خاص

الرئيس الصيني شي جين بينغ

تُوجه الأنظار هذا الأسبوع إلى مدينة سان فرانسيسكو الأميركية، حيث قمة مرتقبة بين زعيمي أكبر اقتصادين في العالم، يُعول عليها في كسر الجمود وإذابة الجليد وتحقيق الاستقرار على مستوى العلاقات الثنائية، بناءً على سلسلة متصلة من اللقاءات رفيعة المستوى التي جمعت بين مسؤولي البلدين في الفترات الأخيرة.

يزور الرئيس الصيني، شي جينبينغ، الولايات المتحدة هذا الأسبوع في الفترة من 14 إلى 17 نوفمبر، وذلك للمرة الأولى منذ العام 2017، على أن يلتقي نظيره الأميركي جو بايدن، الأربعاء، بالتزامن مع قمة منتدى التعاون آسيا المحيط الهادئ (أبيك) التي تستضيفها سان فرانسيسكو.

يُعول على هذه القمة لمعالجة العلاقات المتوترة بين أكبر اقتصادين في العالم، وتأتي الملفات التجارية والاقتصادية ضمن أبرز الملفات التي يُنتظر أن يتم تحقيق اختراقات إيجابية فيها بعد سلسلة من التصعيد المشترك وتشديد القيود المتبادل بين الجانبين منذ عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

وذلك جنباً إلى جنب والقضايا السياسية العالقة، والتي تحظى بخلافات أكثر عمقاً، ومن بينها الملف التايواني.

فضلاً عن مساعي ترتيب العلاقات الثنائية وتحقيق الاستقرار فيها وإعادة العلاقات العسكرية بشكل خاص، طبقاً لما أعلنه مستشار الأمن القومي الأميركي أخيراً، وغيرها من الملفات.

وبعد تأزم العلاقات وتوسّع نطاق الخلافات الواسعة على عديد من الصعد، ورغم الأصوات المنادية بـ “فك الارتباط الاقتصادي”، شهدت الفترات الماضية عديداً من المحاولات من جانب البلدين من أجل “إذابة الجليد” والحفاظ على حد مناسب من العلاقات، وبما يضمن المصالح المشتركة.

تجسدت تلك المحاولات من خلال اللقاءات المتكررة التي أجراها مسؤولون أميركيون مع نظرائهم في الولايات المتحدة الأميركية، ومن أهم تلك اللقاءات كان الاجتماع الذي جمع وزير الخارجية الصيني وانغ يي، مع مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان، في سبتمبر الماضي.

جاء هذا اللقاء ضمن سلسلة من المحادثات رفيعة المستوى التي عقدها البلدان، وكان الأحدث فيها لقاء وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، ونائب رئيس الوزراء الصيني، هي ليفينغ، الشهر الجاري في سان فرانسيسكو، قبل قمة زعماء دول منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك).

الانفصال الاقتصادي

شهد اللقاء تأكيداً على عدم رغبة البلدين في “الانفصال الاقتصادي” مع ضرورة إدارة العلاقات المشتركة بشكل مسؤول، من أجل التوصل لحلول للخلافات “وتجنب المفاهيم الخاطئة التي يمكن أن تثير تصعيدات غير مقصودة”، وفي ظل الحفاظ على علاقات مرنة، طبقاً للبيان الصادر عن وزارة الخزانة قبيل أيام، وقبل زيارة مرتقبة للوزيرة ذاتها إلى الصين قريباً لاستئناف المحادثات.

يعكس تتابع تلك اللقاءات سعي البلدين على “إذابة الجليد”، وصياغة مفاهيم مشتركة في إدارة العلاقات الثنائية، وكذلك فيما يخص القضايا الإقليمية والدولية الأشمل.

  • يأتي ذلك فيما يحتفظ أكبر اقتصادين في العالم -رغم الحرب التجارية وخطاب فك الارتباط- بعلاقات تجارية واسعة.
  • بحسب بيانات أميركية رسمية، فإن حجم التجارة بين البلدين سجل 6 مليار دولار العام الماضي.
  • وفق وكالة شينخوا الصينية، فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين “يشير إلى نمو تجاري قوي وسط خطاب فك الارتباط”
  • طبقاً للبيانات، فإنه رغم قرارات واشنطن إضافة تعريفات جمركية خلال العام الماضي مع فرض قيود على الصادرات الصينية، إلا أن نمو حجم التبادل التجاري لا يزال قوياً.

عضو مركز الدراسات الاستراتيجية بواشنطن، الاستاذ المتخصص في العلاقات الدولية، الدكتور طارق فهمي، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن القمة المرتقبة هي “خطوة على المسار الصحيح” وذلك من أجل تصحيح العلاقات بين البلدين، ويشدد على أن:

  • العلاقات مع الصين هي محل تجاذب كبير في البيت الأبيض وخلافات واسعة حول طبيعة التعامل مع بكين.
  • وزارتا الخارجية والخزانة تؤيدان الانفتاح على الصين وأن تكون هنالك علاقات ومحادثات مباشرة ومستمرة.
  • على الجانب الآخر، هناك أصوات رافضة لهذه العلاقات في المؤسسات الفيدرالية والمخابرات المركزية.

ويضيف: “لكن في جميع الأحوال، فإن اللقاء (القمة) جيد، ويعطي مؤشراً أن الطرفين حريصين على استمرار التواصل ودعم العلاقات، وبالطبع ستكون هنالك بطبيعة الحال نتائج إيجابية، لا سيما وأن لكل من الطرفين حساباتهم الخاصة”، ويحدد تلك الحسابات على النحو التالي:

  • الأميركان يريدون جذب الصين، بدلاً من أن تتجه بكين نحو روسيا وتنخرط في محاور في مواجهتهم.
  • الصين حريصة أيضاً على عدم الخروج من قواعدها، من أجل تخفيف الضغط الموجود في جنوب شرق آسيا.

العلاقات التجارية

ورغم التفاؤل بإمكانية إحراز القمة اختراقاً إيجابياً في مسألة تحقيق الاستقرار في العلاقات الثنائية، إلا أن ثمة قضايا رئيسية وملفات خلافية من الصعوبة بمكان التوصل لتفاهمات بشأنها، مقابل قضايا أخرى يُمكن تحقيق تفاهمات بشكل أو بآخر، ومن بينها ملفات اقتصادية وتجارية.

ألمح إلى ذلك البيان الصادر أخيراً عن وزارة الخزانة الأميركية، والذي تناول سعي البلدين للتوصل إلى حلول مشتركة بالنسبة للخلافات بينهما. لكنه تناول في الوقت نفسه مسألة العلاقات الاقتصادية والتجارية مع التأكيد على أن واشنطن وبكين لا يسعيان بشكل أو بآخر إلى فصل اقتصاديهما، وبالتالي ينظر مراقبون إلى أن الملفات التجارية بينهما قد تحظى بتفاهمات أوسع من الملفات السياسية العالقة مثل ملف تايوان على سبيل المثال.

وهو ما تطرق إليه الخبير في الشؤون الصينية، نائب رئيس تحرير الطبعة العربية لمجلة الصين اليوم، حسين إسماعيل، في تصريحات له أخيراً، والذي قسَّمَ الملفات المشتركة بين البلدين إلى:

  • ملفات من الصعوبة بمكان التوصل لاتفاق بشأنها (ومن بينها على سبيل الملف التايواني) لعمق الخلافات فيها.
  • ملفات يمكن التوصل إلى تفاهمات بشكل أو بآخر فيها (ومنها قضايا وملفات تجارية).
  • علاوة على ملفات عامة مثل قضايا المناخ وملفات مرتبطة بالاقتصاد العالمي والأزمات التي تعتريه ومن بينها قضية سلاسل الإمداد وغيرها.

يأتي ذلك في وقت تفرض فيه حالة من الضبابية وعدم اليقين نفسها على الاقتصاد العالمي، وبما يضع أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم أمام مسؤولياتهما من أجل التنسيق المشترك والابتعاد عن السيناريوهات التصعيدية التي من شأنها إضفاء المزيد من الضغوطات ليس فقط على كاهل اقتصاد كل منهما، ولكن على الاقتصاد العالمي برمته. وتبعاً لذلك تأتي الملفات التجارية من بين أهم الأولويات على طاولة الرئيسين. 

ويلفت إسماعيل في الوقت نفسه إلى أن:

  • العلاقات بين البلدين شهدت في الفترات الأخيرة مساعٍ من أجل ترتيب الأمور فيما بينهما وتجاوز عديد من الخلافات.
  • تجسدت تلك المساعي في لقاءات مختلفة عقدها مسؤولون أميركيون مع مسؤولين صينيين، تم خلالها التأكيد على الخطوط العريضة فيما يخص العلاقات الثنائية والمواقف من قضايا إقليمية ودولية.
  • تأتي تلك القمة المنتظرة كخطوة مُهمة في هذا السياق يمكن البناء عليها بشكل كبير، يدعم ذلك التوجه اقتراب إجراء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة (نوفمبر 2024) والتي عادة ما يتم استخدام مسألة العلاقات مع الصين فيها من بين الأدوات الرئيسية لمخاطبة الناخبين.

كذلك فإن بكين، وبينما تكابد من أجل التعافي وتعاني من مؤشرات مخيبة للتوقعات والآمال، تسعى لتجنب مزيد من التصعيد الذي من شأنه أن يضفي مزيداً من الأضرار والتأثيرات السلبية على اقتصادها.

التجارة الدولية

وفيما أشارت الصين إلى أن التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة يواجه صعوبات واسعة، إلا أنها جددت التأكيد على أنها مستعدة للعمل مع الولايات المتحدة؛ لحماية قواعد التجارة الدولية سويا، وضمان استقرار السلاسل الصناعية العالمية، وفق رئيس مجلس الدولة الصيني، لي كه تشيانغ، خلال لقائه مع رئيس مجلس الأعمال الأميركي الصيني، مارك كاسبر، أغسطس الماضي.

لكن على الجانب الآخر، فإن الأكاديمي المتخصص في الشؤون الاقتصادية الصينية، جعفر الحسيناوي، يقلل من إمكانية التوصل لـ “تفاهمات عميقة” بين البلدين فيما يخص العلاقات التجارية والاقتصادية، مبرراً ذلك بأن الخلافات الموجودة حالياً (وبعد التصعيد الأميركي خلال السنوات الماضية والقرارات المتخذة في هذا السياق، وكذلك رد الفعل الصيني) هي خلافات عميقة من الصعب تجاوزها بسهولة”.

ويشدد في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” على أنه بخلاف ذلك “يمكن التوصل إلى تفاهمات تكتيكية لإزالة التوتر واستقرار العلاقات الثنائية”، مشيراً إلى اهتمام الولايات المتحدة بهذه التفاهمات قبل الانتخابات التي عادة ما تستخدم فيها العلاقات مع الصين كورقة ضغط.

ويشير إلى العلاقات الصينية الروسية، باعتبار الطرفين حليفين استراتيجيين، وفي خطٍ متوازٍ مع المخاوف من احتكاكات روسية أميركية في البحر المتوسط، فإن الرئيس بايدن يسعى من خلال الصين إلى التوصل لتفاهمات مشتركة (جذب الصين إلى الصف الأميركي)، موضحاً أن تلك التفاهمات تستهدف إذابة الجليد بين البلدين بشكل أوسع.

موقف الولايات المتحدة

مؤسس مركز بروجن للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، رضوان قاسم، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن:

  • الولايات المتحدة عندما تفشل في الحصول على ما تريده بمنطق القوة تذهب إلى الدبلوماسية.
  • اليوم تعاني واشنطن في علاقاتها على عديد من المستويات، في سياق تراجع النفوذ، وبالتالي وجدت أنه لا مجال للذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في سياق العقوبات وفرض الحصار الاقتصادي وما إلى ذلك من أساليب تضر بمصالحها ومصالح حلفائها.
  • يُنظر إلى القمة القادمة والاتصالات بين البلدين، في هذا السياق، ولجهة مساعي الولايات المتحدة لتحقيق المصالح التي تصبو إليها من خلال الدبلوماسية عوضاً عن الأساليب التي لم تؤت ثمارها.

ويضيف: “في القمة الأميركية الصينية في سان فرانسيسكو هذا الأسبوع أتصور أن يحمل اللقاء عدة دلالات، ويذهب إلى ملفات مهمة يدور الحديث بشأنها (بما في ذلك العلاقات التجارية بين البلدين).. لكن لا يجب علينا التعويل كثيراً على هذا اللقاء، لا سيما وأن الوضع اليوم يختلف تماماً عن ما كان عليه سابقاً، خاصة أن واشنطن تعيش في مأزق حاد وفي ظل زيادة مشاكلها مع عدد من الدول، وهزيمتها حتى الآن في الملف الأوكراني، وصولاً إلى الحرب في غزة والتي زادت الأعباء عليها”.

ويشدد على أن “أميركا تدرك أنها تحت عبء كبير، وأنها لا تستطيع الضغط على الصين فيما يخص الملف التايواني، لا سيما وأن الصين لن تتخلى عن تايوان ولو وصل الأمر إلى حرب عالمية ثالثة.. ومن هنا لجأت للذهب لحوار دبلوماسي، خاصة أن هناك عديداً من الملفات الاقتصادية التي يمكن أن تؤثر عليها وعلى الصين في المقابل”.

كما يتحدث مؤسس مركز بروجن للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية في السياق نفسه عن أثر صعود تكتلات إقليمية، ومن بينها تجمع بريكس ومنظمة شانغهاي، وما لذلك من تأثير على مكانة الولايات المتحدة.

ويختتم حديثه بالإشارة إلى أن “اللقاء بحد ذاته جيد، لجهة أنه يعمل على خفض منسوب التوتر، حتى لا نذهب إلى تصعيد أوسع قد يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version