خاص

شركة WeWork “وي وورك”

بعد سنوات طويلة أمضتها في محاولات إنقاذ أعمالها، لم تنجح شركة WeWork “وي وورك” في التخلص من شبح الإفلاس الذي لطالما لاحقها منذ عام 2019، لتعلن في 6 نوفمبر 2023 عن استسلامها للأمر الواقع، طالبة من محكمة فدرالية في نيو جيرسي حمايتها من الإفلاس بموجب الفصل رقم 11.

ويتوج طلب الحماية من الإفلاس مساراً طويلاً من التخبط والتعثر، خاضته إمبراطورية “وي وورك” الأميركية على مدى سنوات، حيث بدأت معاناة الشركة المتخصصة في تأجير مساحات العمل المشتركة مع انهيار خططها للاكتتاب العام في عام 2019، ما أدى إلى تخفيض تقييمها من 47 مليار دولار خلال أيام النعيم، إلى نحو 8 مليارات دولار خلال فترة لا تتجاوز العشرة أشهر.

من هي WeWork؟

هي شركة أميركية توفر مساحات مكتبية مشتركة للإيجار، تأسست في عام 2010، ومقرها في مدينة نيويورك.

تقدم WeWork خدماتها لرواد الأعمال والشركات الكبيرة، ويعمل لديها أكثر من 5 الآف موظف في 32 دولة حول العالم، وقد بلغت قيمة الشركة في 2017 نحو 20 مليار دولار أميركي، مع توسيع أعمالها في أميركا وأوروبا وإسرائيل، ودخولها للسوق الصينية، عبر إنشاء كيان مستقل يحمل اسم WeWorkChina.

وفي العام 2018، تمكنت “وي وورك” من إدارة أكثر من 4 ملايين متر مربع، وحظيت بشهرة كبيرة مع توفيرها لأماكن للقيلولة في مساحاتها المكتبية.

بداية الانهيار وأسبابه

تفجرت أزمة “وي وورك” في شهر سبتمبر 2019، عندما كانت الشركة تخطط لطرح أسهمها في البورصة، عند قيمة تتجاوز الـ 47 مليار دولار أميركي، ومع اقتراب موعد الطرح، شكك المساهمون بحجم تقييم WeWork معتبرين أنه أكثر بكثير مما ينبغي، فاستشعرت الشركة هذا الأمر وبدأت بتسريب معلومات، عن نيتها تخفيض القيمة إلى ما دون الـ 20 مليار دولار، ما زاد من تشكيك المستثمرين بوضعها، لتضطر بعدها “وي وورك” إلى تجميد عملية الطرح.

وكانت البيانات المالية التي تقدمت بها WeWork، لإتمام الأمور التنظيمية المتعلقة بالاكتتاب في بورصة نيويورك، لعبت دوراً كبيراً في تزايد الشكوك حولها، فأظهرت البيانات أن الشركة لا تزال تعاني لتحقيق الأرباح، مع بلوغ خسائرها نحو ملياري دولار في 2018، إضافة إلى ذلك كان هناك قلق بين صفوف المستثمرين من سلوك وعدم صدق مؤسس الشركة آدم نيومان، مع اكتشافهم أنه حقق مئات الملايين من الدولارات عبر عمليات البيع والاقتراض مقابل أسهم شركته.

المنقذ الياباني

بعد فشل عملية الاكتتاب أصبحت “وي وورك” في حاجة ماسة للسيولة، حيث كانت 30 بالمئة فقط من مساحاتها التأجيرية، هي التي تولد لهاً دخلاً، وكانت تحتاج إلى مليار دولار إضافية، لإعداد المساحات الأخرى للإيجار، وبالتالي وجدت نفسها غير قادرة على الحصول على التمويل اللازم، لتمويل خططها الاستثمارية.

وفي نهاية أكتوبر 2019 وافقت WeWork على العرض الذي قدمه “سوفت بنك” الياباني للاستحواذ على 80 بالمئة من أسهمها، مقابل حزمة إنقاذ بقيمة 9.5 مليار دولار، وبموجب هذه الصفقة عرض “سوفت بنك” شراء أسهم بقيمة تصل إلى 3 مليارات دولار من المساهمين، وضخ 5 مليارات دولار في صورة قروض من مؤسسات مالية، إضافة إلى تسريع تمويل بقيمة 1.5 مليار دولار.
كما تضمنت الصفقة خروج مؤسس “وي وورك” آدم نيومان من الشركة، مقابل احتفاظه بأسهم قيمتها 1.2 مليار دولار.

“سوفت بنك” يحاول التراجع

وفي عام 2020 أعلن “سوفت بنك” أنه لن يمضي قدماً في صفقة الإنقاذ، مما دفع مؤسس “وي وورك” آدم نيومان إلى رفع دعوى قضائية تطالب المؤسسة اليابانية بالالتزام بما تم الاتفاق عليه، ليتم الإعلان في عام 2021 عن تسوية النزاع القانوني بين الطرفين، مقابل إنفاق “سوفت بنك” نحو نصف قيمة ما اتفق عليه على عملية شراء الأسهم، ليتم بعدها طرح WeWork للاكتتاب العام في بورصة نيويورك في عام 2021 بتقييم مخفض للغاية يبلغ حوالي 9 مليارات دولار.

لعنة الخسائر تلاحق WeWork

ولم تشهد الأعوام اللاحقة لعام 2021 انحساراً في مشكلات WeWork، حيث لم تحقق الشركة أي ربح على الإطلاق من الخطوات التي قامت بها، إنما استطاعت تقليص خسائرها في عام 2022 إلى نحو 2.3 مليار دولار، أي قرابة نصف الخسائر التي تم تسجيلها في عام 2021.

وفي أغسطس 2023 حذرت “وي وورك” من قرب إفلاسها، ما هوى بقيمة أسهم الشركة إلى 12 سنت وليفقد بذلك السهم أكثر من 98 بالمئة، من قيمته المسجلة بعد طرح الشركة للاكتتاب في بورصة نيويورك في 2021.

طريقة وحيدة للبقاء على قيد الحياة

أيقنت WeWork أنه لا يمكنها الاستمرار، سوى من خلال المطالبة بالحماية من الإفلاس بموجب الفصل رقم 11، واستخدام أحكام هذا القانون لتخليص نفسها من بعض عقود الإيجار المرهقة.

وفي دعوى أمام محكمة الإفلاس في نيوجيرسي، أدرجت “وي وورك” أصولاً بقيمة 15.06 مليار دولار والتزامات بقيمة 18.66 مليار دولار اعتباراً من 30 يونيو 2023.
وقالت في بيان إنه كجزء من ملف طلب الحماية من الإفلاس، بات بإمكانها المطالبة برفض عقود إيجار مواقع معينة كانت غير منتجة إلى حد كبير.

وتوقعت WeWork أن يكون لديها السيولة المالية لمواصلة العمل بشكل طبيعي، مشيرة إلى أن مواقعها خارج الولايات المتحدة وكندا، لم تتأثر بإجراءات طلب الحماية من الإفلاس.

نفقات تفوق الإيرادات

ويقول الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور نسيب غبريل، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن “وي وورك” هي شركة تستأجر مكاتب بعقود طويلة الأمد، تصل إلى 15 عاماً لتقوم بتأجيرها لشركات أخرى، حيث ترتبت عليها مستحقات بقيمة 47 مليار دولار أميركي، نتيجة عقود الإيجار طويلة الأمد التي التزمت بها، بينما كانت إيراداتها المؤكدة نحو 4 مليارات دولار فقط، مشدداً على أن WeWork تعاني من عدة مشاكل، أهمها عدم وضوح نموذج أعمالها ومشاكل في الحوكمة، ووجود تضارب واضح في مصالح المسؤولين عنها، إضافة إلى تضخيم قيمة الشركة.

ولفت غبريل إلى أن انطلاق شرارة انهيار WeWork، تمثل بما افتعله المؤسس السابق آدم نيومان وزوجته من استغلال شخصي لإيرادات الشركة لتمويل حياتهما الشخصية، وشراء عدة شقق وقصر فخم في نيويورك، إضافة إلى شراء طائرة خاصة تم وضعها بإسم الشركة، وذلك لاستخداماتهما الشخصية، كاشفاً أن نيومان قام أيضاً بتسجيل كل الكلمات التي لها علاقة بعلامة We كحقوق لشركة أخرى يملكها هو فقط، حيث كان على WeWork أن تدفع لشركة لنيومان مبالغ بملايين الدولارات نظير استخداماتها لهذه الكلمات.

ويرى غبريل أن أزمة “وي وورك” قديمة وبدأت قبل كورونا، ولا علاقة لها بالوضع الاقتصادي السيء وهو ما دفع بالعديد من المؤسسات الإعلامية إلى الإضاءة على ما تقوم به الشركة من مخالفات، كما تم نشر العديد من التحقيقات التي تؤكد أن إفلاس WeWork هو أمر محتم، لافتاً إلى أنه على الشركة وبعد طلب الحماية من الإفلاس أن تستعيد ثقة المستهلكين، من خلال توضيح نموذج أعمالها وتقديم تقييم موضوعي وواقعي عن حالتها والتأقلم مع وضعها الجديد من خلال عدم التوسع وتخفيض نفقاتها وإثبات أنها قادرة على تحقيق أرباح على المدى المتوسط والطويل.

أخطاء قاتلة

من جهته، يقول المحلل المالي محمد الحسن، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الأخطاء على أنواع في عالم الأعمال، وما حصل مع “وي وورك” يعود سببه لإرتكاب الشركة أخطاءً قاتلة على الصعيد الإداري والمالي، بدأت مع السلوك الغريب الذي انتهجه مؤسسها آدم نيومان، ما أدى إلى خروج الاكتتاب العام في 2019 عن مساره، لتستكمل الشركة مسار التراجع، بسبب الوضع الاقتصادي العالمي السيء الذي تسبب به انتشار فيروس كوفيد- 19 ولاحقاً ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية، وتأثيرها على التضخم ولجوء البنك المركزي الأميركي إلى رفع الفائدة، لافتاً إلى أن WeWork قاتلت للصمود في سوق شهدت تغييرات متسارعة، ولكن ما حصل من مزيج جمع بين سوء الإدارة وسوء الحظ أدى إلى إعلان الشركة في نهاية المطاف عن إفلاسها الذي لم يكن مفاجئاً.

وبحسب الحسن فإنه في بعض الأوقات يمكن أن تقوم الشركات بكل ما عليها فعله لإنقاذ أعمالها، ولكنها قد تفشل رغم ذلك، فـ “وي وورك” كانت تعاني بالفعل من متاعب في سداد ديونها، وهي لذلك اتخذت خطوات عديدة ساهمت في حصول تراجع كبير في تكاليف التشغيل وأدت إلى ارتفاع الإيرادات، كما أنها انخرطت في عملية لإعادة هيكلة ديونها، وتمكنت من تعديل 590 عقد إيجار، مما وفر حوالي 12.7 مليار دولار من دفعات الإيجار الثابتة، ولكن هذا لم يكن كافياً للتعويض عن تداعيات جائحة كوفيد-19 التي غيّرت من مفهوم العمل، إضافة إلى ارتفاع كلفة الإقراض بسبب ارتفاع مستويات الفائدة.

أخبار الشركات

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version