تتأثر إفريقيا بشكل غير متناسب بتغير المناخ، على الرغم من مساهمتها الأقل في الانبعاثات العالمية. ومن ثم تحتاج القارة إلى موارد مالية كبيرة للتكيف بفعالية مع المخاطر المناخية المتصاعدة.
وأمام تلك التحديات، يتعين نمو تمويل التكيف، الذي يبلغ حاليا 39 بالمئة من إجمالي تدفقات تمويل المناخ إلى إفريقيا، بسرعة في السنوات المقبلة؛ لتمكين القارة من إدارة المخاطر المناخية المعقدة والمتصاعدة التي تهدد المجتمعات واقتصادها الناشئ.
وفي هذا السياق، حث قادة عالميون، خلال قمة تمويل التكيف من أجل إفريقيا، في ثاني أيام مؤتمر COP28، على استجابة عالمية أكبر لاحتياجات تمويل التكيف في القارة السمراء؛ لمعالجة تأثير تغير المناخ وبناء القدرة على الصمود.
وفي كلماتهم خلال القمة، التي ضمت عديداً من القادة والمسؤولين وبحضور مسؤولين غربيين إضافة إلى رجل الأعمال بيل غيتس، ذكروا أن تمويل التكيف مع المناخ في إفريقيا يصل حالياً إلى 39 بالمئة من تدفقات أنشطة تمويل المناخ، وهو معدل قالوا إنه “يجب أن تزيد بسرعة”.
تضمنت الكلمة الرئيسية لرئيس مجموعة بنك التنمية الإفريقي، أكينومي أديسينا، وفق ما نشره بنك التنمية الإفريقي، ما يلي:
- تسليط الضوء على المبادرات التي اتخذتها المؤسسة استجابة لاحتياجات التكيف مع المناخ في إفريقيا، بما في ذلك إطلاق نافذة العمل المناخي لتعبئة ما يصل إلى 14 مليار دولار لدعم التكيف مع تغير المناخ.
- دعوة الجهات المانحة والمستثمرين إلى الانضمام إلى نافذة العمل المناخي لتقديم تقنيات زراعية مقاومة للمناخ لنحو 20 مليون مزارع.. وإعادة تأهيل مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، علاوة على توفير المياه والصرف الصحي والخدمات الصحية لنحو 18 مليون شخص، والطاقة المتجددة لما يقرب من 10 ملايين شخص.
وخلال القمة، ذكر الرئيس السنغالي، ماكي سال، أن: - إفريقيا لا تزال متأخرة في عملية التكيف؛ لأنها لا تستفيد إلا قليلا من التمويل الميسر والاستثمارات الخضراء.
- نتيجة لذلك، تغرق البلدان الإفريقية في ديون ثقيلة لتمويل مشاريعها الخضراء، وهو ما يشكل عقابا مزدوجا للقارة الأقل تسبباً في التلوث.
- إن إفريقيا لا تطلب خدمة خاصة، بل تطلب نهجاً عادلاً ومنصفا في مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري.
تعهدات بريطانية
ومن بين القادة الغربيين الذين شاركوا في القمة، كان وزير خارجية المملكة المتحدة، ديفيد كاميرون، والذي قال تحدث عن حجم التحديات التي تواجهها قارة إفريقيا بسب تداعيات تغير المناخ، كاشفاً عن أن إنفاق بلاده على التكيف في إفريقيا سيصل إلى 1.5 مليار جنيه إسترليني (1.89 مليار دولار) بحلول العام 2025، وهي أموال ستذهب إلى مشاريع حيوية مثل التنبؤ بالطقس للمزارعين.
وشدد على أنه من أجل التوسع بشكل أكبر، يجب على حكومات الدول الغنية أن تعمل مع بنوك التنمية المتعددة الأطراف لتوفير ما يكفي من الأموال.
وللمساعدة في سد فجوة التمويل، أطلقت القارة في العام 2021 أكبر برنامج للتكيف في العالم، وهو برنامج تسريع التكيف في إفريقيا بقيمة 25 مليار دولار. يقوده مجموعة بنك التنمية الإفريقي، ومفوضية الاتحاد الإفريقي، والمركز العالمي للتكيف، لتحقيق رؤية مبادرة التكيف الإفريقية.
فرص استثمارية هائلة
أما رئيس الوزراء الهولندي، مارك روته، فقد أفاد بأن التكيف يوفر فرصاً استثمارية هائلة. وحث الدول الأخرى على تكثيف جهودها لتمويل التكيف، قائلا إن إدارة أنماط الطقس المتطرفة مثل الفيضانات والجفاف يجب أن تكون عنصرا أساسيا في كل ميزانية وطنية.
وأوضح الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت سابقًا، بيل غيتس، في كلمته أن التكيف يشبه “الطفل اليتيم” لتمويل المناخ؛ لأنه غير كاف ويتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة، مردفاً: “إن الغالبية العظمى من الذين يعانون من تغير المناخ هم من صغار المزارعين”.
ويعد مؤتمر الأطراف أكبر منصة عالمية للدول للتفاوض على طريقة متفق عليها للمضي قدمًا لمعالجة تغير المناخ. ويجمع هذا التجمع أيضًا أصحاب المصلحة الرئيسيين المشاركين في تغير المناخ: الحكومات والقطاع الخاص والشباب والمجتمع المدني.
ويعول القادة الأفارقة على القمة من أجل:
- تأمين الالتزامات المتجددة بأهداف التمويل لبرنامج تسريع التكيف في إفريقيا.
- تعزيز التعاون بين وزراء المالية والاقتصاد الأفارقة لإطلاق الاجتماع الوزاري لتمويل التكيف من أجل إفريقيا في العام 2024.
- تعزيز دمج القدرة على التكيف مع تغير المناخ في أجندة التنمية في إفريقيا.
وتحظى القارة الإفريقية باهتمام واسع في المناقشات الجارية خلال cop28 في دولة الإمارات، لا سيما لكونها أكثر المناطق تأثراً بتداعيات تغير المناخ.
آمال وتطلعات إفريقية
وفي هذا السياق، يقول نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الإفريقية، السفير صلاح حليمة، إن: “إفريقيا هي القارة الأكثر تضررًا من تداعيات المناخ، والأقل تسبباً فيها.. آمال عديدة لدى القارة الإفريقية بأن كوب 28 يمكنه أن يحقق ما لم يتم إنجازة في المؤتمرات السابقة ابتداءً من مؤتمر باريس”.
وأضاف في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- تطلعات إفريقيا تتمثل في ضرورة الوفاء بالالتزامات من جانب الدول الغنية، والتي تعهدت في وقت سابق بتقديم 100 مليار دولار سنوياً.
- تتطلع دول القارة إلى نقل التكنولوجيا إليها؛ لتتمكن من مواكبة العصر في إطار دفع عملية التنمية المستدامة.
- تطلعات واسعة أيضاً إلى تمويل مجالات معينة فيما يتعلق بالطاقة الجديدة والمتجددة والاقتصاد الأخضر بجانب الاقتصاد الأزرق.
وأضاف: هذه الآمال بدأت إرهاصاتها منذ اليوم الأول للمؤتمر بتوفير الإمارات حوالى 100 مليون دولار لصندوق التعويضات الذي تم إنشاؤه خلال تولي مصر رئاسة مؤتمر المناخ في كوب 27، وهناك أيضا حديث عن دفعات مالية أخرى في هذا الإطار لدفع عملية التنمية المستدامة.
وأوضح نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الإفريقية، في معرض حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أنه لا شك في أن إفريقيا تتطلع لكثير من الدعم، في وقت تواجه فيه تحديات المناخ الخاصة، بمختلف أشكالها وبما في ذلك الجفاف والفيضانات والحرائق وغيرها من الكوارث التي تعرقل عملية التنمية.
كما تتطلع أيضاً لفرص حقيقية من أجل تخفيف الديون التي تعاني منها المنطقة والتي تمثل حوالي 40% من المال الناتج المحلي الإجمالي.
وفي قمة نيروبي للمناخ في إفريقيا في سبتمبر 2023، طرح القادة الأفارقة سبعة مواثيق وطنية لتكون بمثابة خرائط طريق استثمارية للتكيف مع المناخ في إطار برنامج التكيف المناخي. وسيقدمون مرة أخرى المزيد من الاتفاقيات في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين كجزء من التعبئة الاستراتيجية لموارد التكيف في المنطقة.
وبمناسبة أول تقييم عالمي، والذي سيقيم التقدم العالمي في اتفاق باريس، يعد مؤتمر الأطراف الثامن والعشرون لتغير المناخ منصة مثالية لتسليط الضوء على إمكانات إفريقيا وإعادة التأكيد على احتياجات القارة، وفق بنك التنمية الإفريقي.
بنك التنمية الإفريقي
وباعتبارها مؤسسة تمويل التنمية الرائدة في إفريقيا، تعاونت مجموعة بنك التنمية الإفريقي مع فريق رئاسة مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين على مدار العام لتحديد الأولويات وخريطة طريق لتوسيع نطاق العمل المناخي.
وتهدف مشاركة البنك في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) إلى تضخيم صوت إفريقيا وأولوياتها بشأن تغير المناخ، على النحو المنصوص عليه في الموقف الإفريقي المشترك مع التأكيد على قدرة إفريقيا على خفض الانبعاثات العالمية وتحقيق النمو المستدام.
مساهمات إماراتية
يذكر أن دولة الإمارات أعلنت ضمن مبادراتها الاستراتيجية خلال COP28 عن تأسيس صندوق ألتيرّا الاستثماري، وهو أكبر صندوق خاص للتمويل المناخي، وتعهدت بتقديم 110 مليار درهم (30 مليار دولار) للصندوق، وذلك بهدف جمع وتحفيز نحو 920 مليار درهم (250 مليار دولار) من استثمارات القطاع الخاص بحلول 2030، وسيجمع صندوق ألتيرّا التمويل من القطاعين الحكومي والخاص لتوجيه الاستثمارات نحو دعم الحلول المناخية على مستوى العالم، وخاصةَ في دول الجنوب العالمي.
كما تعهدت دولة الإمارات بتقديم 735 مليون درهم (200 مليون دولار) إضافية من حقوق السحب الخاصة إلى “الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة” التابع لصندوق النقد الدولي بهدف تعزيز المرونة المناخية في البلدان النامية، بالإضافة إلى تعهدها خلال العام الجاري بتقديم 16.5 مليار درهم (4.5 مليار دولار) لتعزيز مشروعات الطاقة النظيفة في إفريقيا.
تحديات
من جانبها، تشير الباحثة في الاقتصاد الدولي، الدكتورة سمر عادل، إلى قضية تمويل التكيف في إفريقيا باعتبارها قضية أساسية، موضحة أنه “في COP27 العام الماضي، شددت مصر – التي استضافت المؤتمر- على أهمية تمويل الدول الإفريقية للتكيف، وكانت هناك عديد من المناشدات والمبادرات المتكررة في هذا السياق.. لكن التمويل الذي تحصل عليه القارة حتى الىن غير كافي سواء للمشروعات الخضراء ومختلف أوجه التكيف والتصدي للتغيرات المناخية”.
وتلفت في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى التحديات التي تفاقم تلك الأزمة التي يواجهها ملف التمويل في إفريقيا، وعلى رأسها الاختلافات بين الدول -على غرار الخلافات بين الولايات المتحدة والصين، وهما من أكثر البلدان تسبباً في التلوث- وتباين وجهات النظر بين الدول الأخرى حول قضايا المناخ والتمويل (..)”، موضحة أنه نتيجة تلك التباينات المختلفة لا تزال إفريقيا محرومة من الحصول على التمويل المناسب في هذا الصدد.
وتشدد على أن مدى نجاح البلدان الإفريقية في التصدي لأزمة المناخ والتكيف معها من خلال التمويلات المناخية الحالية والمحتملة، يرتبط بعدة نقاط منها طبيعة الدولة المتلقية للموارد المالية، وكيفية توظيف الموارد المالية سواء في المشروعات الخضراء أو غيرها (..)، مؤكدة أن كل دولة تتعامل مع الموارد المالية بآلية مختلفة وفقًا لاحتياجاتها.
البنك الدولي
ويشار إلى أن البنك الدولي أعلن عن حزمة تمويل طموحة على هامش مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ “COP28″، لمساعدة الأشخاص في البلدان النامية على الصمود بشكل أفضل في مواجهة تداعيات تغير المناخ من أجل خلق عالم أفضل للجميع.
ويسعى البنك الدولي إلى بذل المزيد من الجهود لمكافحة تغير المناخ والقيام بذلك بشكل أسرع، حيث خصص 45 بالمئة من تمويله السنوي للمشروعات المرتبطة بالمناخ للسنة المالية التي تبدأ من 1 يوليو 2024 إلى 30 يونيو 2025.