د. أيمن سمير
محافظ لكنه غير متشدد، يؤمن بقيم العائلة والمجتمع، نموذج في القائد الذي يمزج بين الكفاءة المهنية، والقيم الأيديولوجية والأخلاقية، إخلاصه كامل ودون أي شروط، نموذج في الوفاء للأصدقاء والرؤساء، لكنه غير مستعد لكسر القانون أو تجاوز الدستور من أجل أي أحد، ترك بصمته في كل مكان عمل فيه، سواء في ولايته إنديانا، أو في الحزب الجمهوري، وقبل ذلك عندما عمل معلقاً في شبكات الراديو، ومبشراً إنجيلياً في أمريكا اللاتينية، لديه استعداد كامل لتغير المسار بشرط قناعته بالطريق الجديد، فقط كان في بداية حياته «ديمقراطياً»، وهو عاشق لجون كينيدي ومارتن لوثر كينج، وصوّت لصالح الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر في انتخابات 1980، لكنه تحول نحو الجمهوريين بفضل براعة الرئيس الجمهوري رونالد ريجان، وبهذا يكون ممن أُطلق عليهم «ديمقراطيو ريجان».
«مثابر بدرجة مقاتل»، فعندما فشل في دخول الكونغرس عامي 1994 و1996، حاول من جديد حتى نجح في المحاولة الثالثة عام 2000، ليتم انتخابه بعد ذلك 6 مرات متتالية، وتكرر نفس السيناريو معه في نوفمبر عام 2006 عندما أعلن عن نيته الترشح لمنصب زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب، لكنه خسر أمام جون بينر ممثل أوهايو بفارق كبير جداً وصل إلى 141 صوتاً، لكنه لم ييأس أو يستسلم، وعاد بعد 3 سنوات ليتم انتخابه كرئيس للمؤتمر الجمهوري، وهو ثالث أعلى منصب قيادي في الحزب.
كان من مؤيدي «حركة الشاي» الجمهورية التي عارضت الديمقراطيين، وحشدت الشارع والناخبين الأمريكيين، وكان واثقاً من جني الثمار حتى استعاد مع دونالد ترامب والجمهوريين البيت الأبيض والكونغرس في يناير 2017
إنه مايك بنس، السياسي الأمريكي «المتوازن والمتواضع»، والذي أعلن يوم عيد ميلاده الرابع الستين في 7 يونيو الجاري، ترشحه للانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، وهو ما يعني أن بنس سوف ينافس رئيسة السابق دونالد ترامب، وينظر لمايك بنس على أنه «رمانة الميزان» ليس فقط لمواقفه السياسية والأيديولوجية داخل الحزب الجمهوري، بل على المستوى الوطني، وعلى المستوى الدولي أيضاً، فالنظرة العميقة في برامج وشخصيات مرشحي الحزب الجمهوري العشر نكتشف أن بنس يتوسط كل هؤلاء، فهو ليس متقدماً في السنّ مثل دونالد ترامب، وليس صغيراً يمكن أن يتخذ مواقف متهورة مثل رون دي سانتس، هو معارض شرس للإجهاض والمثلية الجنسية، لكنه قادر على خلق مساحة مشتركة مع الديمقراطيين، ففي المناظرة التي أجراها مع نائبة الرئيس كاملا هاريس قبل انتخابات 2020، بدأ بالترحيب بها وتمنياته بالشفاء لجو بايدن الذي كان وقتها يترشح ضد دونالد ترامب، وخارجياً يأمل في وقف الحرب الروسية الأوكرانية بأسرع وقت ممكن كما هي مواقف غالبية المرشحين الجمهوريين، لكنه يختلف عنهم في إصراره على ضرورة إرسال كل ما يمكن من أجل دعم أوكرانيا، وفي الوقت الذي يتسم الخطاب الجمهوري بإمكانية التعاطي والتعامل مع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، نجد مايك بنس يقول أمام لجنة بناء وتعزيز السياسات الجمهورية العامة «هيرتاج فاوينديشن» «بوتين ليس له مكان معنا».
عند الحديث عن ترامب، تتجلى وتتجسد حكمة وتوازن وتواضع مايك بنس، فالرجل الذي حاز ثقة دونالد ترامب طوال 4 سنوات كان مثال للتفاني في العمل، والإخلاص لرئيسه، وظل قريباً من دونالد ترامب، في الوقت الذي كان يغادر سفينته الكثير من الجمهوريين، لكن عندما طلب ترامب من بنس تجاوز الدستور، وعدم اعتماد نتيجة انتخابات نوفمبر 2020 التي فاز بها جو بايدن، هنا استمع بنس فقط لضميره وللدستور الأمريكي ومستقبل الأمة الأمريكية، ورفض طلب ترامب، وذهب بنس للكونجرس، وترأس الجلسة التي أقرت بنجاح جو بايدن، لكن مايك بنس نفسه هو الآن الذي يعارض محاكمة دونالد ترامب في قضية احتفاظ ترامب «بوثائق سرية في بيته»، ويعتقد بنس أن في الأمر شبهة «الاضطهاد السياسي»، لأن أجهزة التحقيق وجدت «وثائق سرية» أيضاً في منزل جو بايدن في ولاية ديلاوير، لكنها لم تبدأ في التحقيق حتى الآن، ولم تتخذ أي قرار بحق بايدن، وفي الليلة التي أعلن فيها بنس الترشح لانتخابات 2024، أطلّ على الجمهور عبر نافذة «السي إن إن»، فعندما أبلغ بنس جهات التحقيق أنه اكتشف بعض الوثائق في بيته، فوجئ بجهات التحقيق ونفاذ القانون تقف على باب بيته في الصباح الباكر من اليوم التالي، وهو ما أثار استغرابه واندهاشه، لأن هذا الأمر استغرق 80 يوماً حتى تتحرك جهات التحقيق تجاه منزل بايدن في ديلاوير، بينما لم تستغرق أكثر من 12 ساعة فقط للوصول إلى بيته، ولهذا يعارض مايك بنس محاكمة ترامب سواء في قضية الوثائق أو في القضايا الأخرى، ليس من باب دعم رئيسه السابق، بل لأن هذه المحاكمة من وجهة نظره سوف «تعمق» الانقسام الأمريكي، وتعطى صورة نمطية سلبية عن الولايات المتحدة لدى الحلفاء والأعداء معاً، ويستند بنس في موقفه ضد وزارة العدل الأمريكية أنه خلال انتخابات نوفمبر 2016 وما قبلها، وحتى بعد أن فاز ترامب كان هناك قضية شهيرة متهم بها ترامب وهي «التدخل الروسي» في انتخابات 2016، لكن في النهاية أكدت المحكمة والمحقق الخاص أن ترامب كان بريئاً تماماً من الحصول على أي دعم انتخابي من موسكو.
السؤال الذي يطرحه الكثيرون، لماذا يغامر بنس بتاريخه السياسي، ونضاله الحزبي رغم أنه يتخلف في استطلاعات الرأي بشكل كبير عن الرئيس ترامب الذي يحصل على نحو 53 % من أصوات الجمهوريين، بينما يحصل رون دي سانتوس على نحو26%، بينما تحصل نيكي هايلي على نحو 6%، ولا يحصل بنس في أفضل الحالات إلا على 3% فقط من أصوات الجمهوريين؟ المؤكد أن بنس يراهن على أن الرأي العام يتغير، وهناك مسافة ووقت طويل حتى اختيار الحزب الجمهوري لمرشحه في يونيو 2024، وفي حال خروج ترامب من السباق بسبب المشاكل القضائية سوف يختلف كل شيء، هنا سيكون رهان مايك بنس على «تغير المعادلة».