تجبر القيود الأميركية المرتبطة بالرقائق الإلكترونية المتطورة كبرى شركات التكنولوجيا الصينية على إعادة النظر في مشاريعها الطموحة في مجال الذكاء الاصطناعي، بحسب محللين.
وأصبحت “علي بابا” الخميس أحدث شركة صينية تقر بأثر العقوبات الأميركية مع تخلي عملاق التجارة الالكترونية عن خطة لتحديث قطاع الحوسبة السحابية التابع له والذي يساوي مليارات الدولارات.
وسبق ذلك إعلان شركة ألعاب الفيديو العملاقة “تنسنت” هذا الأسبوع تراجع قدرتها على بيع الخدمات السحابية المتقدمة بسبب تأثير القيود التي فرضتها واشنطن العام الماضي لمنع الصين من الحصول على الرقائق المتطورة.
وقال ني تاو مؤسس موقع “سي ان روبوبيديا” الذي يعنى بالأتمتة والروبوتات لوكالة فرانس برس “تنبئنا هذه الحادثة (علي بابا) بأن القيود الأميركية على توريد الرقائق لشركات التكنولوجيا الصينية ستكون قادرة على تعطيل القرارات اللاحقة المتعلقة بالأعمال”.
وأضاف “هذا تنبيه قاسِ بأن عليهم تسريع تعديل عملياتهم لتعويض أزمة الانخفاض في الرقائق التي ستصبح أكثر حدة مع مرور الوقت”.
وترى واشنطن في ضوابط التصدير التي تضعها إجراءً يتعلق بالأمن القومي ويهدف إلى منع وصول الصين إلى رقائق متطورة مطلوبة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بالإضافة إلى الأسلحة المتطورة مثل الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والطائرات المقاتلة من نوع “الشبح”.
لكن بكين ترفض هذه المخاوف، وقد حذر الرئيس الصيني شي جين بينغ نظيره الأميركي جو بايدن هذا الأسبوع أن مثل هذه التصرفات “تضرّ بشكل خطير بالمصالح المشروعة للصين”.
وتم تعزيز القيود على الرقائق في 17 أكتوبر لسد ثغرات سمحت لشركات صينية بالحصول على رقائق تم خفض قوتها. وتستهدف القيود الآن أيضا الحوسبة السحابية لمنع الشركات الصينية من الوصول إلى رقائق الذكاء الاصطناعي الفائقة من أماكن أخرى.
وقالت شركة “روديوم غروب” للأبحاث هذا الشهر “ترسل الولايات المتحدة إشارة واضحة إلى مطوري الرقائق المتطورة في العالم: لا تتعبوا أنفسكم (…) بتطوير رقائق حوسبة عالية الأداء للسوق الصينية. القواعد سيتم تحديثها”.
وأضافت “يواجه أقطاب التكنولوجيا في الصين مستقبلا غامضا في أعقاب ضوابط 17 أكتوبر”.
“اعادة ضبط”
وجاءت القيود الأميركية على الرقائق لتسدد ضربة أخرى لقطاع التكنولوجيا في الصين في أعقاب التأثيرات الاقتصادية السلبية للجائحة والإجراءات التنظيمية التي فرضتها الحكومة الصينية على بعض كبريات الشركات في البلاد.
وحدت هذه القيود من طموحات شركات صينية عدة كانت تعتمد على إمدادات ثابتة من الرقائق الفائقة المستوردة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها وتطوير منتجات متقدمة قائمة على الحوسبة السحابية.
وقالت شركة علي بابا الخميس إن الضوابط الأميركية لم تؤثر فقط على أعمالها السحابية المربحة، بل قلّصت أيضا من قدرتها على تحديث تقنياتها في المستقبل.
وعلى الرغم من أنها كانت تزهو باستحواذها على واحد من أكبر مخزونات رقائق الذكاء الاصطناعي في الصين، اعترفت شركة تنسنت المشغلة لتطبيق وي تشات في إعلان نتائج أرباحها هذا الأسبوع عن حاجتها لإيجاد طرق لاستخدامها بطريقة أكثر كفاءة والبحث عن مصادر أخرى.
والخدمات السحابية المتقدمة تعد من الأعمال الأساسية للشركة إلى جانب استثماراتها الكبيرة في نماذج الذكاء الاصطناعي لمنافسة أمثال “تشات جي بي تي”.
ونقلت وكالة بلومبيرغ نيوز عن جوزيف تساي رئيس علي بابا قوله الشهر الماضي إن الذراع السحابية للشركة تستضيف نصف شركات الذكاء الاصطناعي في الصين.
ورغم دفع القيود الأميركية للشركات الصينية إلى وضع غير مؤات إلى حد كبير، توقع محللون أن تنتعش أعمال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية مرة أخرى على المدى الطويل، مشيرين إلى المليارات التي تنفقها الحكومة الصينية لتطوير صناعة الرقائق المحلية.
لكن الإلغاء المفاجئ من قبل شركة علي بابا لمشاريعها في حقل الحوسبة السحابية سلّط الضوء على جسامة أثر العقوبات الأميركية، حيث تواجه شركات التكنولوجيا الصينية التي كانت تحقق أداء عاليا في السابق، مستقبلا تظلله حالة من عدم اليقين.
وقال ني “مع عدم وجود احتمال في الأفق لتراجع التوتر بين الولايات المتحدة والصين بشكل كبير في أي وقت قريب (…) وزيادة الرقابة التنظيمية في الداخل، عدا عن الاقتصاد الذي يتابع هبوطه، لا يسع (الشركات الصينية) سوى تقليص طموحاتها وإعادة ضبط خطاباتها الرنانة بما يتناسب مع قدراتها الحقيقية”.