باريس – (رويترز)
طلبت فرنسا من جميع السلطات المحلية وقف حركة وسائل النقل العام، في وقت مبكر من مساء الجمعة، في محاولة لاستعادة النظام بعد أن أضرم مثيرو الشغب النار في عدد من المباني والسيارات، في ثالث ليلة من الاضطرابات التي اندلعت بعد مقتل مراهق برصاص أحد أفراد الشرطة.
ونصحت بعض الحكومات الغربية مواطنيها في فرنسا بتوخي الحذر.
وقالت السفارة الأمريكية في تغريدة على «تويتر»، إن على الأمريكيين: «تجنب التجمعات الحاشدة والمناطق التي تنتشر فيها الشرطة»، بينما حذرت السلطات البريطانية مواطنيها من احتمال توقف وسائل النقل، وفرض حظر تجول محلي.
وأعادت الاضطرابات للأذهان أعمال الشغب التي وقعت في عام 2005 وهزت فرنسا لمدة ثلاثة أسابيع، وأجبرت حينها الرئيس، جاك شيراك، على إعلان حالة الطوارئ.
واندلعت موجة العنف تلك في ضاحية كليشي سو بوا، في باريس، بعد وفاة شابين صعقا بالكهرباء في محطة كهرباء فرعية أثناء اختبائهما من الشرطة.
واندلع العنف في مرسيليا وليون وباو وتولوز وليل، وبعض أنحاء منطقة باريس، ومنها نانتير التي تسكنها الطبقة العاملة، حيث قُتل نائل م. (17 عاما)ً، وهو من أصل جزائري-مغربي، برصاص الشرطة، الثلاثاء.
وأذكت وفاته، التي رصدتها كاميرا في إحدى إشارات المرور «شكاوى قديمة من أصحاب الدخل المنخفض والأعراق المختلطة والمجتمعات الحضرية بأن الشرطة تمارس العنف والعنصرية الممنهجة داخل أجهزة إنفاذ القانون»، بحسب «فرانس برس».
وصرحت السلطات بأن أكثر من 200 فرد شرطة أصيبوا، واعتُقل 875 الليلة الماضية خلال اشتباكات بين مثيري الشغب ورجال الشرطة في بلدات ومدن بأنحاء فرنسا، تخللها إضرام النيران في مبان ومركبات، ونهب متاجر.
وقال مسؤول محلي إن لصوصاً نهبوا متاجر، أحدها لشركة أبل، في مدينة ستراسبورغ بشرق فرنسا، وسط أعمال شغب في أنحاء البلاد، الجمعة.
وقالت رئيسة الوزراء، إليزابيت بورن، للصحفيين إن الحكومة ستدرس «كل الخيارات» لاستعادة النظام، ووصفت العنف بأنه «غير مقبول ولا يمكن تبريره».
وطلب وزير الداخلية، جيرالد دارمانان، من السلطات المحلية وقف حركة جميع الحافلات والترام من الساعة التاسعة مساء في أنحاء البلاد، إذ تسعى الحكومة إلى تهدئة التوتر.
وقال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في تصريحات أذاعها التلفزيون من اجتماع طارئ لمجلس الوزراء، إنه سيطلب من منصات التواصل الاجتماعي إزالة لقطات الشغب «الأكثر حساسية» من صفحاتها، وإبلاغ السلطات بهوية المستخدمين الذين يحضون على ارتكاب العنف.
وأنهى ماكرون الذي يرفض حتى الآن إعلان حالة الطوارئ، مشاركته في قمة تابعة للاتحاد الأوروبي في بروكسل مبكراً حتى يتمكن من حضور ثاني اجتماع طارئ للحكومة خلال يومين.
وأضاف، من دون الخوض في تفاصيل، أن بعض الفعاليات العامة ستُلغى في المناطق التي تشهد اضطرابات.
وحظرت السلطات تنظيم تظاهرات عامة كانت مقررة الجمعة في مدينة مرسيليا، جنوبي البلاد، ثاني أكبر مدينة في فرنسا، وطلبت من المطاعم إغلاق ساحاتها الخارجية المخصصة لتناول الطعام مبكراً. وأضافت أن جميع وسائل النقل العام ستتوقف اعتباراً من الساعة السابعة مساء.
وقال محمد جاكوبي، الذي شاهد نائل وهو يكبر منذ أن كان طفلاً، إن ما يؤجج حالة الغضب هذه هو الشعور بالظلم في الأحياء الفقيرة، بعد أن مارست قوات الشرطة العنف ضد الأقليات العرقية، وكثيرون منهم ينحدرون من المستعمرات الفرنسية في السابق.
وقال «سئمنا، نحن فرنسيون أيضاً. نحن ضد العنف ولسنا حثالة».
وتزعم جماعات حقوقية وجود عنصرية ممنهجة داخل أجهزة إنفاذ القانون في فرنسا، ما نفاه ماكرون. وتعهدت الحكومة الفرنسية في عام 2020 «بعدم التهاون» مع العنصرية داخل أجهزة إنفاذ القانون.
وقالت وزارة الداخلية إ دارمانان، رفع عدد قوات الشرطة الليلة الماضية أربعة أمثال إلى 40 ألفاً، أصيب منهم 249.
وقالت وزيرة الطاقة، آنياس بانييه روناشير، إن عدداً من العاملين في إحدى شركات توزيع الكهرباء أصيبوا بالحجارة التي ألقيت عليهم خلال الاشتباكات.
وذكرت وزارة الداخلية أن مثيري الشغب هاجموا 79 قسم شرطة، و119 مبنى حكومياً، من بينها 34 دار بلدية، و28 مدرسة، الليلة الماضية.
بؤرة نانتير الساخنة
أظهرت مقاطع مصورة ليلاً، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، اشتعال النيران في حدائق بالمدن في جميع أنحاء البلاد، وفي ترام بمدينة ليون بشرق البلاد، وفي 12 حافلة داخل مرآب في أوبيرفيلييه، بشمال باريس.
وفي نانتير على مشارف العاصمة، أضرم محتجون النار في سيارات، وأغلقوا الشوارع، وألقوا مقذوفات على الشرطة،بعد وقفة احتجاجية سلمية في وقت سابق لتأبين الشاب.
وقالت شرطة باريس إنه جرى اقتحام متجر لبيع الأحذية تابع لشركة نايكي في وسط باريس، وإنها ألقت القبض على عدة أشخاص بعد تحطيم نوافذ متجر في شارع رو دي ريفولي.
وقال مصدر ل«رويترز» إن العديد من المتاجر تعرضت للنهب في جميع أنحاء البلاد.
وشدد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، على أهمية أن تكون التجمعات سلمية. ودعا السلطات الفرنسية إلى ضمان أن يكون استخدام الشرطة للقوة وفقاً لمبادئ الشرعية والضرورة والتناسب وعدم التمييز.
وقالت رافينا شامداساني، المتحدثة باسم المكتب «هذه فرصة للبلاد لتعالج بجدية المشكلات العميقة المتعلقة بالعنصرية والتمييز العنصري في إنفاذ القانون».
وخضع رجل الشرطة، الذي قال الادعاء العام إنه اعترف بإطلاق رصاصة قاتلة على الشاب القاصر، الخميس، لتحقيق رسمي بتهمة القتل العمد، وهو محبوس احتياطياً الآن.
وقال محاميه لوران فرانك لينار، لقناة (بي.إف.إم) التلفزيونية، إن موكله صوب على ساق السائق، لكنه ارتطم بشيء، ما جعله يصوب النار على صدر الشاب. وأردف قائلاً «بكل تأكيد أن (رجل الشرطة) لم يرغب في قتل السائق».