كتب-المحرر السياسي:

خاضت أوكرانيا والتحالف الغربي، حرباً ضد روسيا لما يقرب من سنتين، حيث تولت واشنطن مهمة التحريض وعطلت كل جهود التسوية، واليوم تصرف الولايات المتحدة اهتمامها عن الحرب راضية، أو مكرهة، ما يجعل أوروبا تقف وحيدة في مواجهة تبعات الأزمة.

مطلوب من أوروبا أن تقرر على جناح السرعة ما إذا كانت سوف تتمسك بأمريكا، أو تعود إلى الصين في الوقت الذي تواجه فيه القارة اضطرابات اجتماعية وركوداً اقتصادياً.

وقد تابع العالم مؤخراً وسائل الإعلام الأنجلو-أمريكية الرئيسية، وهي تحذر فجأة، من النصر الروسي الوشيك في أوكرانيا. ويأتي هذا بعد عامين من التشجيع ممن أصروا على أن أوكرانيا سوف تنتصر، وأن نظام بوتين سينهار. والآن يستحضر بعض النقاد الغربيين والمسؤولين السابقين رؤى مروعة لنهاية أوروبا، أو حتى الحضارة الغربية نفسها، فروسيا بوتين تقترب من تحقيق نصر ساحق، لذا فأساسات أوروبا ترتعش، بينما تحذر الولايات المتحدة من نفاد الأموال المخصصة لحرب أوكرانيا. وما يقلق أوروبا هو حمل العبء كاملاً، بعد أن أعلنت واشنطن استقالتها.

الاستثمار الأمريكي

وربما كانت الولايات المتحدة تحدث أوكرانيا والأوروبيين عن مدى أهميتهم لبقاء الغرب، مع عاصمته «واشنطن». ولكن تبين أنهم أقل أهمية في حساباتها.

فحتى قوة عظمى مثل الولايات المتحدة لا تستطيع تحمل تكاليف حربين باهظتي التكاليف في الوقت نفسه، في حين تستمر في التحريض على كل الجبهات. والآن بعد أن أطلقت إسرائيل صرخات الاستغاثة، لم يعد لدى واشنطن خيارات أخرى.

فمن وجهة نظر الأمريكيين تبقى الحرب استثماراً، ومن المهم أن تعرف ما الذي تستثمر فيه. هناك جوانب سلبية وإيجابية، وإنفاق أموال جيدة لتعويض أموال سيئة. وفي بعض الأحيان، يتعين عليك تقليل خسائرك فقط، مهما كانت مؤلمة.

ومع حرب أوكرانيا، نجحت الولايات المتحدة في جعل أوروبا تتحمل أغلب الأعباء السلبية، في حين تحصد هي الفوائد، وهي كثيرة، حتى لو لم تصل إلى الحد الأقصى للسعر المستهدف، وهو انهيار النظام والاقتصاد الروسيين.

ولم تقتصر تلك الفوائد على ما كسبته صناعة الدفاع الأمريكية، ولا سيما الشركات الخمس الكبرى المصنعة للأسلحة التي انتفخت جيوبها من الحرب، ولكن قطاع النفط والغاز الأمريكي استفاد بدرجة أكبر من خلال البيع بأسعار متضخمة إلى أوروبا.

نادراً ما ترى في التاريخ الحديث هذا العدد الكبير من السياسيين الغربيين الذين يتحدثون عن الفضيلة، فيما يفرضون عقوبات عكسية فعالة ضد شعوبهم. ويأتي ذلك في شكل تضخم حاد وارتفاع تكاليف المعيشة، فضلاً عن مواجهة أسوأ أزمات المهاجرين في العديد من دول الاتحاد الأوروبي. وليس من المستغرب أن تكتسب أحزاب اليمين المتطرف وحتى أحزاب أقصى اليسار المزيد من الأنصار في مختلف أنحاء القارة.

إنها ثورة شعبية في أكبر الاقتصادات الأوروبية ضد النخبة الليبرالية الحاكمة في الاتحاد الأوروبي، والتي تمثلها بروكسل، والتي انحنت، إلى جانب حلف شمال الأطلسي، لمصلحة الولايات المتحدة. وهذه تغييرات هيكلية في الجسم السياسي الأوروبي، وهي محفوفة بالمخاطر والشكوك.

وفي الوقت نفسه، من الواضح أن واشنطن تقوم بإعداد شعبها، وحلفائها الأوروبيين للخروج من أوكرانيا. فقد حان الوقت الآن للاستفادة من الأموال وإعادة الاستثمار في حرب إسرائيل/ فلسطين. ولنتذكر أن الحرب استثمار، وأن الولايات المتحدة لم تتوقف قط عن الاستثمار، من المستوى الإقليمي إلى المستوى العالمي، منذ نشأتها.

نصائح هاس

ومما يبعث على السخرية، أن ريتشارد هاس، الذي كان حتى يونيو/ حزيران رئيساً لمجلس العلاقات الخارجية الذي يعمل بمثابة الباب الدوار بين القطاعين، العام والخاص، لخدمة نخبة مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية ينصح الآن بوقف إطلاق النار، حيث أجرى مقابلات، وأدلى بأحاديث في مختلف الشبكات التلفزيونية والمنشورات الكبرى في الولايات المتحدة.

وخلاصة تباشيره تقول: «نحن نبذل قصارى جهدنا لدعم إسرائيل، ويساورنا القلق بشأن تايوان. وحتى لو قدمنا كل ما تريده أوكرانيا، فإن ذلك لن يؤدي إلى النجاح».

وينصح هاس الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بعدم التركيز على تحرير الأراضي والاكتفاء بما تم تحريره، فنسبة 80% من الأراضي الأوكرانية ستكون آمنة، ويمكن إعادة إعمارها. ويقول: «سوف أقترح وقف إطلاق النار في أوكرانيا». ومما يبعث على الأسف أن توقيع أوكرانيا على اتفاق سلام بعد أشهر قليلة من بدء الحرب كان ممكناً، وفقاً لما قاله أحد كبار مستشاري زيلينسكي وحليفه السابق ديفيد أراخاميا، ولم يشكك كبار المسؤولين الغربيين في روايته أبداً، لكن لندن وواشنطن أفسدتا المفاوضات، وضغطتا على كييف لمواصلة القتال. ومنذ ذلك الحين، أصبح النزاع حرباً بالوكالة للغرب، أو لواشنطن.وقد تحصل أوروبا على قطعة أصغر من الكعكة، ولكن على حساب تقويض تقاليدها الديمقراطية الليبرالية الاجتماعية. وبعد الحرب، قد تضطر إلى الاعتماد بشكل أكبر على الولايات المتحدة من أجل الأمن، إلى جانب التنازل عن مشروع الاستقلال الاستراتيجي، ولكن من دون أي تعويض اقتصادي من واشنطن.

وقد يجد للاتحاد الأوروبي نفسه مرة أخرى في مغازلة قوة بديلة مثل الصين، في وقت يحتاج فيه الاقتصادان كل منهما الآخر، ولكن من المؤكد أن هذا سيزعج الولايات المتحدة بسبب حربها الاقتصادية المكثفة التي ضغطت على الأوروبيين لمؤازرتها فيها ضد الصين.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version