د. نيللي كمال الأمير*
تنطلق خلال أيام في دبي واحدة من أهم القمم التي تنعقد تحت مظلة المنظمة الأممية، وهي قمة المناخ ال28، المعروفة اختصاراً ب«كوب 28». تستمد قمم المناخ أهميتها من عدة جوانب: فالمعاهدة المنشأة لتلك القمم فرخت تقليداً بدأ استثنائياً حتى ترسخ في عقلية التنظيم الدولي وآلياته ألا وهو الاجتماع الدوري على مستوى القمة من أجل بحث «سلامة البيئة العالمية».
تأتي أهمية «كوب 28» أيضاً من القضية المعنية بها التي تعد الأخطر على الإطلاق بشرياً وطبيعياً. وتتمثل الأهمية أيضاً في كونها الدور الانعقادي لأكثر من مؤتمر في آن واحد. فلن تستضيف دبي الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف فقط، لكنها تستضيف كذلك عدة مؤتمرات: الدورة الثامنة عشرة لمؤتمر الأطراف في بروتوكول كيوتو، والدورة الخامسة لمؤتمر الأطراف في اتفاق باريس، والدورة التاسعة والخمسين للهيئة الفرعية للمشورة العلمية والتكنولوجيا، والدورة التاسعة والخمسين للهيئة الفرعية للتنفيذ.
فرصة عربية
من هنا تتجلى إذاً الأهمية الدولية للقمة، وستمتد جلساتها التحضيرية من 24 نوفمبر/تشرين الثاني حتى الختام في 12 ديسمبر/كانون الأول. إقليمياً أيضاً تتمتع هذه الدورة بأهمية، أولاً تستضيف القمة دولة عربية ليصبح بذلك الإقليم الأكثر استضافة لدورات كوب، وهي المرة الرابعة خلال مسيرتها التي تقترب من ثلاثة عقود تطورت معها التحديات، لكن زادت معها الفرص على المستوى العربي مع توجه العديد منها للطاقة الجديدة مثل مصر والمغرب والإمارات التي أنشأت قبل نحو عقدين «مصدر» كأول مدينة ذكية صديقة للبيئة.
في كل الأحوال، تخلق الاستضافة الإماراتية فرصة عربية لمزيد من التنسيق وفرصة تنموية كذلك، لذا لم يكن مستغرباً أن يتم إفراد الجلسة الأولى للدول الأقل نمواً.
قضايا للنقاش
لقد رسخت قمم المناخ مفهوم الاستماع وعلو صوت الدول النامية والدول الجزرية، والآخذ في الانتشار، يدعمه الاستضافات الصديقة لقمم المناخ، إن جاز التعبير.
لن نستغرب إذاً أن نجد أن الجلسة الأولى من بين الجلسات التحضيرية قد خصصت للدول الأقل نمواً، يليها الاجتماعات التنسيقية بين الصين ومجموعة ال77. وهنا، يمكننا القول إنه من المتوقع أن تشهد أعمال القمة المرتقبة في ما يتعلق بدور القوى الكبرى صعوداً صينياً في مقابل تراجع أمريكي؛ حيث سيغيب بايدن عن القمة في ظل مواجهته موقف متأزم فيما يخص قبول سياسته أمريكياً ودولياً.
ويبدو أن القمة ستتناول موضوعات تتصل بتغير المناخ بصفة غير مباشرة خلال أسبوعها الأول؛ حيث من المقترح أن يتم تناول موضوعات الصحة والإغاثة والانتعاش والسلام والتمويل والتجارة والنوع والطاقة والصناعة والتحول العادل، وربما تتيح قضية تغير المناخ قائمة طويلة من الموضوعات على النحو المذكور، لكن يبدو أنه تفادياً للصدام المتوقع عند الحديث عن سياسات تقليص الوقود الأحفوري، فقد خصص الأسبوع الأول لموضوعات أكثر قبولاً. فيما سيتناول الأسبوع الثاني العمل متعدد المستويات والتحضر والبناء والبيئة/النقل والشباب والأطفال والتعليم والمهارات الطبيعة واستخدام الأراضي والمحيطات.
تخلق استضافة القمة المناخية بعض التحديات على مستوى إنجاز اتفاق دولي مناخي. فأولاً، يحضر القمة نحو 70 ألف شخص من نحو 200 دولة، ما يمثل تحدياً ليس فقط في الوصول إلى اتفاق، لكن أيضاً في تنسيق المفاوضات وإدارتها بما يسمح باستعراض وجهات النظر المختلفة والمتباينة جداً في أحيان كثيرة.
تواجه القمة تحدياً آخر يتعلق بضرورة التعامل مع الصورة السائدة عن قمم المناخ، فقد أثارت قمم المناخ السنوية التي تعقدها الأمم المتحدة انتقادات لأنها أصبحت تكتظ بجماعات الضغط من الشركات. وسنجد مثلاً أن «كوب 28» ملزمة بالتعامل مع التحدي الخاص بنقل خطط القمة السابقة لمستوى التنفيذ كما هو معهود. وهنا يأتي اختبار تنفيذ صندوق الخسائر والأضرار ورسملته.
وقبل أيام، اختتمت الجلسة الخامسة والأخيرة لهذه اللجنة حول إنشاء الصندوق باعتماد نص خلال جلسة عامة تم بثها عبر الإنترنت، لكنها واجهت تحفظات الولايات المتحدة وعدة دول نامية. وتم اقتراح إنشاء الصندوق بشكل مؤقت، لمدة أربع سنوات، على مستوى البنك الدولي، وهو ما قوبل برفض شديد في البداية من الدول النامية التي لا تفضل اللجوء إلى البنك، علاوة على ذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى «أن تكون العضوية طوعية للدول المتقدمة»، في مقابل ذلك سعت دول الجنوب إلى تحقيق بند المساهمة الإلزامية، بحكم المسؤولية التاريخية الكبرى للدول الغنية في انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
دور الإمارات
يضاف إلى ذلك، أن الإمارات تبعث برسالة قيّمة إصلاحية تؤكد من خلالها أهمية تحمل المسؤولية تجاه قضية تغير المناخ والذي يعد في الواقع امتداداً لسياساتها التي تعزز الانتقال إلى الطاقة النظيفة التي تم تبنيها من قبل الحكومة منذ سنوات بداية من عام 2006 عندما أنشأت «مدينة مصدر» كأول مدينة ذكية إقليمياً.
إجمالاً، قمم المناخ هي مجموعة من الدول تحمل مجموعة من الأهداف التي تعبر عن مجموعة من المصالح، ونستطيع أن نرصد عدداً من التغيرات الإيجابية أهمها أن صوت الدول النامية والدول الأكثر تضرراً صار مسموعاً، وأن نجاح حالة الضغط أدت إلى سحب تدريجي لقيادة المباحثات البيئية الدولية من مستوى الدول المتقدمة لمستوى دول الجنوب (تقسم الدول حالياً في التفاوض لمجموعات أساسية وهي الصين والولايات المتحدة والدول النامية والاتحاد الأوروبي والدول الجزرية).
ختاماً، من المهم خلال «كوب 28» طرح الحلول الأقرب للواقع ما يجعلها أقرب إلى التنفيذ. والواقعية في الطرح تتطلب التدرج في التنفيذ والتوقف عن استخدام الوقود الأحفوري، وهنا يصبح أمام رئاسة القمة الإماراتية فرصة لإنجاح القمة بما سيتسق مع سياساتها في ما يتعلق بالبيئية.
* باحثة مصرية في الشؤون البيئية والتنموية