عصام عبيد

لا يزال سحر الانضمام للاتحاد الأوروبي يداعب مخيلة الكثيرين من زعماء الدول التي لم يحالفها الحظ بعد للالتحاق بالركب، على الرغم من أن عملية الانضمام للاتحاد الأوروبي، تمرّ عبر ممر طويل، مملوء بالاشتراطات، وقد تستغرق عقوداً، كما الحالة التركية المتعثرة منذ عقود، وقد تتسارع الخطوات، على غير العادة، كما هو الحال مع أوكرانيا ومولدوفيا اللتين فتح لهما الأوروبيون أبوابهم، في القمة الأخيرة في بروكسل منتصف ديسمبر/ كانون الأول.

دعوات التوسع في الاتحاد الأوروبي، واجهت فتوراً من الدول الأعضاء، ال27 قبل مطالبة أوكرانيا بالانضمام، لكن الانفتاح على مطلب اوكرانيا الانضمام، رافقه انفتاح على عشر دول أخرى، وأعاد الحياة في شرايين الطلبات المتعثرة منذ عقود، من دون إغفال مطالب بروكسل بأن تترافق عمليات التوسع تلك، بمزيد من الإصلاحات ليتم استيعاب الأعضاء الجدد، ودمجهم في هياكل وأنظمة الاتحاد الأوروبي، وإعطاء الفرصة للدول المعنية للانضمام لتوفيق قوانيها وأنظمتهما مع الاشتراطات الأوروبية.

مفاوضات عسيرة

إن انضمام أية دولة للاتحاد عملية مضنية، وتحتاج إلى الوقوف طويلاً في طابور الانتظار الذي تتخلله مفاوضات عسيرة، واشتراطات كثيرة، وقد تحتاج هذه العملية إلى سنوات للوفاء بها، حتى يصبح العضو الجديد كامل العضوية في الاتحاد.

رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، حسم الجدل في التاسع والعشرين من أغسطس/ آب الماضي، بشأن الخلافات حول توسيع الاتحاد خلال منتدى سلوفينيا، حين قال: «إن على الاتحاد الأوروبي، أن يتبنى هدفاً واضحاً ضمن أجندته الاستراتيجية المقبلة، يتعلق بضم المزيد من الأعضاء الجدد بحلول 2030». ولم يكتف المسؤول الأوروبي بذلك، بل أضاف «علينا أن نكون مستعدين بحلول عام 2030 للتوسع، إذا أردنا أن نتصف بالمصداقية، بل علينا أن نتحدث عن جدول زمني».

ولعل الحديث عن الجدول الزمني، هو الأهم لدى كثير من الدول الراغبة في الانضمام، أو تبدو عالقة في طابور المنتظرين حتى تلبية الاشتراطات الأوروبية قبل عملية نيل شرف العضوية الكاملة. بعد هذا النقاش، باتت خمس دول في غرب البلقان مرشحة للانضمام، وهذه الدول هي، ألبانيا والبوسنة والهرسك، ومقدونيا الشمالية، والجبل الأسود، وصربيا، إضافة إلى أوكرانيا ومولدوفيا، وقد بدأ بعض هذه الدول المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي منذ أكثر من 10 سنوات.

رئيس الوزراء الألباني إيدي راما، التقط تصريحات شارل ميشل خلال منتدى سلوفينيا، بشأن الجدول الزمني، معرباً عن أمله «في أن يترجم حديثه إلى خطوات ملموسة في المستقبل القريب، متمنياً ألا يكون انضمام أوكرانيا ضمن مشروع أوروبي للسلام على حساب دول غرب البلقان».

في حين، عبّرت رئيسة وزراء صربيا آنا برنابيتش، عن أسفها للجلوس الطويل في «قاعة انتظار» الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يغذي الشكوك في أوروبا لدى مواطنيها، وفي بلادها. وشددت برنابيتش على القول «إننا أوروبيون جغرافياً وثقافياً واقتصادياً»، داعية أعضاء الاتحاد إلى «المبادرة واتخاذ قرار شجاع سياسياً باستقبال دول غرب البلقان في الأسرة الأوروبية».

الضم التدريجي

الوقوف في طابور الانتظار، ليس محصوراً بدول البلقان وحدها، بل خيّب بطء المسار نحو الاتحاد الأوروبي آمال كثيرين، سواء في المنطقة، أو داخل الاتحاد الأوروبي. وهو القول الذي اطلقه شارل ميشيل أيضاً، مقترحاً ما اسماه «الضم التدريجي»، بحيث بسمح للدول المرشحة المشاركة في بعض السياسات الأوروبية، مثل الدفاع والأمن، بمجرد اعتبارها جاهزة، حتى لو لم تكن استوفت جميع الشروط المطلوبة للانضمام للتكتل.

لكنه عاد للحديث عن الحاجة إلى إصلاح الاتحاد الأوروبي قبل توسعيه، وهو الرأي الذي نادى به الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، من قبل، ولم يعترض شارل ميشل على دعوات الإصلاح هذه، وقال إن «إدراج أعضاء جدد في اتحادنا لن يكون سهلاً. وسيؤثر في سياساتنا وبرامجنا وميزانياتنا، وهذا سيتطلب إصلاحات وشجاعة سياسية». وبهذا الخصوص، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إن «عملية الانضمام إلى التكتل ليست مقاساً واحداً يناسب الجميع… في الماضي، رأينا أن الدول التي أرادت الانضمام كان بعضها أسرع وأخرى لم تنجح قط».

الحالة ألأوكرانية

الاتحاد الأوروبي، تقدم خطوة مهمة باتجاه أوكرانيا في اجتماعات الاتحاد في منتصف ديسمبر/ كانون الأول، بفتح محادثات الانضمام، وعلى الرغم من معارضة المجر التي ترى أن أوكرانيا غير مؤهلة بعد للانضمام، إلا أنها امتنعت عن التصويت، ما سمح بتمرير القرار بفتح محادثات الانضمام. ورغم حديث الرئيس المجري عما تعانيه أوكرانيا من فساد، وأوجه قصور تتعلق بسيادة القانون، ومعاملة الأقليات القومية في البلاد. لكن بعد مرور عشرين شهراً على بدء الحرب مع روسيا، بدأ الاتحاد الأوروبي يفكر جدياً، في قبول عضويتها. وبرر اندفاعاته نحوها، بتقرير تناول فيه التقدم الذي أحرزته كييف في موضوع الإصلاحات، مؤكداً أنه بالرغم من انشغالاتها في الحرب مع روسيا فقد أنجزت أربعة من سبعة إصلاحات ذات أولوية تم وضعها.

وكانت أوكرانيا بدأت محاولات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مباشرة بعد الحرب مع روسيا، وتحديداً في فبراير/ شباط 2022، وتم منحها رسمياً صفة «مرشح» للعضوية في يونيو/ حزيران 2022. وتصر دول، مثل هولندا، على أنه لا يمكن أن تكون هناك سبل مختصرة على مسار نيل العضوية. وتتهم المجر، وهي أقرب حليف لروسيا داخل الاتحاد الأوروبي، كييف بفرض قيود على ذوي الأصول المجرية في أوكرانيا.

والسماح بانضمام دولة مزقتها الحرب، ويتجاوز تعداد سكانها 40 مليون نسمة، إلى الاتحاد الأوروبي أمر من شأنه أن يؤدي إلى تحول كبير وتكاليف باهظة للتكتل، وهو ما سيحول بعض المستفيدين تماماً من أموال الاتحاد الأوروبي إلى دول مساهمة تماماً. وقال الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس، إن بوخارست، على سبيل المثال، تريد انضمام مولدوفيا وأوكرانيا سريعاً إلى الاتحاد الأوروبي، لكن هذا لا يعني «بين يوم وليلة».

العقدة التركية

في المقابل، عادت قضية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي إلى دائرة الضوء مجدداً في 12 يوليو/ تموز 2023 بعد سنوات على إغلاق المفاوضات بشكل نهائي من قبل الكتلة، فقد اشترط الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إعادة إطلاق مفاوضات انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي للتخلي عن اعتراضه على ضم السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). لكن أردوغان سرعان ما تخلى عن شرطه، ما مهد لانضمام السويد لحلف الناتو.

ولطالما كانت تركيا ترغب في الانضمام للاتحاد الأوروبي، لا سيما منذ أن تولى الرئيس أردوغان السلطة عام 2003. وأطلق الرئيس التركي مشروعاً واسعاً للإصلاحات، السياسية والاقتصادية، على أمل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن المفاوضات التي استمرت لسنوات دائماً ما كانت تشهد تقلباً في المواقف حتى تم إغلاق الباب في عام 2018 بشكل نهائي.

لكن الأمل تجدد، مع فتح الاتحاد الأوروبي للتوسع مجدداً مع الحرب الأوكرانية الروسية، لكن لا يزال أمام تركيا قيود واشتراطات كثيرة تطلب بروكسل الوفاء بها للحصول على العضوية، فالدول الراغبة في الحصول على العضوية،عليها أن تقوم بتغيير قوانينها الداخلية لتتناسب مع قوانين الدول المنضوية في تكتل بروكسل، كما فعلت قبرص التي غيرت مادة من قوانينها كانت تجرّم المثلية وتحاكم المثليين بالسجن المؤبد، حتى تتطابق مع القوانين الأوروبية.

فمعظم المعايير التي يطلبها الاتحاد الأوروبي تتعلق بحقوق الإنسان، والمساواة، والحريات بالمنظور الأوروبي. وهذه الشروط من الصعب على أنقرة الوفاء بها، بل وترى أن على الدول الأوروبية عدم فرض أجندتها الثقافية والاجتماعية وتعميمها، ومراعاة اختلاف الثقافات وخصوصيتها، كما في الحالة التركية التي يحكمها حزب العدالة والتنمية.

الدول المرشحة

يبدو أن الحرب الأوكرانية – الروسية، قد عجلت وأنعشت الآمال، ليس لدى أوكرانيا فحسب، بل لدى كثير من الدول الساعية للانضمام لتكتل بروكسل، والتي سعى أصحابها للوفاء بالاشتراطات الأوروبية. بل وأيقظت لديهم الحماس بالتحرك وتلبية الاشتراطات، وفتح حوارات، وقوبل هذه التحرك من الدول سالفة الذكر بشيء من اللين غير المعهود في فترات زمنية سابقة، إذ ترى بروكسل، أن انضمام أعضاء جدد تقوية لمواقفها ضد النفوذين الروسي والصيني.

بل أكثر من ذلك، فقد اعتبرت وزيرة الخارجية السلوفينية، تانيا فاجون، أن التوسيع لا يصب في مصلحة الاتحاد الأوروبي والأعضاء الجدد، فحسب، بل يمثل ضرورة جيوستراتيجية بحيث «ستكون أوروبا أكثر استقراراً وأمناً وازدهاراً عندما تكتمل عملية التوسيع».

ولا يزال هناك عشرة دول تطمح إلى نيل العضوية في التكتل الأوروبي، هي: تركيا، وجورجيا، والجبل الأسود، (مونتنيغرو)، وصربيا، وكوسوفو، وألبانيا، ومقدونيا الشمالية، والبوسنة والهرسك، ومولدوفيا، إضافة إلى أوكرانيا التي سبق الحديث عنها.

وما زالت دول أخرى تنتظر، وتواجه عقبات واشتراطات يصعب الوفاء بها، كما هو الحال في تركيا،

في حين ان المفاوضات لا تزال معلقة مع ألبانيا والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية وصربيا، ولم تتلق البوسنة والهرسك موافقة خالصة لبدء محادثات الانضمام بعدما نالت صفة مرشح. وأوصت المفوضية الأوروبية ببدء المفاوضات معها «بمجرد تحقيق الدرجة اللازمة من الامتثال لمعايير العضوية».

وأحرزت البوسنة تقدماً في المعايير السياسية على نحو سريع، نسبياً، عبر تشكيل حكومة فعالة في أعقاب انتخابات عام 2022. وبدأت الجمهورية تنفيذ إصلاحات، بما في ذلك تعزيز مبدأ اليقين القانوني.

ورغم ذلك، لم تعد الإجراءات التي اتخذتها سلطات البوسنة كافية من قبل بروكسل. كذلك فإن محادثات انضمام مقدونيا الشمالية، اصطدمت هي الأخرى بإصرار بلغاريا على إدراج حقوق الأقلية البلغارية في دستور هذا البلد، كشرط مسبق لتخلي صوفيا عن حق النقض (الفيتو)، على بدء الاتحاد الأوروبي محادثات الانضمام مع سكوبي.

في حين أجرت صربيا تعديلات دستورية لاستقلال القضاء، وعدلت قوانين الإعلام، ضمن أمور أخرى، وأحرزت تقدماً في إطار مواءمة سياستها الخارجية مع الاتحاد الأوروبي، ولكن عدم فرض بلغراد عقوبات على روسيا، يظل مدعاة للقلق لدى تكتل بروكسل، إضافة إلى الدعوات الأوروبية لبلغراد إلى تطبيع علاقاتها مع كوسوفو.

فيما قال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش «لا يتعين علينا توقع تغييرات ثورية. من المهم أن نسير على المسار الأوروبي، وأن نحافظ في الوقت نفسه على مصالحنا الوطنية».

إعلان غرناطة بشأن توسيع التكتل

تبنّى الاتحاد الأوروبي إعلاناً مشتركاً في مدينة غرناطة الإسبانية، تضمن قسماً بشأن توسع التكتل ومستقبله، حيث استضافت غرناطة اجتماعاً غير رسمي لرؤساء دول وحكومات الاتحاد ال 27، تناول الأولويات الاستراتيجية للقارة. وذكر الإعلان أن توسعة الاتحاد الأوروبي تشكل «استثماراً جغرافياً استراتيجياً في السلام والأمن والاستقرار والرخاء». ودعا الأعضاء الطامحين إلى «تكثيف جهودهم الإصلاحية بما يتماشى مع الطبيعة القائمة على الجدارة» لهذه العملية.

كما تضمن إعلان غرناطة التزام الاتحاد الأوروبي بمواصلة بناء جيشه، وأمن الطاقةن وشراكاته خارج أوروبا. وقال رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيث، الذي استضاف الاجتماع كجزء من رئاسة مدريد الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي، إن «غرناطة ستظل مرتبطة دائما بالإرادة السياسية لمواصلة تعميق المشروع الأوروبي»، مضيفاً أن إسبانيا منفتحة على الترحيب بالأعضاء الجدد. وحسب الإعلان: «توصل سفراء الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق بشأن اللائحة التنظيمية لمعالجة حالات الأزمات والقوة القاهرة في مجال الهجرة واللجوء». وتعتبر الاتفاقية بمثابة اختراق باتجاه «إصلاح» سياسة اللجوء والهجرة في الاتحاد الأوروبي.

معاهدة ماستريخت

تأسس الاتحاد الأوربي بناء على اتفاقية معروفة باسم «معاهدة ماستريخت» الموقعة عام 1991، ولكن العديد من أفكاره موجودة منذ خمسينات القرن الماضي، وترتكز مبادئ الاتحاد الأوروبي على نقل صلاحيات الدول القومية إلى المؤسسات الأوروبية، لكن تظل هذه المؤسسات محكومة بمقدار الصلاحيات الممنوحة من كل دولة، إذ لا يمكن اعتبار هذا الاتحاد على أنه اتحاد فيدرالي، بل للاتحاد نشاطات عدة، أهمها كونه سوقاً موحداً ذا عملة واحدة هي اليورو الذي تبنت استخدامه 19 دولة من أصل ال28 الأعضاء قبل انسحاب بريطانيا من الاتحاد، كما له سياسة زراعية مشتركة، وسياسة صيد بحري موحدة.

ورغم جاذبية الاتحاد الأوروبي، إلا أن المملكة المتحدة سعت جاهدة للخروج من الاتحاد، ففي 23 يونيو/ حزيران 2016، قررت المملكة المتحدة عبر استفتاء الخروج، لتصبح أول دولة تقوم بذلك، وخرجت رسمياً في 31 يناير/ كانون الثاني 2020.

معايير كوبنهاغن

تسمى المبادئ التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على الدول الأعضاء ب«معايير كوبنهاغن». وجاءت هذه التسمية بعد اعتمادها من المجلس الأوروبي عام 1993 بعد قمة عقدت في العاصمة الدنماركية، ولهذا سميت باسمها. وتنص «معايير كوبنهاغن» على أن الدول المرشحة يجب أن تكون لديها مؤسسات تضمن الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، وحماية الحريات الأساسية، بما في ذلك حقوق الأقليات، إضافة إلى سوق اقتصادي يعمل بشكل جيد، والقدرة على التعامل مع الضغوط التنافسية وقوى السوق داخل الاتحاد الأوروبي. علاوة على ذلك، الالتزام بأهداف الاتحاد السياسية والاقتصادية والنقدية.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version