كتب- بنيمين زرزور:
لم تكن تحالفات التعاون الدولي خلال فترة العولمة، توحي بأن وراءها أهدافاً عسكرية مبطنة، كما أنها لم تكن موجهة ضد هذا الطرف أو ذاك، إلا أن الحرب في أوكرانيا وما تلاها من انقسامات معلنة، عرضت بعض تلك التحالفات للإسقاطات السياسية، وربما العسكرية، إن لم تكن أهداف بعضها قد جنحت بحكم الضرورة نحو الاستعداد لما يحمله المستقبل القريب ربما، من تهديدات.
لكن قرار الهند، التي استضافت القمة الأخيرة لمنظمة شنغهاي، تنظيمها عبر الإنترنت لم يخرج ربما عن حرج مثل تلك الإسقاطات، خاصة للدولة المضيفة. وعلى الرغم من أن أهداف قادتها المعلنة، هي إقامة علاقات أوثق وتعزيز التعاون داخل الكتلة الأوراسية، فإنهم أعادوا تأكيد أن المجموعة ليست موجهة ضد أي دول أخرى.
تضم منظمة شنغهاي للتعاون؛ وهي مجموعة أوراسية تشكلت في عام 2001 من قبل بكين وموسكو، كلاً من الهند وباكستان وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، كما انضمت إيران إلى التجمع، لتصبح العضو التاسع. ووقعت بيلاروسيا مذكرة التزامات سوف تؤدي إلى حصولها على العضوية عام 2024. وهناك ثلاث دول مراقبة، و14 شريكاً في الحوار، بإجمالي 26 عضواً، ما يزيد من ثقل الكتلة في الوقت الذي تسعى فيه إلى توسيع نفوذها ومواجهة النفوذ الغربي في المنطقة – وهو شعور كان أكثر وضوحاً في التوجهات الفردية لكل من الصين وروسيا.
وقال بيان مشترك للزعماء في نهاية أعمال القمة، إن أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون يعارضون نهج التكتل والأيديولوجية والمواجهة لمعالجة المشاكل والتحديات الأمنية.
التوسع الآحادي
وانتقد البيان الآثار السلبية للتوسع الأحادي وغير المحدود لأنظمة الدفاع الصاروخي العالمية من قبل دول أو مجموعات معينة من البلدان، من دون الإشارة مباشرة إلى توسع «الناتو» والمساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا.
ولم تقدم نيودلهي تفسيراً محدداً عندما أعلنت الشهر الماضي أنها ستعقد الحدث عبر الإنترنت، مشيرة يوم القمة إلى أن التنسيق «لا يشير بأي حال من الأحوال، أو يلمح، إلى التخفيف من أهمية الأهداف التي نحاول رؤيتها في قمة منظمة شنغهاي للتعاون».
إلا أن المراقبين يقولون: إن مودي – الذي كان منشغلاً في توطيد علاقات الهند مع الولايات المتحدة من خلال زيارة الدولة التي قام بها أواخر يونيو/ حزيران الماضي – ربما كان حريصاً على الأرجح على تجنب فكرة الترحيب ببوتين وشي في العاصمة دلهي.
وقد شهدت القمة الافتراضية، ظهور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأول مرة في منتدى دولي بعد تمرد مجموعة فاغنر؛ حيث طمأن قادة المنظمة على استقرار روسيا ووحدتها.
وحذر بوتين من أن احتمالات نشوب صراعات وخطر حدوث أزمة اقتصادية عالمية، تشهد تصاعداً مستمراً. وأكد عزم موسكو على تعزيز العلاقات مع دول المنظمة.
وتعد روسيا دولاً مثل الصين والهند وإيران شركاء أساسيين في مواجهة الولايات المتحدة، ومقاومة محاولات واشنطن الهيمنة على النظام العالمي.
من جانبه، دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى تعزيز التبادل وضمان الأمن المشترك، وتعزيز التضامن والثقة المتبادلة. وقال: «يجب أن نضع في اعتبارنا المصالح الشاملة وطويلة الأجل لمنطقتنا، وأن نجعل سياساتنا الخارجية مستقلة. يجب أن نكون يقظين للغاية ضد المحاولات الخارجية لإثارة حرب باردة جديدة أو أي مواجهة بين معسكرين».
وركز الرئيس الصيني على ما يعتقد أنه جوهر القضايا الإقليمية والعالمية ومقترحات الصين لحلها، مثل مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية. واقترح أن تقوم منظمة شنغهاي للتعاون بتسريع إنشاء بنك تنمية خاص بالمنظمة، وتعزيز التعاون عبر مبادرة الحزام والطريق واستراتيجيات التنمية لمختلف البلدان ومبادرات التعاون الإقليمي.
وقد دفع كل من شي وبوتين إلى التحول نحو نظام يمكن بموجبه تسوية تبادلات التجارة الخارجية بالعملات المحلية، وهي خطوة تساعد في الالتفاف على استخدام الدولار الأمريكي، خاصة بعد العقوبات التي أعقبت الحرب الروسية في أوكرانيا.
موقف حرج
كان موقف الهند أكثر حرجاً وهي التي تتولى رئاسة منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة العشرين هذا العام. فقد سبق القمة زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى واشنطن؛ حيث شددت الولايات المتحدة على الشراكة الاستراتيجية مع نيودلهي، وهو الجهد الذي فهم منه المحللون استمالة الهند أكثر، لدعم الموقف الغربي في الحرب الأوكرانية في الوقت الذي يزداد التوتر في العلاقات بين الدول الغربية والشراكة الروسية الصينية، ويتزايد حضور بكين الطاغي في الجغرافيا السياسية العالمية.
وفي كلمته التي ألقاها في افتتاح القمة، حث مودي أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون على مكافحة الإرهاب بشكل مشترك، والتصدي للتحديات العالمية مثل نقص الغذاء والوقود والأسمدة. وكرر الدعوة إلى الحوار والدبلوماسية فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا.
وتوجت القمة التي استمرت قرابة ثلاث ساعات، بإصدار إعلان مشترك أقصر بنحو 5000 كلمة من ذلك الذي صدر العام الماضي في قمة سمرقند. كما غابت أيضاً الصور الجماعية النموذجية، وفرص الاجتماعات الجانبية بين رؤساء دول من أوراسيا، والتي تعدها روسيا والصين منذ فترة طويلة، ساحة ساخنة لمواجهة النفوذ الغربي في المنطقة.
وربما رأت بكين أن التركيز على جوهر القمة بعيداً عن الشكليات؛ حيث مُنحت إيران العضوية الكاملة، واتخذت روسيا البيضاء، حليفة موسكو الرئيسية، خطوة في هذا الاتجاه، سبباً آخر لعدم اهتمامها بعقد قمة بارزة وسط جهودها لتكون رسول سلام محتمل بين روسيا وأوكرانيا، ولتحسين العلاقات مع أوروبا.
ولطالما كانت منظمة شنغهاي للتعاون وسيلة لروسيا والصين لإدارة ميزان القوة الخاص بهما في آسيا الوسطى، وتعزيز رؤيتهما المشتركة، لمواجهة ما يعدانه تهديداً للنفوذ الغربي، وهو تهديد أشار إليه كل من شي وبوتين في خطابيهما إلى المجموعة.