العقوبات التي تم فرضها على روسيا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية كانت مصممة بشكل دقيق لتحييد إمدادات الطاقة الروسية من النفط والغاز والفحم.لكن أثر تلك العقوبات على أسواق الطاقة تصاعد بشكل حاد مباشرة، مع أن ارتفاعات أسعار الطاقة بدأت تَخِفُ بعض الشيء في الأيام القليلة الماضية، مع تزايد الآمال بالوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا على أمل أن يشمل أي اتفاق مرتقب تخفيفا للعقوبات على روسيا.وحملت بعضُ تطورات الأسبوع الماضي الأخرى مؤشراتٍ على أن آثارَ هذه الأزمة في أسواق الطاقة قد تكون دائمة.

ورغم أن حظر واردات الخام الروسي إلى أميركا الذي أعلن الأسبوع الماضي هي خطوة رمزية وليست مؤثرة، فقد استوردت أميركا خاما ومشتقات نفطية روسية العام الماضي بمعدل 670 ألف برميل يوميا، ما يشكل نحو 8% فقط من إجمالي وارداتها النفطية.كما أن كل أعضاء الاتحاد الأوروبي أعلنوا صراحة أنهم لا يرغبون في قطع إمدادات الطاقة الروسية بشكل فوري بسبب اعتمادهم الكبير عليها.لكن هناك عاملين آخرين يؤثران في تلك الإمدادات، أحدهما قصير الأمد والآخر متوسط المدى، أولهما هو ما بات يشار إليه بالعقوبات الذاتية، أي أن العديد من الشركات التي تعمل في قطاع الطاقة من أنشطة التمويل أو التداول أو الخدمات اللوجستية، جميعها بدأت تنأى بنفسها عن أية عمليات تجارية أو صفقات مرتبطة بإمدادات طاقة روسية.وبات أثرُ هذا العزوف واضحا في الخصومات السعرية على خامات اليورال الروسية، حيث كان يسعر في السابق بخصم عن مؤشر قياس برنت بواقع الدولارين تقريبا، لكن بات هذا الخصم السعري اليوم يصل إلى أكثر من 20 دولارا لبرميل اليورال الروسي.كما أنه في بعض الحالات التي قدم فيها هذا الخصم في عدد من الصفقات في السوق الفورية للنفط، لم تجد تلك البراميل من يزايد عليها. حيث أن عزوف المشترين نابع من المخاطر المالية أو اللوجستية أو حتى المخاوف من تأثر السمعة التجارية بسبب التعامل مع البراميل الروسية.كان لهذا العامل أثرا واضحا على الإمدادات في الفترة القصيرة الماضية، أما العامل الثاني والذي سيكون له أثر في أسواق الطاقة على الأمد المتوسط هو خطة الاتحاد الأوروبي لتقليص اعتماده على الطاقة الأحفورية الروسية. حيث أطلق الاتحاد خطة ً يستهدف فيها معالم تحقيق هذا الهدف قبل عام 2030.يتمثل الهدف في الاستعاضة عن 155 مليار متر مكعب سنويا من واردات الغاز الروسي بمصادر غاز أخرى إلى جانب خفض الاستهلاك هذه الاستراتيجية تتضمن خطوات مثل: خفض الطلب على الوقود الأحفوري الروسي من خلال تعزيز مشاريع الطاقات المتجددة وتسريع نشر المضخات الحرارية ذات الكفاءة الأعلى. إلى جانب إيجاد مصادر غاز بديلة عبر الأنابيب وعبر محطات الغاز المسال. إضافة الى الاستثمار في الهيدروجين.كما ستفرض السلطات الأوروبية على جميع خزانات الغاز الطبيعي حدا أدنى من المخزون قبل موسم الشتاء في الأول من أكتوبر من كل عام، يصل الى 90% من قدراتها التخزينية.لا شك أن الخطة الأوروبية لخفض اعتمادها على الطاقة الروسية طموحة جدا. وقد لا تنجح في تحقيق مستهدفاتها في الأوقات المحددة. ولكن القرار الاستراتيجي اتخذ بالتخارج من معادلة الاعتماد على روسيا.وسيكون لهذا القرار أثرٌ جسيم على منظومة الطاقة ككل، ليس الأحفورية فحسب، وسيجد صداه ليس فقط في أوروبا بل في كل أصقاع الأرض.بالتالي مهما سيحدث الآن في أوكرانيا، فإنها تبقى لحظة تاريخية بكل المقاييس لقطاع الطاقة العالمي، ونقطة تحول لا رجعة فيها.

إلى ذلك، قال رئيس مجلس إدارة كويت إنرجي منصور بوخمسين، إن توقعات وكالة الطاقة الدولية بتوقف إمدادات روسيا مبالغ فيها، موضحا أن العالم يعاني من نقص الإمدادات حتى قبل الحرب الأوكرانية.وأضاف بوخمسين في مقابلة مع “العربية”، أن نقص الإمدادات سببه تراجع الاستثمارات في القطاع النفطي من قبل الشركات الكبرى.وتوقع أن يتأثر الإنتاج الروسي بما يتراوح بين مليون إلى 1.5 مليون برميل يوميا، وليس أكثر من ذلك.من جهتها، قالت الرئيس التنفيذي لـ Crystol Energy كارول نخلة، إن عدة سيناريوهات أكثر تشاؤما بحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية في حال زادت العقوبات.وتابعت كارول في مقابلة مع “العربية”: “في تجارة النفط إجمالا هناك غموض وشفافية منخفضة.. ففي الوقت الذي امتنع البعض عن شراء النفط الروسي كان هناك آخرون يشترونه”.وذكرت كارول أن بعض المصافي الآسيوية تستفيد من انخفاض أسعار النفط الروسي عن الأسعار السوقية.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version