كان صيف عام 2023 موسماً ناشطاً للغاية بالنسبة لصناعة السفر؛ وبحلول نهاية يوليو تموز، وصل عدد السياح الدوليين على مستوى العالم إلى 84 في المئة من مستويات ما قبل الوباء

.

وفي بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا والدنمارك وأيرلندا، تجاوز الطلب السياحي مستوى ما قبل الوباء؛ قد تكون هذه أخباراً رائعة من الناحية الاقتصادية، ولكن هناك مخاوف من العواقب البيئية والاجتماعية المحتملة لحركة السفر المتزايدة.

أضرار السياحة على البيئة

يوّلد قطاع السياحة نحو عُشر انبعاثات الغازات الدفيئة المسؤولة عن أزمة المناخ، ويدعو الخبراء لضرورة تغيير عادات السفر لدينا لتخفيف الآثار السلبية للسياحة على البيئة.

في تقرير صدر عام 2023 حول مستقبل السفر المستدام، اقترحت شركة الرحلات السياحية (إنتربيد ترافيل) إصدار جوازات سفر كربونية للحد من البصمة الكربونية لقطاع السياحة.

ما هو جواز السفر الكربوني؟

تتركز فكرة جواز السفر الكربوني حول تخصيص نقاط كربونية سنوية لكل مسافر لا يمكنه تجاوزها؛ بهدف تقنين حركة السفر.

وقد يرى البعض أنها فكرة متطرفة، لكن في الواقع هي فكرة ليست جديدة؛ إذ جرت مناقشة فكرة مشابهة (أطلق عليها تجارة الكربون الشخصية) من قبل البرلمان البريطاني في عام 2008، قبل أن يُغلق باب المناقشة في هذا الأمر نظراً لصعوبة تنفيذه وإقناع الجمهور به.

البصمة الكربونية

ويبلغ متوسط البصمة الكربونية السنوية للفرد في الولايات المتحدة 16 طناً، وهو واحد من أعلى المعدلات في العالم، وفي المملكة المتحدة، يبلغ هذا الرقم 11.7 طن، وهو ما يزيد على خمسة أضعاف الرقم الموصى به في اتفاقية باريس لإبقاء ارتفاع درجة الحرارة العالمية أقل من 1.5 درجة مئوية (2.7 فهرنهايت).

وعلى الصعيد العالمي، يقترب متوسط البصمة الكربونية السنوية للشخص الواحد من 4 أطنان، ولتحقيق أهداف المناخ، يحتاج العالم لخفض متوسط البصمة الكربونية العالمية إلى أقل من طنين بحلول عام 2050، أي ما يعادل نحو رحلتين ذهاباً وإياباً بين لندن ونيويورك.

يتوقع تقرير (إنترييد ترافل) أننا سنرى جوازات السفر الكربونية قيد التنفيذ بحلول عام 2040.

انبعاثات السفر الجوي

بين عامي 2013 و2018، زادت كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة من الطائرات التجارية في جميع أنحاء العالم بنسبة 32 في المئة، ولم تفلح التحسينات التي تم إدخالها في كفاءة استهلاك الوقود في تقليل الانبعاثات لكل راكب بشكل كبير.

لكن الأبحاث التي أجريت في عام 2014 وجدت أن النمو في الحركة الجوية يفوق أي جهود تبذلها الصناعة للحد من انبعاثات الكربون.

وهناك اقتراحات برفع أسعار التذاكر بنسبة 1.4 في المئة كل عام لإثناء بعض المسافرين عن الطيران؛ لكن في الواقع تواصل أسعار التذاكر تراجعها بشكل مستمر.

بدأت بعض الدول الأوروبية في اتخاذ إجراءات للحد من السفر الجوي؛ على سبيل المثال، سيخضع ركاب الرحلات الجوية القصيرة والطائرات القديمة في بلجيكا لضرائب متزايدة بدءاً من 1 أبريل نيسان 2023.

ومنذ أقل من شهرين، حظرت فرنسا الرحلات الداخلية القصيرة حيث يمكن القيام بالرحلة نفسها بالقطار خلال ساعتين ونصف الساعة أو أقل؛ ومن المتوقع أن تحذو إسبانيا حذوها.

ومن المحتمل وجود مخطط مماثل في الأفق بالنسبة لألمانيا؛ ففي عام 2021، وجد استطلاع أجرته مؤسسة (يوجوف) أن 70 في المئة من الألمان سيؤيدون مثل هذه الإجراءات لمكافحة تغير المناخ إذا توفرت طرق نقل بديلة مثل القطارات أو السفن.

بدأت بعض الدول الأوروبية في اتخاذ إجراءات للحد من السفر الجوي، بدءاً من 1 أبريل نيسان 2023

الرحلات البحرية والكربون

لا تقتصر الانتقادات على السفر الجوي، فقد وجد تحقيق أجراه الاتحاد الأوروبي للنقل والبيئة في عام 2023 أن السفن السياحية تضخ أربعة أضعاف غازات الكبريتيك (التي ثبت أنها تسبب أمطاراً حمضية والعديد من أمراض الجهاز التنفسي) في الغلاف الجوي مقارنة بكل السيارات الأوروبية مجتمعة البالغ عددها 291 مليون سيارة.

أجبرت مثل هذه الإحصائيات الوجهات الأوروبية على اتخاذ إجراءات ضد صناعة الرحلات البحرية؛ ففي يوليو تموز، منع مجلس أمستردام السفن السياحية من الرسو في وسط المدينة في محاولة للحد من التلوث، وهي مبادرة أظهرت نجاحاً ملموساً في أماكن أخرى.

في عام 2019، كانت البندقية هي الميناء الأوروبي الأكثر تلوثاً، بسبب الأعداد الكبيرة من زيارات السفن السياحية، لكنها تراجعت إلى المركز 41 في عام 2022 بعد أن أدى حظر دخول السفن السياحية الكبيرة إلى مياه المدينة إلى خفض ملوثات الهواء من السفن في البندقية بنسبة 80 في المئة.

البصمة الكربونية للمسافرين
يبحث السياح الأوروبيون عن وجهات أكثر برودة مثل بلجيكا وسلوفينيا وبولندا لقضاء عطلاتهم الصيفية

تغيير الوجهات

يسلط تقرير (إنتربيد ترافيل) الضوء أيضاً على أن تغير المناخ لا يتأثر فقط بالطريقة التي نسافر بها، ولكن أيضاً بالمكان الذي نسافر إليه.

ومن المحتمل أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تقليل جاذبية الوجهات الشاطئية التقليدية، ما يدفع السياح الأوروبيين إلى البحث عن وجهات أكثر برودة مثل بلجيكا وسلوفينيا وبولندا لقضاء عطلاتهم الصيفية.

أفادت العديد من وكالات السفر بأنها شهدت زيادات ملحوظة في حجوزات العطلات إلى وجهات أوروبية أكثر برودة مثل الدول الاسكندنافية وأيرلندا والمملكة المتحدة خلال أشهر ذروة السفر الصيفية لعام 2023.

ومهما كان الحل، فإن التغييرات في عادات السفر لدينا تبدو حتمية؛ وتطالب الوجهات في جميع أنحاء العالم، من برشلونة إلى ضفاف النهر الإيطالية وحتى جبل إيفرست، بفرض قيود على أعداد السياح في الوقت الذي تكافح فيه للتعامل مع زيادة الحشود والتلوث.

يبدو أنه على المصطافين المبادرة بتغيير عادات السفر من تلقاء أنفسهم قبل أن يفرض عليهم هذا التغيير.

(CNN- روس بينيت كوك)

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version