تدين الدول النامية للصين بما لا يقل عن 1.1 تريليون دولار، وأكثر من نصف هذه القروض دخل حالياً مرحلة سداد المبلغ الأصلي، لكن المشكلة أن معظم الدول المدينة متعثرة مالياً في الوقت الحالي، ما أثار التساؤلات حول إمكانية استرداد بكين هذه المبالغ الطائلة.

فعلى مدار العقدين الماضيين، منحت الصين آلاف القروض للعديد من الدول النامية على مستوى العالم لدعم مبادرة الحزام والطريق التي أعلنتها بكين في عام 2013، واليوم دخلت أكثر من نصف هذه القروض مرحلة سداد المبلغ الأصلي، وفقاً لتقرير جديد صادر عن معهد (إيد داتا) للبحوث بجامعة (وليام إند ماري) بولاية فرجينيا الأميركية.

وكشف التقرير أن الأقساط المتأخرة المستحقة للمقرضين الصينيين سجلت ارتفاعاً كبيراً، وأن ما يقرب من 80 في المئة من محفظة الإقراض الصينية في العالم النامي تشمل بلداناً تمر بأزمات مالية.

مبادرة الحزام والطريق

لسنوات، حشدت بكين مواردها المالية نحو تمويل البنية التحتية في البلدان الفقيرة لدعم مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الزعيم الصيني شي جين بينغ قبل عقد من الزمن.

تشير كلمة (الحزام) إلى الطرق البرية التي تربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى وجنوب آسيا، وجنوب شرق آسيا، بينما يشير (الطريق) إلى الشبكة البحرية التي تربط الصين بالموانئ الرئيسية عبر آسيا والمحيط الهندي، والشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا، بحسب الموقع الرسمي للمبادرة.

وتم تخصيص مليارات الدولارات التي أقرضتها الصين للدول النامية من أميركا اللاتينية إلى جنوب شرق آسيا خلال العقدين الماضيين لتمويل إنشاء الطرق والمطارات والسكك الحديدية ومحطات الطاقة، وغيرها من مشاريع البنية التحتية التي تدعم أهداف مبادرة الحزام والطريق وتعزز التكامل الاقتصادي بين البلدان المقترضة.

جزء من طريق جوادر السريع المدعوم بقروض صينية في باكستان (CNN)

أُصدرت معظم هذه القروض بعد إطلاق المبادرة في عام 2013 بفترات سماح امتدت من خمس إلى سبع سنوات، قبل أن يُضاف إليها عامان بسبب جائحة كورونا.

وعلى الرغم من أن هذه الخطوة أدت لتقريب العديد من الحكومات من بكين، فإنها حولت الصين لأكبر دائن في العالم، وأثارت اتهامات للدولة الآسيوية بالإقراض غير المسؤول.

والآن، دخلت 55 في المئة من قروض الدول النامية للدائنين الصينيين فترات استحقاقها، وفقاً لتقرير (إيد داتا) الذي شمل تحليلاً للتمويل الصيني الخارجي خلال العقدين الماضيين عبر 165 دولة.

لكن هذه المستحقات تأتي في ظل مناخ مالي صعب ومليء بالتحديات يتسم بارتفاع أسعار الفائدة، وضعف أداء العملات المحلية، وتباطؤ النمو العالمي.

«على مدى العقد الماضي، كانت الصين أكبر دائن رسمي في العالم، والآن أصبحت أكبر محصل رسمي للديون في العالم»، هكذا وصف التقرير الوضع الصيني فيما يتعلق بمحفظة القروض الممنوحة للدول النامية.

القروض الصينية للدول النامية

تستند إحصاءات معهد (إيد داتا) إلى قاعدة بياناته التي تتعقب محفظة تُقدر بـ1.34 تريليون دولار من التزامات القروض الممنوحة من الحكومة الصينية لمؤسسات القطاعين العام والخاص في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بين عامَي 2000 و2021.

واستشهد التقرير أيضاً بالبيانات التي أبلغ عنها المقرضون لبنك التسويات الدولية في سويسرا، والتي كشفت أن المقترضين في البلدان النامية يدينون للمقرضين الصينيين بما لا يقل عن 1.1 تريليون دولار.

وأوضح المعهد في تقريره أنه حتى عام 2008، لم تضطر بكين يوماً للتعامل مع أكثر من عشر دول متعثرة مالياً في الوقت ذاته، لكن بحلول عام 2021، وجدت الدولة نفسها مضطرة للتعامل مع ما لا يقل عن 57 دولة متعثرة لديها التزامات مستحقة لدائنين حكوميين صينيين.

ويبدو أن هذا قد يشكل عاملاً فارقاً في تغيير الطريقة التي تمنح بها الصين القروض، فقد ظلت الدولة الآسيوية لفترة طويلة ملاذاً للدول النامية الراغبة في تمويل مشاريع البنية التحتية باهظة الثمن التي أكسبت بكين سمعة طيبة في جميع أنحاء العالم النامي، لكن ذلك قد يشهد تراجعاً ملحوظاً مستقبلاً مع تركيز الصين على قروض الإنقاذ الطارئة فقط.

وبالفعل، رصد التقرير انخفاضاً في التزامات التمويل الإجمالية المقدمة من الصين للعالم النامي في بداية الوباء لتنخفض من ذروتها البالغة 150 مليار دولار في عام 2016 إلى أقل من 100 مليار دولار في عام 2020، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2014.

على الرغم من ذلك، يرى باحثو المعهد أن الصين لا تزال أكبر مصدر رسمي لتمويل المشاريع التنموية في العالم، وهي تتفوق في هذا الصدد على جميع الاقتصادات المتقدمة في مجموعة السبع وكذلك على المقرضين متعددي الأطراف.

فبكين ما زالت تقدم قروضاً بعشرات المليارات من الدولارات، والتي قدرتها (إيد داتا) بنحو 79 مليار دولار في عام 2021، بالمقارنة، بلغ إجمالي التزامات التمويل المقدم من البنك الدولي نحو 53 مليون دولار خلال العام ذاته.

على الجانب الآخر، تكثف الولايات المتحدة وشركاؤها في مجموعة السبع جهودها لمنافسة التنين الأصفر، وقد تجاوزت هذه الدول مجتمعة الصين بنحو 84 مليار دولار في عام 2021.

مشروعات البنية التحتية

لكن لا يمكن إنكار تغير سياسة الإقراض الصينية تجاه الجهود التنموية، فقد انخفضت نسبة قروض مشاريع البنية التحتية من إجمالي القروض المقدمة للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل من 65 في المئة في عام 2014 إلى 50 في المئة في عام 2017، ثم إلى 49 في المئة في عام 2018 و31 في المئة في عام 2021.

في ذلك العام، كان 58 في المئة من القروض موجهة لحزم الإنقاذ الطارئة لمساعدة البلدان المتعثرة على الصمود في مواجهة الأزمات عبر دعم احتياطاتها الأجنبية وتصنيفاتها الائتمانية أو مساعدتها في سداد أقساط الديون المستحقة عليها لمقرضين دوليين آخرين.

الصين تمول عدد من المشاريع التنموية بالدول النامية
الصين تمول سد كاروما ومحطة كاروما للطاقة الكهرومائية في أوغندا (CNN)
شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version