هو الشراكة في القيم القائمة على تعزيز السلام والاستقرار والتعايش المشترك وقبول الآخر بين مختلف الدول والشعوب.

[email protected]


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version