في أجواء مشحونة بالحرب والقصف المستمر على قطاع غزة من قبل الجيش الإسرائيلي، ظهرت وجوه جديدة بالنسبة للكثيرين وأصبحت هذه الوجوه بارقة الأمل الوحيدة وسط الدمار الشامل الذي يشهده القطاع.
شباب حملوا على عاتقهم نقل الصورة الحقيقية للهجوم الإسرائيلي على غزة، فوسط عالم يشوبه التحيز الإعلامي وانتشار المعلومات المضللة كما يراه البعض، عكف هؤلاء الشباب الفلسطينيون على ممارسة الصحافة المستقلة، والتي غالباً ما تُعرف بصحافة المواطنين، ليصبحوا النافذة الأكثر شفافية والأكثر صدقاً في الكشف عن مجريات الحرب على غزة.
من صانع محتوى لصحفي يغطي الحرب
تحول صانعو المحتوى من الشباب الفلسطينيين إلى صحفيين يصورون وينقلون الصورة القاتمة في بلادهم بعدما حولها القصف الإسرائيلي إلى ركام.
ومن بين هؤلاء ظهر شباب في مقتبل العمر، منهم أسماء اعتاد سماعها مؤخراً كل من يتابع الأحداث الجارية في غزة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
هذا الشاب الفلسطيني الذي تخرج حديثاً من جامعة الأزهر في غزة بعد أن درس اللغات والترجمة وحصل على شهادة الآداب للغة الإنجليزية، وجد نفسه ضمن الآلاف في غزة ممن يعانون في تصور كيفية مستقبلهم داخل البلد المحاصر الذي يعاني من حجم البطالة الهائل، ليقرر أن يتبع شغفه للتصوير الفوتوغرافي وينشئ صفحة على إنستغرام يلتقط فيها بشكل أساسي صوراً للحياة اليومية في غزة.
كان حلمه البسيط أن يجوب العالم ويوثق كل ما هو جميل بعدسته، لكن تشاء الأقدار أن يتحول من صانع محتوى يعكس الأمل والبهجة إلى صحفي مستقل يصور وينقل المشاهد القاسية الناتجة عن قصف غزة بعد أحداث السابع من أكتوبر تشرين الأول.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يغطي فيها معتز أحداث الحرب على غزة، فقد قام بتغطية الاعتداءات الإسرائيلية في 2014 و2021، وبالرغم من ذلك لم تكن تتلقى المتابعة الهائلة التي حصل عليها هذه المرة إثر الأحداث الجارية حالياً، ففي السابع من أكتوبر تشرين الأول كان عدد المتابعين لصفحة معتز على الإنستغرام لا يتعدى الـ25 ألف متابع، لكن الآن بلغ عدد متابعيه أكثر من 14 مليوناً.
فقد أصبح نافذة للعالم على حقيقة الوضع في غزة، وتشبث به الجميع كونه رمزاً للصمود الفلسطيني أمام الهجمات المستمرة من قبل الجيش الإسرائيلي.
هذه الشابة الفلسطينية هي الأخرى كانت تعمل صانعة محتوى ومخرجة أفلام، عُرفت بالحكواتية، أي من تحكي الحكايات، وهو أيضاً اسم أحد برامجها الدائمة التي تصنعها لصفحاتها على منصات التواصل الاجتماعي، لتحكي فيه تراث بلدها وحكايات أخرى كثيرة لكل الأماكن التي سافرت إليها.
كانت تملك استوديو صغيراً تصنع منه المحتوى، لكنها فقدته في القصف الإسرائيلي الذي بدأ على غزة في أكتوبر تشرين الأول 2023، ليتحول من وقتها كل محتواها إلى الصورة الدامية التي تملأ جميع أنحاء غزة.
مثلها مثل باقي زملائها، كانت هذه الصحفية الفلسطينية الشابة مفعمة بالحياة تنقل صورة مشرقة عن بلدها المحاصر وتظهر جماله بالرغم من كل الآلام والمعاناة، لكنها وجدت نفسها منذ بداية الحرب القائمة على غزة تنشر معاناة أبشع وأكثر مرارة من أي شيء سبق.
ينقل هؤلاء الشباب بالإضافة لكثير غيرهم بكل بسالة وصمود الوضع الكارثي المتفاقم في غزة، يمسي ويصبح العالم كل يوم على تطورات أكثر ضراوة من اليوم السابق.
فنرى عبر حسابات هؤلاء الشباب الفلسطينيين مشاهد القصف المدمر لكل ما يملكه الفلسطينيون من بيوت ومدارس ومستشفيات ودور عبادة، ونرى قتل النساء والأطفال والرجال في كل أنحاء البلاد، ونرى نزوح الآلاف من أهل غزة سيراً على الأقدام وسط ظروف قاهرة من عدم توافر الماء والغذاء والدواء.
كل هذا وأكثر أصبح يراه العالم عبر نافذة هؤلاء المواطنين الفلسطينيين الذين تحولوا لصحفيين ناقلين للمشهد الحالي في غزة من خلال منصات التواصل الاجتماعي.
مهمة ليست سهلة
ويتعرض هؤلاء الصحفيون في نقلهم المشهد الكامل في غزة إلى العديد من العقبات والمشكلات، فهم محاصرون بالقصف المتواصل الذي يحول بينهم وبين الوصول لأماكن القصف لتغطية الأحداث، ناهيك عن المخاطر الدائمة التي تهدد حياتهم إثر التعرض للانفجارات المحيطة بهم التي أصبحت قريبة منهم.
هم أيضاً يعانون لإيجاد أبسط السبل والوسائل للقيام بعملهم، فشحن الهواتف أصبح رفاهية غير متوفرة لعدم وجود الكهرباء، طاقتهم أصبحت تتلاشى مع استمرار شح الموارد من ماء وغذاء، صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي تتعرض لمحاولات الحذف والحجب وحتى الاختراق، بالإضافة لاتهامهم الدائم من قبل الطرف الإسرائيلي بانتمائهم أو دعمهم لحركة حماس.
هم أيضاً أُجبروا على النزوح إلى الجنوب تاركين كل شيء خلفهم في شمال القطاع، وظل القليل جداً منهم ليستمروا في تغطية الكوارث الإنسانية التي تجري في شمال غزة.
ما هي صحافة المواطنين؟
أدى ظهور منصات التواصل الاجتماعي والتطور التكنولوجي للأدوات إلى إحداث تغييرات كبيرة في العلاقة بين المجتمع وأنظمة الاتصال، وقد أثر هذا التحول أيضاً على طريقة تواصل وتفاعل هياكل السلطة المختلفة والجماهير، ما أدّى إلى ظهور صحافة المواطن كمفهوم سريع النمو.
وصحافة المواطن هي باختصار عبارة عن اشتراك المواطن في نقل الصورة والأحداث وقيامه بدور الصحفي، حتى إن كان ليس دارساً لمهنة الصحافة أو علوم الإعلام، وذلك باستخدام أدوات بسيطة مثل كاميرا الهاتف وغيرها من الأدوات المتاحة للمواطنين العاديين.
وكشفت دراسة حديثة عن أهمية صحافة المواطن أثناء الهجمات الإسرائيلية على غزة، والتي تم توثيقها بشكل مكثف على وسائل التواصل الاجتماعي عن طريق ممارسة صحافة المواطن من قبل عدد من الشباب الفلسطينيين وصناع المحتوى.
وركز هذا البحث النوعي على الحقائق المبنية من أجل تجميع وصف وتحليل واضح لواقع تأثير صحافة المواطن على التغطية الإخبارية للهجمات الإسرائيلية على غزة، واقتصرت الدراسة الحديثة التي نُشرت في أغسطس آب الماضي، تحت عنوان (أثر صحافة المواطن في التغطية الإخبارية للاعتداءات الإسرائيلية على غزة)، على الممارسات الصحفية على وسائل التواصل الاجتماعي وصحافة المواطن خلال الهجمات الإسرائيلية على غزة منذ عام 2008.
واستعرضت الدراسة أثر وسائل التواصل الاجتماعي في قيادة صحافة المواطن، بالإضافة لدور صحافة المواطن ووسائل التواصل الاجتماعي في تعبئة وتوجيه الرأي السياسي العام، الأمر الذي وظفه الصحفيون المستقلون لمساعدتهم في تغطية الأحداث في غزة.
وقد حظيت تغطية الهجمات الإسرائيلية على غزة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي باهتمام كبير، وجذبت تفاعلاً كبيراً وكانت بمثابة مصدر سريع للأخبار لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
ورأى البعض أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً بارزاً في نقل أخبار الهجمات الإسرائيلية على غزة وتحريك الرأي العام العالمي ودحض الشائعات التي يروجها الطرف الإسرائيلي من خلال الدعاية الإعلامية أو ما يُعرف بالبروباغندا الإعلامية.
ويتساءل البعض: هل أصبحت صحافة المواطن سلاحاً أقوى وأكثر تأثيراً على إيصال الحقيقة وتحريك الرأي العام من وسائل الإعلام الرسمية الأخرى التي قد تحمل أجندات مختلفة؟