أصبحت الشريحة الإلكترونية (eSIM) الوسيلة الوحيدة للكثير من سكان قطاع غزة للتواصل مع أقاربهم أو نقل مجريات الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، في ظل الانقطاعات المتكررة لشبكتي الهاتف والإنترنت.
والثلاثاء، انقطعت خدمات الاتصالات والإنترنت بالكامل في القطاع المحاصر، للمرة الرابعة منذ اندلاع الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
وأصبحت هذه الشرائح وسيلة اتصال بالعالم للكثير من سكان القطاع، بعد أن يبتاعها لهم أقارب أو معارف في الخارج، وتعمل الشرائح وفق مبدأ بسيط: لتشغيلها، يتعيّن على المستخدم مسح «رمز الاستجابة السريعة» (QR code) المرسل من الخارج باستخدام كاميرا الهاتف النقال، ما يتيح وصله بشبكة اتصالات هاتفية خارجية، غالباً ما تكون إسرائيلية، وأحياناً مصرية.
وقال الصحفي هاني الشاعر (35 عاماً) لوكالة فرانس برس: «لا خيار أمامنا في ظل انقطاع الاتصالات والإنترنت في القطاع سوى استخدام هذه الشرائح، لولا هذه الخدمة لانقطعنا عن العالم على الصعيد المهني والشخصي أيضاً».
- اتصال يفي بالغرض
اندلعت الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، في أعقاب هجوم غير مسبوق شنّته الحركة على جنوب إسرائيل انطلاقاً من قطاع غزة.
وأدى الهجوم غير المسبوق لمقتل نحو 1140 شخصاً في إسرائيل وفق أرقام رسمية إسرائيلية، وأخذ نحو 250 شخصاً رهائن لا يزال 129 منهم في غزة، وفق المصادر ذاتها.
وردت إسرائيل بقصف مكثف ومدمّر على القطاع، وبدأت عمليات برية أواخر تشرين الأول/أكتوبر، ما تسبب بمقتل 20915 شخصاً غالبيتهم من النساء والأطفال.
وتسببت الحرب بأزمة إنسانية حادة شملت نزوح 1.9 مليون شخص يشكلون 85 بالمئة من إجمالي سكان القطاع، وفق الأمم المتحدة، كما شددت إسرائيل حصارها وقيّدت إدخال المساعدات.
في ظل الدمار الواسع الذي طال مناطق واسعة، أكدت سمر لبد التي كانت تقطن مدينة غزة بشمال القطاع، أنها فقدت الاتصال مع الجميع لأكثر من أسبوع.
وأوضحت ربة المنزل البالغة من العمر 38 عاماً، والنازحة حالياً الى مدينة رفح (جنوب) مع أولادها الثلاثة، أن شقيقها المقيم في بلجيكا قام بإرسال شريحة إلكترونية لي لتوفير الإنترنت لنتمكن من الاتصال ببعضنا بعضاً.
وتابعت «الاتصال ليس ثابتاً لكنه يفي بالغرض، على الأقل نتواصل مع بعض للاطمئنان ولو بشكل غير مستمر».
على رغم ذلك، لا تتمكن لبد من الاتصال بأقارب آخرين موجودين حالياً في خان يونس، كبرى مدن جنوب القطاع وحيث تتركز العمليات العسكرية منذ أيام.
وأضافت «لكني أطمئن عليهم عبر هذه الخدمة المتوافرة مع أحد الأشخاص الذي يقيم معهم لأن هاتفه يدعمها».
ولا يضمن الحصول على الشريحة الإلكترونية توافر خدمة الاتصال، إذ إنها غير ممكنة سوى في المناطق القريبة من الحدود مع إسرائيل، أو تتطلب الانتقال إلى أماكن مرتفعة للتمكن من التقاط إشارة جيدة.
في متجره للهواتف النقالة في مدينة رفح (جنوب)، يستقبل إبراهيم مخيمر الكثير من الصحفيين والمراسلين، وأكد أن هؤلاء هم «أكثر فئة تستخدم الشريحة الإلكترونية بسبب نقل الصورة الصحفية إلى العالم الخارجي».
وإضافة إلى الصحفيين، أكد مخيمر أن هذه الشرائح تلقى إقبالاً من عناصر «الإسعاف والدفاع المدني الذين يريدون معرفة أماكن القصف لنجدة من يمكن أن يقدموا له المساعدات»، إضافة إلى عاملين مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) «من أجل توجيه البضائع… والمساعدات إلى الأماكن الصحيحة من أجل إنقاذ الناس».
– أماكن مرتفعة ومفتوحة
وفي حين أن الشرائح تهدف لتعويض انقطاع الاتصالات، تبقى المفارقة في أن تشغيلها رهن توافر الإنترنت، وهو ما يتطلّب ساعتين أو ثلاث ساعات، وفق المصور الصحفي ياسر قديح.
وتابع «لجأنا للعمل باستخدام الشرائح الإلكترونية بسبب انقطاع خدمات الاتصال والإنترنت، لكننا نعاني لالتقاط إشارة جيدة للتمكن من إرسال موادنا الصحفية، إذ تتطلب هذه الشرائح التواجد في أماكن مرتفعة ومفتوحة لتكون الإشارة جيدة».
وأوضح قديح أن سعر الشريحة «يراوح بين 15 إلى 70 دولاراً حسب سرعتها ومدتها» بين أسبوع وشهرين.
من جهته، أكد الشاعر أن «الشرائح الإلكترونية بالنسبة لنا كصفيين تعتبر قشة لا يوجد أمامنا (خيار) سوى التعلق بها للتمكن من العمل».
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش حذرت أواخر تشرين الأول/أكتوبر من أن قطع الاتصالات في غزة قد يكون بمثابة غطاء لفظائع جماعية ويسهم في الإفلات من العقاب على انتهاكات لحقوق الإنسان.
عدا عن دورهم في نقل صورة الحرب، بات الصحفيون الفلسطينيون في غزة الذين تتوافر معهم شريحة إلكترونية، صلة وصل بين سكان القطاع وأقاربهم في الخارج.
وأوضح هاني الشاعر «الكثير من المغتربين يتواصلون معنا لمعرفة أخبار قطاع غزة وأخبار ذويهم، ونحن نطمئنهم عن أماكن القصف وأخبار ذويهم في ظل انقطاع هذه الشبكة الفلسطينية وبقاء الشرائح الإلكترونية فقط هي المتصلة على الشبكات الخلوية الدولية».