كتب: بنيمين زرزور

أصبح وصف الحرب في أوكرانيا بأنها «صراع إقليمي»، وصفاً منتهي الصلاحية، حيث أدى توسيع نطاقها إلى تسريع تطور الصراع إلى حرب من أجل مراجعة النظام الدولي بشكل عام. وتلعب مناورات كوريا الشمالية، ثم الحرب الإسرائيلية على غزة وتهديدات فنزويلا بالحرب ضد غويانا، حتى لو لم يتم تنسيقها مع موسكو، دوراً محورياً في تصعيد كبير من خلال تحويل انتباه الغرب وموارده عن أوكرانيا.

بحلول نهاية العام، يبدو أن الحلفاء الغربيين الرئيسيين أصبحوا أقل التزاماً بهدف انتصار أوكرانيا مما كانوا عليه في وقت سابق من العام. لقد فرضت مساعدة أوكرانيا عسكرياً واقتصادياً تكاليف باهظة، ولا تزال نتيجة الحرب ذات أهمية مشتركة بالنسبة لأوكرانيا وشركائها الغربيين سواء نصراً أو هزيمة.

فالإمدادات غير الكافية وغير المتسقة من الأسلحة والذخائر هي التي حددت سلفاً توقف الهجوم المضاد في أوكرانيا. وتسببت الوتيرة البطيئة لعمليات التسليم، في تأخرها عن الجداول الزمنية التي تحكم خطط الجيش الأوكراني. كما أثرت القيود المفروضة على الكمية في معظم أنواع العتاد الذي تم تسليمه، وأصبحت أكثر شحاً قبل أن يكتسب الهجوم المضاد زخماً. وكانت أنظمة المدفعية والدبابات الموردة إلى أوكرانيا من الإصدارات الأقل تقدماً في المخزونات الغربية. بالإضافة إلى ذلك، كان من المفترض على ما يبدو أن تحقق القوات الأوكرانية تقدماً كبيراً من دون قوة جوية خاصة تساند قواتها، على الرغم من التفوق الجوي الروسي.

وفي الوقت نفسه، أتيحت للجانب الروسي أشهر ثمينة (ديسمبر/كانون الأول 2022 – مايو/أيار 2023) لبناء ثلاثة خطوط دفاع محصنة خلف حقول ألغام شاسعة. ويبدو أنه تم التقليل من شأن حقول الألغام هذه في الفترة التي سبقت الهجوم المضاد، ما ترك القوات الأوكرانية تعاني نقصاً حاداً في معدات إزالة الألغام.

حرب موضعية

وفي أوائل ديسمبر الجاري، أعلن الرئيس فولوديمير زيلينسكي أن أوكرانيا ستتبنى استراتيجية دفاعية. وبالتوافق مع القيادة العسكرية العليا، بدأت القوات الأوكرانية في بناء خطوط دفاع محصنة مقابل الخطوط الروسية في الشرق والجنوب، وكذلك على طول الحدود الأوكرانية الروسية في الشمال. لقد تطورت الأعمال العسكرية إلى حرب موضعية ضارية من الاستنزاف المتبادل. وتشير التقارير الميدانية اليومية إلى أن روسيا تمتلك زمام المبادرة في عدة مواقع محددة على طول الخطوط الأمامية.

من هنا أصبح الهجوم المضاد المتوقف الحدث المحوري لهذا العام في أوكرانيا. لقد أعاد صياغة الأسس التي قامت عليها جميع التطورات في البلاد وحسابات الأصدقاء والأعداء على حد سواء لعام 2024.

وتتبنى روسيا الآن أهدافاً حربية أكثر توسعية في أوكرانيا. وقد وصف الرئيس فلاديمير بوتين مؤخراً «جنوب أوكرانيا» بالجملة بأنه «أراض روسية»، وساحل أوكرانيا على البحر الأسود باعتباره «موطناً للشعب الروسي»، وأوديسا باعتبارها «مدينة روسية». كما أعلن الكرملين أن الانتخابات الرئاسية في مارس/آذار 2024 ستُجرى في الأراضي «التي استعيدت» من أوكرانيا.

الناتو والاتحاد الأوروبي

وعلى صعيد التحالف الغربي، قرر زعماء مجموعة السبع خلال قمة حلف شمال الأطلسي، تحديد التزامات أمنية تجاه أوكرانيا لفترة ما بعد الحرب. وتخطط مجموعة السبع والدول الراغبة الأخرى، للتوصل إلى معاهدة متعددة الأطراف مع أوكرانيا، وربما معاهدات أمنية ثنائية بين أوكرانيا وكل دولة مشاركة.

وتعتزم أوكرانيا مضاعفة جهودها للحصول على دعوة رسمية للانضمام إلى قمة الناتو لعام 2024 في واشنطن. ويسجل الدعم الشعبي الأوكراني لعضوية الناتو ما بين 70 إلى 80% في استطلاعات الرأي، ما يعزز حافز الحكومة للسعي للحصول على العضوية.

ولا يقل عن ذلك الدعم الشعبي لعضوية الاتحاد الأوروبي، حيث مُنحت أوكرانيا أخيراً وضع المرشح الرسمي في ديسمبر/كانون الأول. وكانت الدوافع الأساسية وراء القرار استراتيجية أكثر منها فنية، حيث يسعى الاتحاد الأوروبي «الجيوسياسي» إلى تثبيت أوكرانيا في الكتلة التي تضم 27 دولة. وعلى عكس الناتو، الذي يؤجل أي قرار إلى ما بعد الحرب، يعتزم الاتحاد الأوروبي فتح محادثات الانضمام مع أوكرانيا في الربع الأول من عام 2024، بشرط تحقيق كييف تقدماً في الوفاء بمعايير الانضمام المحددة واستبعاد أي مسار سريع لمنحها العضوية.

وتتوقع بروكسل أن تتحمل العبء الأكبر من عملية إعادة الإعمار بعد الحرب في أوكرانيا. فنحن نفتقر إلى تقديرات موثوقة وحديثة عن حجم التكاليف، ويظل تعريف «ما بعد الحرب» غامضاً وبعيد المنال. ويبدو أن مناقشات الاتحاد الأوروبي بشأن الاستيلاء على الأصول الروسية لتمويل عملية إعادة البناء في أوكرانيا بعيدة عن أن تكون حاسمة في هذه المرحلة.

لقد أحدثت الحرب الروسية كارثة ديموغرافية في أوكرانيا، حيث أدى تدمير البنية التحتية والمساكن إلى نزوح اللاجئين. ويوصف هذا بأنه أكبر وأسرع حركة سكانية أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية. ويقدر عدد سكان أوكرانيا بنحو 45.3 مليون نسمة في عام 2013، وهو العام الأخير قبل الحرب. بدأت الخسائر السكانية الهائلة مع استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم وأجزاء من منطقة دونباس في عام 2014، ثم زادت مع نزوح اللاجئين في عام 2022. وتتسم تقديرات المنظمات الدولية والأوكرانية لأعداد اللاجئين لعام 2023 حتماً بالتقريب والتناقضات.

وسيظل العدد الدقيق لضحايا الحرب الأوكرانية معلومات سرية طوال مدة الحرب. وتضاف هذه الأرقام إلى الخسائر الديموغرافية والعمالية الناجمة عن تقلص الأراضي ورحيل اللاجئين. وسوف تؤثر هذه العوامل في أي تقييم لنتيجة الحرب النهائية من حيث الرابحين والخاسرين.

لقد روج زيلينسكي ببراعة للتفاؤل بشأن انتصار أوكرانيا النهائي، ويبدو أن التراجع الذي تم الإعلان عنه للتو كان مخيباً للآمال بالنسبة للكثيرين. ولم يكن من المستغرب أن تترتب على ذلك ردود فعل عنيفة ضد وجهات النظر «الوردية» عبر الطيف السياسي.

والآن أصبحت أوكرانيا وشركاؤها الغربيون معرضين لخطر خسارة الحرب تماماً. ولن يتمكنوا من الفوز بالاعتماد على قوة الحافز الأوكراني وحده. وللحفاظ على هذه الحماسة، يتعين على الحلفاء الغربيين أن يلتزموا من جديد بإرسال أسلحة دقيقة بعيدة المدى، ودبابات حديثة، وقدرات قوة جوية، وأنظمة دفاع جوي، وذخائر استعداداً لهجوم مضاد مناسب.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version