أجرى الحوار: مسعد عبد الوهاب
فتح الدكتور أحمد بالهول الفلاسي، وزير التربية والتعليم، رئيس الهيئة العامة للرياضة، نائب رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية، قلبه ل«الخليج الرياضي» في حوار لم تنقصه الصراحة، وضع فيه النقاط على الحروف، بشأن القضايا الشائكة التي تمثل تحديات تعيق انطلاقة رياضة الإمارات، لتوازي النهضة الهائلة التي تعيشها الدولة في شتى ميادين الحياة.

قضينا على «العزلة الاستراتيجية».. وماضون لصنع هوية عالمية

ووضع يده على الجرح مشخّصاً علّة رياضتنا، وكاشفاً عن سبب تخلف الرياضة عن ركب تقدم الدولة، مقارنة بالتنمية الهائلة التي تشهدها القطاعات الأخرى، واعداً بتغيير جذري وتحول شامل، يكفل الوصول إلى العالمية من خلال الاستراتيجية الوطنية للرياضة 2031 التي أطلقها وشرح تفاصيلها يوم 26 يونيو الفائت، محدداً 3 مستهدفات أساسية لها؛ هي: زيادة ممارسة الرياضة بالمجتمع لتصل إلى 71% من السكان، وتأهيل 30 رياضياً إلى الألعاب الأولمبية، وزيادة إسهام الرياضة في الاقتصاد إلى 0.5%.

كما أجاب الدكتور أحمد بالهول عن السؤال الحائر الخاص بمخرجات الأولمبياد المدرسي على مدى 8 دورات من تنظيمه، مؤكداً أن الاستراتيجية الجديدة ولجنة الإمارات لرياضة النخبة والمستوى العالي ستكفلان تصحيح المسار.

وتطرقنا مع الرجل الذي يقود هرم الرياضة بالدولة إلى موضوعات أخرى، ومن ضمنها كرة القدم، فقال رأيه بوضوح في أن رؤيته تقوم على المفهوم الشامل للرياضة، بتنويع الألعاب الفردية والجماعية، وأن المدارس هي حجر الزاوية في النهضة الرياضية، كما كشف عن انتهاء الهيئة من علاج مشكلة الدعم التي لطالما كانت أبرز التحديدات، ومحصلة الحوار في السطور الآتية.

* ما سبب تخلف الرياضة عن ركب بقية قطاعات العمل في الدولة التي أذهلت العالم في مجالات عديدة، فحصادنا في الأولمبياد حتى الآن ذهبية وحيدة للرامي الشيخ أحمد بن حشر آل مكتوم «أثينا 2004» علاوة على برونزية في الجودو، فهل يعد هذا الأمر كافياً؟

– الإمارات أنجزت الكثير في قطاعات كثيرة في الفضاء والطاقة وغيرهما، وقيادتنا الرشيدة جعلت الرياضة من أولوياتها، وتدعمها بشكل كبير، لأنها جزء من تراثنا، وبالتأكيد الحصاد الأولمبي غير كافٍ، ولا يوجد أي سبب أو مبرر بألا يكون للرياضة نصيبها من الإنجازات التي تحققت في كل الميادين، وبالتأكيد طموحنا أكبر من ميداليتين، والاستراتيجية الوطنية 2031؛ هي البداية الحقيقية، وستكون الدافع المحرك لوضع رياضة الإمارات على المسار الصحيح.

* هل شخصتم أسباب تراجعنا رياضياً من حيث حجم الإنجازات مقارنة بحجم النهضة ككل؟

بالتأكيد درسنا الواقع فلم يكن بالإمكان وضع الاستراتيجية الوطنية الجديدة للرياضة من دون تشخيص للواقع، والدراسة كشفت عن توافر كل المقومات، والمشكلة كانت في عدم وضوح الرؤية وتكامل الأدوار في العمل بنسق واحد وفي اتجاه واحد؛ هو صناعة الأبطال للمستقبل.

* تعددت الاستراتيجيات في الماضي، لكنها لم تصب أهدافها، هل ترون في استراتيجية 2031 ضمانة لمعالجة السلبيات وصولاً إلى التطور وحصد الإنجازات بما يتناسب ومكانة الدولة؟

– الهيئة وضعت الاستراتيجية بعد دراسة شاملة لواقعنا الرياضي، وهي تسعى إلى المعالجة من خلال توجهات الاستراتيجية التي تشمل 17 مبادرة رئيسية؛ منها 3 تحولية و14 استراتيجية، والتركيز سيكون على الألعاب المدرسية والرياضات الخمس ذات الأولوية ورياضة النخبة، وبدأنا ب22 رياضياً في 8 ألعاب ضمن النخبة الاحترافية التي تعد رهاننا في المنافسات الأولمبية، وسيتم إطلاق هذه المبادرات تباعاً على ثلاث مراحل حتى عام 2031 من أجل قيادة التحول إلى مرحلة جديدة من التنمية الرياضية؛ بهدف الوصول إلى تنافسية عالية تقودنا إلى العالمية.

* من أين ستكون البداية؟

– نحن ننطلق وبحوزتنا 141 ألف رياضي بواقع 34 ألفاً من الذكور، و7 آلاف من الإناث، والاستراتيجية الجديدة هي خريطة طريق ذات 3 مستهدفات؛ هي: زيادة ممارسة الرياضة بالمجتمع لتصل إلى 71 %، وتأهيل 30 رياضياً إلى الألعاب الأولمبية، وزيادة مساهمة الرياضة في الاقتصاد إلى 0.5 %، مع تأكيد أننا أعدنا هرم الرياضة إلى وضعه الطبيعي، ليبدأ من المدارس فهي المنطلق الأساسي؛ لذلك كانت بدايتنا بالإطلاق التجريبي للألعاب المدرسية الذي تم العام الدراسي الحالي، واكتشفنا مواهب، وسيشاركون في دورة الألعاب العربية في الجزائر، وننسق مع المجالس الرياضية والاتحادات، وقمنا بإطلاق لجنة الإمارات لرياضة النخبة ورهاننا على 5 ألعاب كمرحلة أولى؛ هي: الرماية وألعاب القوى والجودو والمبارزة والقوس والسهم.

* حرقنا الكثير من المراحل التي شهدت عدة استراتيجيات لم تحقق مردوداً.. أين كانت المشكلة؟

– العوامل الرئيسية للتطور موجودة، ولكن الرؤية لم تكن واضحة، واليوم الرؤية والمستهدفات واضحتان، وأساسيات الاستراتيجية الوطنية 2031 ليست جديدة، فالكل يعلم أن الرياضة المدرسية هي الأساس في البناء الرياضي بحكم أنها الرافد والممول الرئيسي بالمواهب، لكن المهم هو اكتشاف المواهب وصقلها ووضعها على طريق البطولة ببرامج رعاية متكاملة، نحن في السابق لم نجلس مع بعضنا، ونتكلم بكل شفافية ونتعاون من أجل تحقيق التطلعات المرجوة.

وأعتقد أن إنشاء لجنة معنية برياضة النخبة سيكون له دور في العلاج من خلال 22 رياضة تم تبنيها ومنها 13 لعبة تقيم معسكرات خارجية وكما أشرت هناك وضوح اليوم من ناحية تصنيف الرياضات، وتصنيف للرياضيين أنفسهم إلى فئة أولى وثانية وثالثة ومن ثم إخضاع كل منهم للبرامج التي تناسبه نحن نتحرك بعمل ممنهج.

* كشف تقرير ناقشه المجلس الوطني الاتحادي عن أن 75 % من سكان الإمارات غير نشيطين رياضياً، فماذا عن تدابيركم إزاء هذه النسبة المزعجة صحياً؟

– أتفق معك أن النسبة منخفضة جداً، بالنسبة ل75% غير النشيطين رياضياً، هي نسبة مقلقة وفي هذا الخصوص أود توضيح حقيقة أن هذه النسبة على حسب تعريف منظمة الصحة العالمية الذي يصنف الشخص على أنه ممارس أو غير ممارس وفق عدد ساعات يومية وأنشطة معينة وفي عام 2018 كانت نسبة الممارسين لدينا نحو 43% وغير الممارسين 57%، لكن هذا لا يعني أن الشخص غير ممارس للرياضة تماماً؛ بل هو غير ممارس حسب التعريف الخاص بمنظمة الصحة العالمية، وقد أجرينا مقارنة بالنسبة للمقيمين، فوجدنا أنهم يمارسون الرياضة في الإمارات بشكل أفضل من الفترات التي يقضونها في بلدانهم.

* من موقع نائب رئيس اللجنة الأولمبية.. كيف وجدت الواقع في ملعب رياضتنا الأولمبية؟

– اللجنة الأولمبية تقوم بعمل كبير ولكن كان ينقص العمل استمرارية تطوير المواهب، صحيح كان يوجد اكتشاف، لكن التطور لم يكن موجوداً، الأمر الثاني كان هناك عزلة عن الاستراتيجية؛ لذلك لم يكن نضوج المواهب موجوداً ويجب أن تكون هناك أولويات، وأن نسأل أنفسنا في أي بطولة سوف نشارك؟ وكم عدد اللاعبين والنتائج المتوقعة؟ وعندما نسقط ذلك على الرياضة المدرسية فهي قاعدة الهرم التي يجب البداية منها، وأن تمشي جميع الأطراف المعنية في نسق واحد من القاعدة تدرجاً إلى القمة بشكل مقنن من أجل صناعة الأبطال للمستقبل، والآن ومن خلال الاستراتيجية الجديدة نحن بصدد تغيير يعالج كل النواقص ويقضي على العزلة الاستراتيجية.

* هل آن الأوان لتخليص رياضة الإمارات من استحواذ كرة القدم على نصيب الأسد من الميزانية التي تقدمها الهيئة للاتحادات؟

– يجب أن يكون الفكر في عدم اختصار الرياضة في كرة القدم فقط، نحن نتكلم عن الرياضة بجميع جوانبها، ولا شك أن كرة القدم هي أكثر رياضة لها شعبية كبيرة على مستوى العالم، لكن نحن نقول إذا أردنا أن نحقق إنجازات، فيجب أن نشارك في رياضات مختلفة جماعية وفردية وكلامك صحيح، ومن الضرورة بمكان تغيير النظرة بنشر ثقافة ومفهوم الرياضة الشاملة مع التركيز على التنافسية العالية، وهنا يجب أن يكون لنا دور في توعية أولياء الأمور بأهمية الرياضات الأخرى.

*ما السبيل لتغيير المفهوم بشأن اختصار الرياضة في كرة القدم فقط؟

أي رياضي يفكر في بداية مسيرته في كرة القدم، وهنا يأتي دور المدارس بحكم أنها منبع المواهب في التنوع بإدخال الرياضات المختلفة، فربما يمتلك اللاعب ميولاً للعبة معينة، لكننا نستطيع قياس قدراته بشكل علمي، لنساعده على اكتشاف موهبته الحقيقية واللعبة المناسبة له وفق قدراته البدنية والفسيولوجية، لتوجيهه إلى المسار الصحيح، ودور وزارة التربية والتعليم والجهات التعليمية الخاصة، هو إعادة النظر في حصة التربية البدنية، لإطلاع الطلبة على أنواع الألعاب المناسبة لهم ومشاركتهم في رياضات مختلفة لاكتشاف ميولهم في كرة القدم وغير كرة القدم.

* كلمة أخيرة

– أنا متفائل جداً أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة الإنجازات، لأننا بدأنا من حيث المكان الصحيح، وهو الرياضة المدرسية، وشكراً لكم على ما تقدمونه من دعم إعلامي.

إجابة دبلوماسية عن سؤال حائر

طرحنا على الدكتور أحمد بالهول الفلاسي، السؤال الحائر الباحث عن الإجابة وهو: أين ذهبت مخرجات الأولمبياد المدرسي الذي تم تنظيمه في السنوات الماضية وما مصير المواهب التي أفرزها؟

فرد بدبلوماسية بقوله: «أعتقد أن الأولمبياد المدرسي كان له دور جيد في أنه أدخل الرياضة التنافسية في المدارس، وأعتقد أن جزءاً من التحديات التي نواجهها هو أنه كان لدينا اتحادان منفصلان هما اتحاد الرياضة المدرسية وهو المعني بالأولمبياد المدرسي، واتحاد مؤسسات التعليم العالي المعني بالرياضة الجامعية، وعندما قمنا بدراسة الوضع وتبين مردود كلاهما على رياضتنا بشكل عام ارتأينا دمجهما في كيان واحد «اتحاد الإمارات الرياضي لمؤسسات التعليم المدرسي والجامعي»، وستكون هناك متابعة وتعيين مدرب من قبل لجنة رياضة النخبة».

حقيقة مُرّة.. الاتحادات لا تملك فنياً لاكتشاف المواهب

بسؤاله عن مشكلة الدعم المالي التي كانت وما زالت محل شكوى الاتحادات، وكيفية التصدي لها، قال الدكتور أحمد بالهول الفلاسي: إن نظام الدعم المخصص من الهيئة العامة للرياضة للاتحادات سيتغير، وأضاف: «ضاعفنا الدعم بالنسبة لاتحادات الرياضات الخمسة ذات الأولوية من 3 إلى 4 أضعاف، إضافة إلى ميزانية أخرى مخصصة لكل منها من رياضة النخبة، ولكن في المقابل سيقابل هذا إبرام عقود مع هذه الاتحادات تكون بمثابة شروط تنظم عملية الدعم من أجل اكتشاف المواهب، بعدما اكتشفنا أن معظم الاتحادات لا تملك فنيين مختصين لاكتشاف المواهب؛ لذلك سارعنا لمواجهة ذلك من خلال لجنة رياضة النخبة التي ستضطلع بهذه المهمة».

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version