أثارت أنباء المدفوعات الروسية لمجموعة «فاغنر»، جدلاً دولياً كبيراً؛ إذ عدته وسائل إعلام غربية بمنزلة ثغرة قد تسهّل ملاحقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومقاضاته مع الدولة الروسية على جرائم حرب ارتكبها مقاتلو «فاغنر».
الأمر الذي دفع إلى تساؤلات جادة حول إمكانية حدوث ذلك، وهل إثبات هذا الدعم المالي سيجعل بوتين مسؤولاً بشكل مباشر عن جرائم فاغنر؟ أو حل سيجعله متورطاً على الأقل؟ أو بتعبير أدق قد «زج بنفسه إلى ملاحقات دولية محتملة بالفعل في هذا الشأن»؟
ملاحقة بوتين دولياً
الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي العام، يوضح في حديثه لصحيفة «الخليج»، أنه في البداية يجب أن ندرك أن الغرب يلاحق الرئيس بوتين بالفعل؛ وذلك بموجب مذكرة الاعتقال الأخيرة، التي صدرت بحقه شخصياً عن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، والتي تزعم اتهامه بارتكاب جريمة النقل القسري للأطفال الأوكرانيين خارج دولتهم إلى روسيا الفيدرالية.
أما ما يخص مجموعة «فاغنر» فقد آثر الرئيس بوتين النأي بنفسه عن أي صلة أو التصريح بأن هناك صلة قانونية للدولة الروسية بمجموعة «فاغنر»؛ وذلك حتى يتحلل الرئيس بصفته الشخصية أو تتحلل الدولة الروسية من أي مسؤولية دولية عن ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية قد تكون ارتكبتها هذه المجموعة.
كيفية إثبات الاتهامات
أكد أستاذ القانون الدولي العام أن جانب التمويل المالي، يعد أحد أشكال المساهمة الجنائية الدولية، إذا ثبت من قِبل كبار المسؤولين، وكذلك أي عملاء بالوكالة يرتكبون جرائم دولية، مثل حالة مجموعة «فاغنر»، لكن الأهم في إثبات الصلة الواقعية، هو مدى سيطرة الدولة الروسية على هذه المجموعة العسكرية.
والسيطرة هنا تعني إصدار الأوامر والتعليمات والتدريب وغيرها من أمور تؤكد سيطرة وطاعة ووجود شكل من أشكال التسلسل في القيادة العسكرية بين مجموعة «فاغنر» والرئيس الروسي.
ولفت الدكتور أيمن سلامة إلى أن المسؤولين الروس أنكروا أي صلة قانونية لهم بمجوعة «فاغنر».
وكان الإنكار الصريح عن أي صلة بمجموعة «فاغنر» مرتين؛ الأولى في عام 2018 في سوريا حين أنكرت موسكو أي علم بأنشطة «فاغنر»، التي ما تزال تعاون عسكرياً الحكومة السورية، أما المرة الثانية فكانت في جمهورية إفريقيا الوسطى في عام 2021، حين ردت روسيا على تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة، الذي يزعم تورط مجموعة «فاغنر» في ارتكاب جرائم حرب في إفريقيا الوسطى.
هل يتم الاكتفاء بالدعم المادي؟
ويشدد سلامة على أن أي محكمة دولية تقوم بالتحقيق في مسؤولية «فاغنر» عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أو أي محكمة تنظر في مدى مسؤولية الرئيس بوتين وصلته القانونية بهذه المجموعة، لن ترتكن فقط على مسألة الدعم المالي، وإن كان دليلاً من الأدلة بالطبع إذا ثبت ذلك.
لكن أيضاً هناك مسألة مهمة لا بد من إثباتها، ألا وهي سيطرة روسيا الفيدرالية في موسكو على مجموعة «فاغنر» أثناء ارتكابها جرائم ضد الإنسانية، سواء في أوكرانيا أو إفريقيا الوسطى أو أي دولة من الدول.
موقف الولايات المتحدة
على الجانب الآخر، قال الدكتور خالد العزي أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، في حديثه لصحيفة «الخليج»: إن اعتراف بوتين بتمويله لـ«فاغنر»، ليس كلاماً عادياً يمكن الاستناد إليه بأخبار منسوبة لصحيفة أو تسريب؛ بل إنه رئيس لدولة تخوض حرباً تحت شعار «تغيير النظام الدولي»، والذي بدأته في معركتها ضمن إطار تغيير الحدود الطبيعية لأوكرانيا.
وأشار العزي إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تحاول أن تضع «فاغنر» على لوائح الإرهاب، لكن اللوائح لا يمكنها شمل منظمة غير مرخصة، وكان يجب عليها وضع أسماء، ومن هذه الأسماء يفغيني بريغوجين، الذي تم وضعه سابقاً، إضافة إلى منعه من السفر؛ لذلك تعثر طريقه بأي اتجاه.
وأكد العزي أن بريغوجين هو الزعيم الشكلي والممول لـ«فاغنر»، وتابع: «إذن المشكلة هي أن «فاغنر» بمنزلة أدوات استخدمتها الدولة الروسية، وهذه الاستخدامات كانت في محاربة الآخرين، والوصول إلى مناطق رخوة تعد روسيا أن السيطرة عليها، تمكنها من لعب دور جديد في القطبية أو النظام العالمي الجديد
وأوضح أن الولايات المتحدة قبل الحادثة كانت تدرس وتفكر كيف ستضع قيادات «فاغنر» والمنتسبين إليها من الدرجات الثانية والأولى والثالثة تحت العقوبات الدولية، إضافة إلى الكيانات التي تؤمن لـ«فاغنر» عملية التواصل في الاستثمارات الاقتصادية، وشراء السلاح.
واستطرد: عندما كبر طموح «فاغنر» أصبحت تريد أن تلعب دوراً أساسياً في السلطة، إذا لم نقل الانقلاب على بوتين، وإنما كانت تريد تفعيل دورها من خلال السيطرة على وزارة الدفاع بشخص وزير الدفاع، وقائد الأركان، لكي يمكن إيجاد شخصية تناسب «فاغنر»، لأنه من يسيطر على الجيش وجنرالاته يسيطر على السياسة، أو على الأقل يلعب دوراً بارزاً في السياسة الداخلية لأي دولة.
ولفت العزي إلى أن التوحش الذي شاهده العالم بات يخيف الدول التي تتواجد بها «فاغنر»، وربما الانقلاب الذي حدث ضد نظام الرئيس بوتين كان عاملًا مساعداً للدول والهيئات الدولية للتفكير في تفكيك «فاغنر» دولياً، لأن عدم الاستجابة الروسية الشعبية لـ«فاغنر» على الرغم من أن الرأي العام في روستوف على نهر الدون كانت غير مبالية، ولكن حسب الآراء الشعبية بأن فاغنر لن تكون ولن تحل مكان الدولة، لأن أغلب قادتها ومقاتليها هم من المسجونين.
هذا الشيء أدى بالولايات المتحدة إلى التريث والقول علناً إنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية الروسية، وما يحدث هو شأن داخلي يراد من خلاله الانتظار، وبالتالي الولايات المتحدة قالت وأوزعت لأوكرانيا بقدوم وزير المخابرات الأمريكي، بألا يستغل هذه الفترة تحديداً، كي لا يظهر بأن هناك تعدياً على السيادة الروسية، من هنا أوقفوا وأبطأوا عملية الهجوم.
واختتم أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية حديثه، بأنه بعد هذه الحالة، وبعد الرسالة التي أوصلتها السفيرة الأمريكية في موسكو إلى وزارة الخارجية بأن هذا شأن خاص، كان هناك بالمقابل أن الغرب والناتو والولايات المتحدة يصممون على دعم أوكرانيا حتى الرمق الأخير.
وسيحاولون استغلال جميع الفرص، لثني بوتين عن حلمه بتغيير النظام العالمي القائم على القيادة الأمريكية إلى عالم متعدد الأقطاب؛ وذلك باستغلال الحرب الأوكرانية ونتائجها وكل ما يتعلق بها.