كشف الفكاهي الجزائري عبد القادر السيكتور، عن أسرار حب الجمهور له واستمراره في زرع الابتسامة لدى جمهوره الواسع في الجزائر وخارجها لعقود، ويقول في حوار مع “العربية. نت”، إن إضحاك الناس نعمة منحه الله إياها ورسالة يعيشها في كل مرة يصعد فيها إلى خشبة المسرح، ويسعى للمحافظة عليها، كما يطمح في تجسيد دور تلفزيوني في حال كان من إنتاج المخرج الشهير جعفر قاسم، ويَعتبر أنّه وحده من يستطيع استيعاب موهبته الفنية.
*وقف السيكتور في مسيرته فوق خشبة مسارح عدّة وفي دول مختلفة، فماذا يعني لك اللقاء مع الجمهور، وبالأخص الجزائري؟
أنا أحب جمهوري كثيرا وأضع له اعتباراً كبيراً في كل مكان أذهب إليه، لأنّه راقٍ ومتخلق ومحترم، ولعل أهم ما يجذبه لعروضي أنّها تستهدف كل شرائح المجتمع ما يُضفي ذلك الجو العائلي للأعمال الفنية التي أقدمها، لكن تربطني علاقة عاطفية بجمهوري في الجزائر يُمكن الشعور بها أكثر من القُدرة على التعبير عنها أحياناً.
في عروضي السابقة كان الجمهور في الجزائر يأتي لأنه مُتحمس للعرض الذي يُقدمه السيكتور، لكن ما لاحظته في عرضي بمهرجان الضحك الذي أقيم سهرة الخميس 13 يوليو بالعاصمة الجزائرية، أنّه مُتعطش للضحك، خصوصاً بعد فترة كورونا وفي ظل قلة العروض الفنية والمسرحية، فعلى الرغم من أننا في فصل حار إلا أنّه جاء للاستمتاع بالعروض للترفيه عن نفسه، إذ تشعر وكأن الجزائري لديه حاجة إلى الضحك، وهذا ما يجعلني أتمنى أن يبقى مهرجان الضحك قائماً وألا يتوقف.
*يعترف فنانون كُثر أن إضحاك الناس مهمة صعبة، فهل هي كذلك بالنسبة لكَ؟
لدي مسؤولية كبيرة فوق خشبة المسرح، لأن الجمهور الذي يأتيني يطلب الجديد ويعلم أنه سيجده في عروضي لأنّه يبحث عن الضحك، وهذا ما يجعلني أجتهد في تحضير عروضي التي تتطلب كتابتها أحيانا ستة أشهر وقد تدوم سنة كاملة، ويأخذ مني التدريب 4 أشهر، أما الارتجال فوق خشبة المسرح فهو مُهمّة أخرى أقوم بها وبقدر ما هي ضرورية إلا أنّها صعبة في نفس الوقت لأنّ كل كلمة يمكن أن تفهم في غير محلّها.
نشأتي في فرنسا علمتني أن المحتوى جدا مهم، صحيح أن اسم الفنان يلعب دورا في جذب الجمهور لكن هذا الجمهور يبحث أيضاً عما سيقوله الفنان، وهو ما يجعل المحتوى أقوى من الاسم في حد ذاته حتى لو تم وضع صورة الفنان المشهور في الواجهة والترويج له على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن لا زلنا في مرحلة نُراهن فيها على الاسم أكثر من المحتوى.
*من أين يستوحي السيكتور مواضيعه؟
أنا أعرف جمهوري جيداً لأنني أعبّر عما يفكر به بصوت مرتفع، ذلك بالتركيز على المواضيع المعاشة التي تثير انتباهه، الأشياء البسيطة تصنع الفارق، وهنا أعطيك مثالاً بسيطاً فقط، في إحدى مقاطعي الفكاهية تحدثت عما عايشته أنا في منزلي في فترة كورونا وكيف أثر الحجر علينا، وقلت إنني أصبحت ألتقي زوجتي كثيرا وأنتبه للأشياء التي تقوم بها وأصبحت أتفرج المسلسلات، وبمجرد أن بدأت أتحدث وجدت تفاعلاً مع الجمهور لأنّهم عايشوا بطريقة أو بأخرى نفس التجربة فتسمعهم يقولون “نعم لقد حصل لنا نفس الشيء”. هنا تكمن قوّة الفنان في ملامسة الناس وعيش تجاربهم.
*كيف يرى السيكتور، الجزائر فنياً، وهل هناك في اعتقادك إرادة سياسية لتحسين المشهد الثقافي؟
صراحة لست من الأشخاص الذين يتابعون كثيرا الأعمال الفنية لأنني منشغل بعملي، لكن ما أسمعه أنّ الفن يظهر إلا في شهر رمضان بمعنى أنّه أصبح موسمياً، ولا توجد أعمال طوال السنة، يقال أيضاً إنّ الأعمال الدرامية في تحسّن، هذا ما أسمعه، لكن الشيء الذي يُمكن تأكيده أن الضحك ليس حاضراً في التلفزيون وكل ما هو موجود حالياً يميل للتفاهة.
ما يؤسف أن بعض المنتجين أصبحوا يستقطبون من يظهرون في السوشيل ميديا حتى وإن لم تكن لهم خبرة وغير مكونين، صحيح هؤلاء قادرون على صناعة دقائق من الفُرجة لكن لا يُمكنهم الاستمرار في ذلك، لكن يبدو أنّ الغاية هي البحث عن أشخاص مشهورين على مواقع التواصل الاجتماعي وليس فنانين قادرين على الإبداع.
وهنا أشير إلى الفنان القدير صالح أوقروت، الذي يبقى مدرسة في الفن، من المجحف أن نترك خبرته تذهب دون استفادة الأجيال منها، وإلا كيف سيكون لنا جيل من الفنانين يخلف عمالقة الفن الذين سجلوا أسماءهم بأعمال فنيّة رائدة ويرحلون يوماً.
مشكلة الفن تكمن في الاستثمار في المورد البشري والمالي، الفنان الحقيقي الذي لديه رصيد وخبرة بالتأكيد سيطالب براتب محترم يوازي قيمة العمل، أما من يَستعينون بوجُوه من الفيسبوك من أجل عمل فني في رمضان فأعتقد أنّهم يُفكرون بمنطق تجاري ولا يهمهم مستقبل الفن.
على الفنانين ألا ينتظروا شهر رمضان فقط، وأن يُبادروا طوال السنة بالترويج لأنفسهم ومواهبهم وأعمالهم في كل الوسائل المتاحة حالياً سواء مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام. التسويق الذاتي جد مهم للفنان والناس متعطشة للفن الهادف وليس لسماع شكاوى الفنانين في البلاتوهات وانتقاد الآخرين.
*هل يمكن أن نراك في الشاشة، ومن هو المخرج القادر على احتواء موهبة السيكتور وتحويلها إلى عمل تلفزيوني؟
بكل صراحة وصدق، هناك مُخرج واحد قادر على ذلك، وهو جعفر قاسم. وهنا لا أخفيكم أنّه حصل فيما سبق سوء تفاهم بسيط بيننا، وصراحة أغضبني ذلك المشكل لأنّ من كان وسيطاً بيننا كان المتسبب الرئيسي في المشكل، لكن ما أثارني هو أن جعفر قاسم لم يُكلف نفسه عناء التأكد مني، وكان حرياً لو اتصل بي لتوضيح الأمور من خلال السماع للطرفين.
لكن رغم ذلك أنا أحترم المخرج جعفر قاسم كثيراً وأقدر ما يقوم به من أعمال فنية، وفي كل مرة يسألونني عنه أقول بأنّه الرقم واحد في قائمة المخرجين وبدون مجاملة.
*ما هو الدور الذي ترغب في تجسيده؟
أرى نفسي في جميع الأدوار لأنني مُتعود على المسرح، لكن يمكنني تجسيد شخصية رجل (واعر) صعب المِراس، لأنني أحمل هذا الطبع في شخصيتي، كما يُمكنني أن ألعب دور شخص (حنين) ودود.
*قد تتداخل السياسة مع الفن، كيف يحاول السيكتور الموازنة بينهما؟
أنا أضع خطاً أحمر للسياسة، لأن الحديث في مواضيعها يجعلك تنحاز لجهة معينة، ومهمتي زرع الابتسامة لدى الجمهور بتنوع شرائحه بمن فيهم الوزير والجنرال والرئيس والطبيب والميكانيكي والبطال، وأحاول أن تكون عروضي فُرصة للم الشمل لا التفرقة، وعندما أُريد الحديث عن موضوع مُعين فإنّني لا أُشير إلى شخص بعينه، قد أقول حدثني أحدهم وأخبرني بكذا وكذا أو أوظّفَ شخصية والدي رحمه الله، حتى لا أقصد أحداً من الموجودين وسط الجمهور فيَشُك في نفسه.
الجمهور ذكي ويستوعب الرسائل، ففي إحدى المرات كُنت أتحدث عن المشاكل التي تقعُ في المنازل بين الحماة والكنّة وكيف أنّ أم الزوج لا تُعامل زوجة ابنها كما تفعل مع ابنتها وزوجها، فضحك الجميع في القاعة إلا امرأة كانت رُفقة كنتها ويبدو أنّها شعرت بأنني أقصدها من كلامي.
*ما هو سر شعبية عبد القادر السيكتور؟
في الحقيقة هناك أسرار وكل واحد يأتي من أجل ما يجذبه، أعتقد أن أهم سر هو الجو العائلي الذي أخلقه في عروض المسرحية حيث أتحاشى الكلام البذيء أو قول كلام خارج حدود اللباقة وربما بسبب لهجتي التي هي خاصة، فكما هو معلوم أنا أنحدر من غزوات بولاية تلمسان بالغرب الجزائري على الحدود المغربية، كما أن لصوتي بحة يحبها جمهوري، فهم من يقولون ذلك.
*بعد سنوات من العطاء، ما هي طموحاتك؟
كل شخص يرى الفن بمنظوره الخاص، أما عَني فأعتبر أنّ الله مَنحني نِعمة فيها أشياءٌ كثيرة، أولها مَحبة الناس دُون مُقابل، والقدرة على أن يسمعَ الآخرون ما أقوله، والأكثر من ذلك أن يَخرُج مني كلام يُضحك الآخرين ويُسعدهم، وفي ديننا الإسلام تعتبر الابتسامة في وجه أخيك صَدقة، فما بالكَ إذا كان أعداد المبتسمين بالآلاف، كما أنّ المسرح هو مصدر رزقي أيضاً، وبالتالي فإن طموحي هو أن يَمنحني الله القُدرة لأستمر في إضحاك الناس إلى آخر يوم في حياتي.
لا أرى نفسي في مجال آخر غير الفن، وعندما أسمع الناس في كُل العالم يشكرونَني لأنني زَرعت الابتسامة في وُجوههم أُدرك جَيداً أنّ الله خَلقني لِكي أُضحك الناس، وهذه رسالتي في الحياة ومهمتي الحفاظ عليها دون الدخول في السياسة ولا حتى مهاجمة الآخرين أو الظهور على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الشكوى.
*ما هو الجمهور الذي يطمح السيكتور للقائه؟
نظمت عروضاً عدّة في المغرب العربي وأوروبا كفرنسا وإسبانيا وهولندا وبلجيكا، وحتى دُول عربية كدبي بالإمارات وكندا مرارا وتكرارا، وأرغب في لقاء جمهوري في الولايات المتحدة الأميركية، ومن الوارد جداً أن يكون ذلك خلال عام 2023، لأنني عندما نظمت عرضا في مونتريال بكندا، كان من بين الحضور من مُدن أميركية كواشنطن، ونيويورك وميامي، ولهذا أريد أن يكون لي عرض هناك لأن جمهوري لم يخيبني يوماً وفي كل مرة تكتظ القاعات من أجل حضور عروضي الفكاهية.