د. أيمن سمير

صراع لا ينتهي في أوكرانيا، وحرب مفتوحة في الشرق الأوسط اتفقت الولايات المتحدة والصين على عقد قمة تجمع الرئيس جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ «أبيك» التي تستضيفها مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية اعتباراً من اليوم وحتى 17 نوفمبر.

سوف يكون لقاء شي وبايدن هو اللقاء الأول للزعيمين منذ لقائهما في نوفمبر الماضي على هامش اجتماعات دول قمة العشرين في بالي الإندونيسية، ورغم نجاح وزير الخارجية الصيني وانج يي مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في الاتفاق على عقد القمة من حيث المبدأ، إلا أن هناك شكوكاً هائلة تحيط بالعلاقات الأمريكية الصينية، برهن عليها عدم الاتفاق حتى الآن على يوم انعقادها أو الترتيبات اللوجستية الخاصة بها، وذلك بعد أن اتهمت الولايات المتحدة هذا الأسبوع الصين بتصنيع صواريخ برؤوس تقليدية تطلق من الفضاء بهدف تدمير السفن والغواصات الأمريكية، وتزامنت زيارة وزير الخارجية الصيني إلى واشنطن التي استمرت يومين من 26 إلى 28 أكتوبر 2023 باتهامات أمريكية جديدة للصين بأنها زادت من رؤوسها النووية بنسبة 25 % لتصبح نحو 500 رأس نووي، وأن مخزون بكين سيصل إلى 1500 رأس نووي بحلول 2035

هذه الاتهامات وغيرها تراها الصين حجر عثرة في طريق تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة بعد سلسلة غير مسبوقة من الاتهامات والخطوات العدائية المتبادلة من واشنطن منها التوسع الأمريكي العسكري على الحدود الصينية خاصة في الفلبين وفيتنام واستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، وبيع الولايات المتحدة أسلحة فتاكة لليابان وكوريا الجنوبية منها ما يقرب من 400 صاروخ توما هوك لطوكيو، ونقل أصول عسكرية أمريكية من بعيد إلى بحر الصين الجنوبي، وتعزيز القدرات العسكرية لتايوان في بحر الصين الشرقي، وحددت واشنطن المسار المستقبلي لعلاقاتها مع الصين عندما قال الرئيس جو بايدن إن بلاده تريد «إدارة المنافسة» مع الصين بشكل شفاف بعيداً عن «التنمر السياسي والعسكري» أو«الإكراه الاقتصادي»

لكن أكثر المخاطر التي تحدق بالعلاقة بين أكبر اقتصاديين، هو غياب الثقة بين الطرفين، والتي تشكل الحاجز الأكبر في طريق بناء «خطوط ساخنة» للتواصل بين كبار المسؤولين حتى لا تسود «القناعات الخاطئة» لدى كل طرف عن الطرف الآخر.

فالولايات المتحدة لديها قناعة بأن الصين تصطف مع روسيا في الحرب الروسية الأوكرانية، وفرضت واشنطن الكثير من العقوبات على شركات صينية تتهمها بأنها تبيع منتجات مزدوجة الاستخدام «مدني- عسكري» إلى روسيا، وهو أمر ترفضه بكين بشدة، كما أن مشاركة الرئيس الروسي فلاديمبر بوتين في قمة «الحزام والطريق» في 17 أكتوبر 2023، والخطابات الودية المتبادلة مع الرئيس شي جين بينغ أزعجت الولايات المتحدة التي كانت تأمل في فرض عزلة على روسيا لدفعها لتقديم تنازلات في الملف الأوكراني، فماذا يمكن أن تقدمة قمة «شي – بايدن» لنزع فتيل الصراع بين واشنطن وبيجين ؟ وما هي التحديات والعراقيل التي يمكن أن تجهض أي تقدم في العلاقات الأمريكية الصينية ؟

شكوك متبادلة

أكثر التحديات التي تواجه القمة الصينية الأمريكية القادمة ليس فقط اصطفاف البلدين في فريقين متناقضين في المصالح والأيدلوجيا بل هناك شكوك يصعب على قمة واحدة أن تزيلها ولعل أبرز الشكوك هي:

أولاً: «الحسابات الصفرية»:

رغم أن معدلات التجارة بين البلدين وصلت عام 2022 نحو 690 مليار دولار، وإعلان وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين خلال زيارتها للصين في 6 يوليو الماضي أن الرئيس جو بايدن لا يفكر في «الفصل الكامل» بين الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد الصيني، وهو أمر كررته في أغسطس الماضي وزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموندو إلا أن الحسابات الصينية تقول أن واشنطن تعمل بكل ما لديها لإضعاف الاقتصاد الصيني، وبالتبعية إضعاف قدرة الدولة الصينية، وتنظر بيجين بعين الشك والريبة لمساعدة واشنطن للدول الآسيوية مثل الفلبين وفيتنام وإندونيسيا وكوريا الجنوبية واليابان على بناء مصانع عملاقة لأشباه الموصلات، والرقائق الإلكترونية، وترى بيجين في هذه الخطوات أن واشنطن تريد سحب البساط من تحت أقدام الصادرات الصينية إلى الأسواق الأمريكية لصالح الأسواق الآسيوية الأخرى القريبة من الولايات المتحدة، وتسعى الصين إلى القيام بخطوات استباقية لاحتواء هرولة الدول المجاورة ناحية واشنطن عبر تبني الصين لخطاب سياسي واقتصادي تعاوني يبرز قيمة التعاون مع الاقتصاد الصيني بعيداً عن الخلافات الجيوسياسية بين الصين وجيرانها التي تستفيد منها واشنطن، ليس فقط في تعميق الخلافات الصينية الآسيوية، بل في ربط اقتصاديات وسياسات هذه الدول بالرؤية الأمريكية السياسية والأمنية والعسكرية، وعلى الجانب الآخر يرى البيت الأبيض أنه لن يتراجع للصين التي ينظر إليها بأنها الوحيدة القادرة على تغيير المعادلات الدولية العسكرية والاقتصادية الموروثة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لهذا ينظر لكل سلوك أو تحرك صيني باعتباره جزءاً من المنافسة الجيو سياسية والجيو اقتصادية مع واشنطن

ثانياً: التحالفات العسكرية:

عندما ينظر الرئيس الصيني شي جين بينغ في عيني نظيره الأمريكي جو بايدن سيكون هناك سؤال كبير في داخله، وهو: إذا كانت الولايات المتحدة تريد فقط إدارة المنافسة مع الصين فلماذا كل هذه التحالفات والحشد العسكري الأمريكي غير المسبوق في شرق وجنوب شرق آسيا ؟ وتنطلق الصين في تلك المخاوف من سعي واشنطن إلى خلق «بيئة عسكرية معادية تماماً» للصين عبر مجموعة من الخطوات والتحالفات لعل أبرزها تشكيل تحالف «أوكوس» في 15 سبتمبر 2021، والذي يضم مع الولايات المتحدة كلا من بريطانيا واستراليا، وتحالف «الكواد» الذي يضم كافة منافسي الصين الإقليمين وهم الهند واليابان مع الولايات المتحدة وبريطانيا، وتدشين التحالف الثلاثي الأمريكي الياباني الكوري الجنوبي في قمة كامب ديفيد في 18 أغسطس الماضي، ناهيك عن تحالف «العيون الخمس» الاستخباراتي الذي يضم الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا مع جارين للصين هما استراليا ونيوزيلاندا، ناهيك عن سعي واشنطن إلى استنساخ حلف دول شمال الأطلسي «الناتو» في شرق آسيا، لكن على الجانب الآخر هناك تقارباً لا يصل لمرحلة التحالف بين الصين وكل من روسيا وكوريا الشمالية وإيران

ثالثاً: «فك الارتباط الصيني الأوروبي»:

أكثر محاور الخلاف الصيني الأمريكي والتي يمكن أن تشكل تغييراً جوهرياً في العلاقات التجارية هي سعي واشنطن لتقليص علاقة أوروبا بالصين، ففي عام 2022 وصلت التجارة بين أوروبا والصين إلى نحو 800 مليار دولار، وكثير من الإنتاج الأوروبي يعتمد على سلاسل الإمداد الصينية، وتعمل الولايات المتحدة منذ فترة طويلة على «فك الارتباط» بين الصين وأوروبا خاصة في مرحلة ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وتقول واشنطن إن «الاعتمادية الأوروبية» على سلاسل الإمداد الصينية سيكون على نفس درجة الخطأ في اعتماد الأوروبيين على الغاز الروسي، وهو ما دفع الكثير من الدول الأوروبية للبحث في خيارات بديلة، منها الاعتماد أكثر على سلاسل إمدادات هندية، وتفكير إيطاليا في الانسحاب من مبادرة الحزام والطريق الصينية التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ عام 2013 واحتفلت بيجين في سبتمبر الماضي بمرور 10 سنوات على إطلاقها

رابعاً: «التشويه المتبادل»:

تعتقد الصين أن الولايات المتحدة تقوم بدعاية سلبية لتشويه صورتها في العالم، تارة باتهام الصين بالإكراه الاقتصادي والتنمر السياسي، وتارة أخرى بالترويج «لفخ الديون» حيث تقول واشنطن إن علاقة الصين بالدول النامية سوف تؤدي إلى مزيد من الغرق في الديون، وإن العلاقة الاقتصادية بين الصين والدول الفقيرة تقود إلى مزيد من إفقار هذه الدول وليس تحقيق النمو، على الجانب الآخر تتهم الصين الولايات المتحدة بالرغبة في إبقاء هيمنتها غير العادلة على العالم، وتدعو بيجين ليل نهار لتحقيق نوع من العدالة في العلاقات الدولية، وتصحيح مسار المؤسسات الدولية التي تهيمن عليها واشنطن وحلفاؤها الغربيين

خامساً: «التجسس»:

لعل حادثة المنطاد الصيني في فبراير الماضي، عنوان للتجسس المتبادل بين البلدين، بداية من السعي إلى معركة الأسرار العسكرية لدى كل طرف إلى التجسس الاقتصادي، وهو الأمر الذي أدى الولايات المتحدة إلى أن تتهم الطلاب الصينيين بأنهم مرتبطون بالحكومة الصينية والحزب الشيوعي الصيني الحاكم، لكن على الجانب الآخر تحاول الولايات المتحدة عرقلة صعود الصين إلى قمة الهرم الدولي من خلال معرفة كل تفاصيل التوجهات السياسية والعسكرية الصينية سعياً منها إلى توجيه الرأي العام ضد الحكومة والدولة الصينية كما تقول بيجين

صفحة جديدة و 3 خطوات:

تستطيع الولايات المتحدة والصين فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين عندما يستضيف الرئيس جو بايدن نظيره الصيني شي جين بينغ في سان فرانسيسكو بشرط تحقيق 3 خطوات هي:

1 – «عدم فك الارتباط»:

سبق للرئيس بايدن منذ وصوله للحكم في 20 يناير 2021 أن تبنى إستراتيجية تقوم على تقليل الاعتماد التجاري على الصين، وصولاً إلى «فك الارتباط الكامل» بين الاقتصاد الصيني ونظيره الأمريكي، وخلال زيارتها للصين في يوليو الماضي، أعلنت جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية استحالة فك الارتباط بين أكبر اقتصاديين في العالم، لكن إعلان الرئيس جو بايدن بنفسه تراجعه عن هذه السياسة سيكون إنجازاً كبيراً للقمة القادمة، ويفتح الباب أمام بناء ثقة يحتاج إليها عالم مضطرب، لتحقيق مزيد من السلام والاستقرار

2 – «اتفاق تجاري جديد»:

بدأت مفاوضات حول «اتفاق تجاري جديد» بدلاً من الاتفاق الذي لم ينفذه البلدان، وهو الاتفاق الذي وقع المرحلة الأولى منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في يناير 2019، وإذا تم توقيع مثل هذا الاتفاق سيكون بمكانة بناء «مسار جديد» للعلاقات الأمريكية الصينية

3 – «خطوط ساخنة»:

أكثر المشاكل التي واجهت الصين والولايات المتحدة خلال الفترة الماضية هي عدم وجود اتصالات مباشرة بين كبار المسؤولين من البلدين، وهذا خطر كبير على الأمن والسلم العالمي، ولهذا سيكون التوصل في قمة سان فرانسيسكو لتدشين «خطوط ساخنة» بين المسؤولين في البلدين نجاحاً كبيراً للقمة. المؤكد أن الجميع ينتظر القمة التي سوف تجمع الرئيسين الصيني والأمريكي خلال هذا الأسبوع في سان فرانسيسكو، فعالم اليوم أكثر إرهاقاً وإنهاكاً ويحتاج لاستراحة من الصراعات والحروب والاستقطاب.

[email protected]


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version