أثارت الحرب الإسرائيلية على غزة دعوات متزايدة في الشرق الأوسط لاستخدام سلاح النفط كوسيلة للضغط على إسرائيل لوقف تصعيدها في القطاع، وتأتي إيران، العضو في منظمة أوبك، في مقدمة الدول الداعمة لتلك الدعوات.

ويرى المحللون والسياسيون ومراقبو سوق النفط أن هذه الدعوات تعيد إلى الأذهان الحظر الذي فرضته دول أوبك في عام 1973، عندما قطع منتجو النفط العرب الصادرات النفطية عن حلفاء إسرائيل، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا، أثناء حرب أكتوبر تشرين الأول.

لكن العديد من المراقبين يؤكدون أن أوضاع عالم الطاقة اليوم تختلف كثيراً عما كانت عليه قبل 50 عاماً، مستبعدين احتمال فرض حظر جديد.

من أين تأتي دعوات الحظر؟

في الشهر الماضي، حث وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أعضاء منظمة التعاون الإسلامي على فرض عقوبات على إسرائيل، من بينها الحظر النفطي وطرد السفراء الإسرائيليين.

على الجانب الآخر، قالت أربعة مصادر في أوبك، التي توفر ثلث الإنتاج العالمي من النفط وتضم عدة دول إسلامية من بينها إيران، في ذلك الوقت إن المنظمة لا تخطط لاتخاذ إجراء فوري أو عقد اجتماعات طارئة في ضوء تصريحات إيران.

وتجددت تلك الدعوات يوم الأحد الماضي عندما ناشد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الدول الإسلامية التي طبعت العلاقات مع إسرائيل بقطع تلك العلاقات (لفترة محدودة) على الأقل، بعد أسابيع من دعوته لفرض حظر إسلامي على صادرات النفط والمواد الغذائية المتجهة إلى إسرائيل.

إلا أن تلك الدعوات لم تلقَ تأييداً واسعاً، وهو ما ظهر بشكل واضح خلال القمة المشتركة لمنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية في الرياض في 11 نوفمبر تشرين الثاني، إذ لم توافق الدول الإسلامية على طلب الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بفرض عقوبات واسعة النطاق على إسرائيل.

ماذا حدث في عام 1973؟

في عام 1973، فرضت الدول العربية الأعضاء في منظمة أوبك -بقيادة المملكة العربية السعودية- حظراً نفطياً على الولايات المتحدة رداً على دعمها إسرائيل في حربها ضد عدد من الدول العربية في ذلك الوقت، وسرعان ما طال الحظر دولاً أخرى مثل بريطانيا وهولندا واليابان.

وأدى الحظر إلى ارتفاع أسعار النفط، ونقص حاد في الوقود وانعكس بشكل واضح في الطوابير الطويلة الممتدة أمام محطات الوقود، وكان التأثير السلبي على الاقتصاد الأميركي كبيراً.

لكن على المدى الطويل، دفعت تلك الأزمة الدول الغربية لتقليل الاعتماد على منطقة الشرق الأوسط والبحث عن مصادر جديدة لتأمين احتياجاتها النفطية مثل بحر الشمال، ومخزونات المياه العميقة، ومصادر الطاقة البديلة.

لماذا لم يعد سلاح النفط مجدياً حالياً؟

البيئة الجيوسياسية الحالية تختلف كثيراً عما كانت عليه قبل 50 عاماً، ففي حين كانت الدول الغربية المشتري الرئيسي للنفط الذي تنتجه الدول العربية قبل نصف قرن، أصبحت آسيا اليوم هي المستهلك الأكبر لنفط أوبك، حيث تستحوذ على نحو 70 في المئة من إجمالي صادرات المجموعة.

واستبعد بنك جيه بي مورغان في مذكرة فرض حظر مماثل في الوقت الحالي، إذ قال «من غير المرجح أن تفرض دول الخليج المنتجة للنفط حظراً نفطياً على غرار ما حدث في السبعينيات، لأن ثلثي صادرات النفط في دول مجلس التعاون الخليجي اليوم يتم شراؤها من قبل عملاء آسيويين، والأهم من ذلك، أن التحول الاقتصادي الذي تستهدفه المنطقة يتطلب عدم وجود صراعات».

وفي سياق مشابه، أشار جيوفاني ستونوفو، المحلل في بنك (يو بي إس)، إلى أن نفوذ الصين في الشرق الأوسط آخذ في النمو، وقال «توسطت الصين في اتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران، وهي عميل مهم للغاية لمنتجي النفط في الشرق الأوسط، وثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم؛ وتشكل بكين إلى جانب الهند، محرك نمو للطلب العالمي على النفط».

وقال مورجان بازيليان، مدير معهد باين، إن مشهد الطاقة تغير بشكل كبير خلال الخمسين عاماً الماضية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة حالياً تعد أكبر منتج للنفط والغاز في العالم، وهي تتمتع باحتياطي نفطي استراتيجي طويل الأمد.

فالنفط وحده لم يعد سلاحاً كافياً للضغط على الدول الداعمة لإسرائيل لسببين، أولهما أن تلك الدول أصبحت أقل اعتماداً على النفط العربي مما كانت عليه قبل خمسين عاماً، والثاني أن الدول العربية المنتجة للنفط ذاتها تحتاج إلى الاستقرار لتحقيق التحول الاقتصادي الذي تصبو إليه.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version