خاص

وول ستريت

خيم شبح الركود على الاقتصاد الأميركي خلال العام 2023 الذي أوشك على الانتهاء، بفعل ارتفاع معدلات التضخم، والزيادة السريعة في أسعار الفائدة الأميركية، لكن في نهاية العام حاول صناع السياسات الاقتصادية في الولايات المتحدة تعديل المسار بالكشف عن خطط خفض التضخم في العام المقبل، وإنهاء دورة التشديد النقدي.

وسعى الفيدرالي الأميركي إلى تحقيق “الهبوط الناعم”، من خلال الحد من التضخم من خلال تهدئة وتيرة النمو الاقتصادي دون التسبب في الانزلاق إلى براثن الركود.

  • الهبوط الناعم (Soft Landing) هو مصطلح يستخدم في الاقتصاد لوصف تباطؤ التوسع الاقتصادي دون أن يؤدي إلى ركود اقتصادي.
  • يحدث الهبوط الناعم عندما يتمكن الاقتصاد من التحول من معدل نمو عالي إلى معدل نمو أقل، دون أن يتسبب ذلك في انكماش الاقتصاد أو حدوث ركود.
  • عادةً ما يكون الهبوط الناعم هدفًا مرغوبًا للسياسات الاقتصادية، حيث يسعى الصناعون والمستهلكون إلى تجنب التقلبات الاقتصادية الحادة والتغيرات الكبيرة في معدلات النمو الاقتصادي.
  • تحقيق هبوط ناعم يعني أن التوسع الاقتصادي يتباطأ بشكل تدريجي دون حدوث صدمات كبيرة.

وكانت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، قد قالت في الأول من ديسمبر إنها تعتقد بأن الاقتصاد الأميركي لا يحتاج إلى مزيد من التشديد الصارم للسياسة النقدية للقضاء على التوقعات التضخمية وإنه يسير على الطريق الصحيح لتحقيق “هبوط سلس”.

وأردفت بأن هناك علامات جيدة للغاية تشير إلى أن البلاد ستحقق هذا الهبوط السلس، وهي:

  • استقرار معدلات البطالة 
  • تباطؤ النمو إلى مستوى مستدام. 
  • التضخم انخفض الآن بشكل كبير، مع عودة أسعار بعض السلع إلى مستويات ما قبل الجائحة.
  • الآن تترجم مكاسب الأجور فعليا إلى دخل حقيقي أكبر. 

 وفي نوفمبر الماضي قالت ليزا كوك، إحدى حكام الاحتياطي الفيدرالي في مؤتمر، إن المركزي الأميركي قد يكون في طريقه لخفض التضخم مع تجنب الركود الاقتصادي، مؤكدة أن الهبوط الناعم ممكن، مع استمرار انخفاض التضخم وسوق العمل القوي، لكن هذا ليس مضمونًا. وأكدت أن صناع السياسة النقدية يسعون من خلال الهبوط الناعم إلى إعادة التضخم إلى مستويات 2 بالمئة.

هل ينجح خفض الفائدة المرتقب في وقف تدهور الاقتصاد العالمي؟

هبوط سلس

وفي مقال نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، كتبت ريبيكا باترسون: “عزز الاجتماع الأخير للسياسة النقدية الأميركية للعام 2023، التوقعات المتفق عليها بهبوط سلس لاقتصاد البلاد في العام المقبل. هذا السيناريو المعتدل، مع انخفاض التضخم نحو هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 بالمئة دون أضرار مادية لسوق العمل، سيكون استثناء تاريخيا، وهناك الكثير من الأمور التي تعتمد عليه”.

وتابعت: “لنأخذ الأسهم الأميركية على سبيل المثال: يستبعد المستثمرون الآن أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قادر على خفض أسعار الفائدة بنحو 1.5 نقطة مئوية، بدءاً من أوائل شهر مارس، مما يساعد على دفع نمو الأرباح بنسبة 10 بالمئة في العام المقبل في الشركات المدرجة على مؤشر ستاندرد آند بورز 500”.

إن قائمة المحفزات المحتملة للتصحيحات في العام المقبل مروعة. وهو يتضمن تحولات كبيرة ومفاجئة في السياسات حول الانتخابات الرئيسية؛ وعدوى الصراعات حول العالم؛ والنكسات غير المتوقعة المتعلقة بالتكنولوجيا.

أربع أسئلة

نظراً للتحدي المتمثل في محاولة فهم وقياس مثل هذه المجموعة الواسعة من المخاطر، فيتعين علينا أن نحدد الأولويات. وفي حالة الهبوط الناعم للولايات المتحدة، هناك أربعة عوامل على الأقل لنبدأ بها. ومن الواضح أن حسمها سيؤثر على أداء السوق في العام المقبل، ترصدها الكاتبة فيما يلي:

  • العامل الأول هو “الاستهلاك”، نظرا لدوره المهيمن في دفع النمو في الولايات المتحدة. وفي هذه الحالة فإن الأمر يتطلب الاعتدال “الصحيح” في الإنفاق.
  • العامل الثاني مرتبط بكيف تعود سوق العمل في الولايات المتحدة إلى طبيعتها؟ وحتى لو حدث اعتدال معتدل في النشاط الاستهلاكي، فإن الهبوط الناعم يتطلب أيضاً خفض تضخم الأجور من دون خسارة كبيرة في الوظائف.
  • بصرف النظر عن الوظائف والاستهلاك، هناك قوة أخرى من شأنها أن تؤثر على فرص الهبوط الناعم وهي السلع. لقد أوضحت السنوات الأخيرة التأثير الهائل الذي يمكن أن تحدثه تغيرات أسعار السلع الأساسية على التضخم الأوسع.
  • هناك عامل أخير يتم التغاضي عنه غالبا، ويكمن خارج الولايات المتحدة، في الصين. لقد ساعدت التحديات الاقتصادية التي تواجهها بكين واستجاباتها السياسية بنك الاحتياطي الفيدرالي حتى الآن. أطلقت الصين جولات متعددة من التحفيز النقدي والمالي. وحتى الآن، أدت هذه الإجراءات إلى زيادة العرض أكثر من الطلب، مما زاد من مخاطر الانكماش في الصين.

وقد أسهم ذلك أيضًا في انكماش أسعار الواردات الأميركية على أساس سنوي طوال عام 2023، بعد الزيادات الكبيرة في الأسعار في الفترة 2021-2022. وجاء نحو 16.5 بالمئة من إجمالي واردات الولايات المتحدة العام الماضي من الصين. وانخفضت أسعار الواردات الأمريكية من الصين بنسبة 2.9 بالمئة على أساس سنوي في تشرين الثاني (نوفمبر). وربما يأمل المتحمسون للهبوط الناعم في الولايات المتحدة ألا يتعافى الطلب الصيني كثيرا وبسرعة أكبر مما ينبغي.

نجاح المهمة

من جهته، أوضح المدير التنفيذي في شركة VI Markets أحمد معطي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن صناع السياسات الاقتصادية في الولايات المتحدة ربما يستطيعون توجيه اقتصاد البلاد نحو الهبوط الناعم خلال العام الجديد، وبالتالي عدم الدخول في حالة ركود.

وأكد أن جميع البيانات الرسمية واضحة وتشير إلى أن الاقتصاد الأميركي لن يدخل في حالة ركود بينما سيدخل في هبوط ناعم، مستدلًا على هذا السيناريو المتوقع في 2024 بعدة أسباب؛ وهي:

آخر البيانات الرسمية أعلنت ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.9 بالمئة في الربع الثالث، وفي نفس الوقت هناك قوة في الوظائف، فمؤشر التوظيف في القطاع غير زراعي كان قد أضاف أكثر من 190 ألف وظيفة، ومعدلات النمو 3.7 بالمئة ما يعد مؤشرًا جيدًا، وهوما أكد عليه الرئيس الأميركي في لقاء له أخيراً، عندما أشار إلى أن اقتصاد بلاده قوي واستطاع خلال فترة إدارته على الرغم مما يمر به العالم الحفاظ على وضع البلاد الاقتصادي وعدم الوصول إلى حالة الركود.

وكان مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي عدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصاد في العالم بالتخفيض إلى 4.9 بالمئة على أساس سنوي خلال الربع الثالث.

وأكد معطي أن سيناريو الركود تلاشى لأن مستوى التوظيف قوي، وكذلك النمو مرتفع، بعد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الجديدة، كما ارتفع إنتاج النفط ليصبح أعلى إنتاج في تاريخ الولايات المتحدة والعالم ليصل إلى 13 مليون برميل يوميًا.

XTB MENA: خسائر الدولار اقتربت من نهايتها

تحديات

وذكر معطي أن الاقتصاد الأميركي قد يواجه بعض التحديات المحتملة خلال العام الجديد والتي من الممكن أن تعيق تحقيق الهبوط الناعم، وهي:

  • تزايد حالات الإفلاس والتي تقترب من مستويات العام 2008 وأزمة الرهن العقاري وهي الأزمة الكبرى وبمثابة أسوأ سيناريو يمكن حدوثه إذا استمر صناع السياسات الاقتصادية في الولايات المتحدة بتشديد السياسة النقدية لفترة أطول ما سيؤدي إلى حالات إفلاس أكبر.
  • تخطي مستويات الديون ووصولها إلى 33 تريليون دولار، وهي أعلى من الناتج  المحلي الإجمالي حوالي 100.29 بالمئة وتمثل نسبة خطر، خاصة أنه في نفس التوقيت هناك عجز بالموازنة يتخطى 6 بالمئة، لذلك الولايات المتحدة مهددة  بإعلان الإفلاس بين الحين والآخر.

وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، في سبتمبر الماضي، أن حجم الدين العام الأمريكي بلغ رقما قياسيا بعدما تخطى حاجز 33 تريليون دولار.

ووفقا لبيانات وزارة الخزانة الأمريكية، فإن إجمالي حجم الديون الخارجية للولايات المتحدة بلغ 33.044 تريليون دولار.

يضاف إلى ذلك أيضاً التحديات العسكرية عبر استمرار الولايات المتحدة في دعم الحروب عبر دعم إسرائيل في حربها بغزة وفي نفس الوقت دعم أوكرانيا، إضافة إلى أنه مع ارتفاع المخاطر في البحر الأحمر بدأت إرسال السفن الحربية وهو ما يمثل ضغط على الموازنة الأميركية، وفق معطي. 

ومنذ العام 2014، خصصت الولايات المتحدة أكثر من 27 مليار دولار من المساعدات الأمنية لأوكرانيا وأكثر من 24.2 مليار دولار منذ بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا في 24 فبراير 2022.

صدمات قد تعيق تحقيق الهبوط الناعم

كما قال الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن العام 2024 قد يشهد بداية لتراجع نسبة التضخم في الولايات المتحدة بشكل اوسه، وتخفيضًا لأسعار الفائدة، خاصة وأن توقعات الفيدرالي الأميركي تتجه لذلك إلا إذا حدثت أزمة أو صدمة اقتصادية جديدة.

وأكد أن الصدمات التي من شأنها أن تعيق حدوث هبوط ناعم في الولايات المتحدة مثل تطور الأزمة الروسية الأوكرانية على سبيل المثال أو التصعيد الإسرائيلي في غزة، مشيرًا إلى أنها تطورات من شأنها أن تؤثر على الاقتصاد بشكل عام والاقتصاد الأميركي بشكل خاص والسياسات الاقتصادية في البلاد.

وذكر أن الرهان لحدوث هبوط ناعم يتوقف على خفض سعر الفائدة أكثر من مرة، فمع كل خفض للفائدة يحدث مزيد من التراجع بالتضخم، ذلك في ظل استمرار السياسات الإنتاجية وتقديم الحوافز، خاصة وأن سعر الفائدة تنافسي قادر على جذب رؤوس أموال ضخمة، فبالتالي يساعد على السيطرة على التضخم.

واستطرد: صناع السياسات الاقتصادية في الولايات المتحدة لديهم إصرار كبير على مواجهة التضخم، وهو ما يعكسه تثبيت سعر الفائدة لفترة للسيطرة على التضخم ومن ثم خفضها في الفترة القادمة.

وكان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد ثبت أسعار الفائدة دون تغيير، وذلك للمرة الثالثة على التوالي هذا العام، لتظل عند مستوى يتراوح بين 5.25 و5.5 بالمئة، وهو الأعلى منذ 22 عاما.

وأشار الفيدرالي في توقعات اقتصادية جديدة إلى أن التشديد التاريخي للسياسة النقدية الأميركية بلغ نهايته، وأن تكاليف الاقتراض ستنخفض في 2024، حيث توقع انخفاضا بمقدار 75 نقطة أساس خلال العام الجديد.

سيناريو الركود

وأكد علي الإدريسي أنه لا يمكن الجزم بأن سيناريو الركود قد تلاشى، فلازالت الصدمات الاقتصادية على مستوى العالم تؤثر على الاقتصاد الأميركي، فضلا عن حالة الضبابية التي تؤثر على الاستثمار والمستثمرين، متوقعًا حدوث تحسن تدريجي لكنه لن يقضي على الركود تمامًا، وأن هذا الأمر يحتاج إلى وقت لتداركه والتخلص من التضخم والوصول به إلى معدلات مقبولة.

و في نوفمبر، بلغ معدل التضخم في أميركا، وفقا لمؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، 2.6 بالمئة نزولا من 2.9 بالمئة في أكتوبر، مما عزز توقعات السوق بشأن خفض أسعار الفائدة بالولايات المتحدة في مارس المقبل.

وباستثناء مكونات الغذاء والطاقة المتقلبة، ارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي 3.2 بالمئة على أساس سنوي في نوفمبر، وهو أقل ارتفاع منذ أبريل 2021.

نيوفيجن لإدارة الثروات: الدولار وصل لمحطته الأخيرة

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version